دلالات التوقيت والمشاركة: مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس
علي عاطف حسان، المركز العربي للبحوث والدراسات ١٤-٧-٢٠١٨
كان لانعقاد مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس خلال الأيام الماضية دلالات مهمة تأتي في ظل تطورات جديدة يشهدها المشهد الإيراني الأمريكي والإيراني الغربي. فعلى الرغم من أن المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية يُعقد سنوياً في العاصمة باريس، إلا أنه شهد هذه الدورة تطورات ملحوظة من حيث التوقيت والحضور.
وينبغي قبل الدخول في تفاصيل هذا المؤتمر ودلالاته هذا العام أن نوضح بعض النقاط حول طبيعة وتكوين المعارضة الإيرانية في الخارج، وخاصة في العاصمة الفرنسية باريس، ونجيب كذلك على تساؤل:
“من ينظّم مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس؟”:
تقوم منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة في باريس، والتي تتزعمها مريم رجوي، بتنظيم المؤتمر السنوي للمعارضة في العاصمة الفرنسية باريس. وكانت “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة قد تأسست عام 1965 في زمن الشاه الإيراني الأخير محمد رضا بهلوي وتجمع ما بين التوجه الإسلامي والماركسي.
وتم تقنين وضعية المنظمة بعد فترة قصيرة من اندلاع الثورة الإيرانية لعام 1979، إلا أنه سرعان ما تم الإعلان عن منعها من ممارسة أنشطتها. وطُرد أفراد المنظمة من إيران إلى خارج البلاد،ـ ولجأوا إلى العديد من الدول كان من أهمها ألبانيا وفرنسا.
إلا أنه وفي ظل التقارب الفرنسي الإيراني في منتصف ثمانينات القرن الماضي، تم إخراج مسعود رجوي، زعيم المعارضة الإيرانية وحركة مجاهدي خلق آنذاك من فرنسا ولجأ بعد ذلك إلى العراق الذي استقبلهم، وقاتلوا ضد إيران خلال حرب السنوات الثمانية. وفي عام 1988، ومع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، قامت المنظمة بالهجوم على بعضد المدن الحدودية الإيرانية وسيطرت على بعضها بالفعل، إلا أن القوات الإيرانية استعادت هذه المدن لاحقاً.
وفي عام 1989، تولّت مريم رجوي الأمانة العامة لمنظمة مجاهدي خلق وحتى العام 1993 وهو العام الذي أصبحت فيه الرئيسة المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية “البرلمان” في المنفي. ومنذ ذلك الوقت تتولي رجوي زعامة المعارضة الإيرانية التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقراً لها. وتقوم المنظمة بعقد مؤتمرها السنوي بباريس ويحضره شخصياتٌ عديدة من مختلف دول العالم، سواء العالم العربي أو الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية وغير ذلك.
مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس
بدأت فعاليات المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية 2018 في باريس أواخر شهر يونيو الماضي، واستمرت حتى بدايات الشهر الجاري يوليو. وقد افتتحت المؤتمر مريم رجوي، زعيمة المعارضة الإيرانية في باريس في 30 يونيو، وذلك بوضع باقة من الزهور على نصب تذكاري لضحايا النظام الإيراني في أحداث من أهمها حملة الإعدامات التي شهدها عام 1988، وذلك بإعدام الآلاف من السجناء السياسيين الذين كان النظام الإيراني يعتقد أنهم على علاقة بمنظمة مجاهدي خلق.
رجوي تضع 5 دلائل على سقوط النظام الإيراني
ثم بدأت أحداث المؤتمر بعرض مريم رجوي لكلمة أكدت فيها على دعمها لحركة الاحتجاجات التي تشهده إيران منذ أواخر العام الماضي في مناطق مختلفة، مثل مشهد وشيراز وبندر عباس وطهران وغيرهم.
وأوضحت رجوي خلال المؤتمر أن هناك خمس مؤشرات على أن النظام الإيراني دخل في مرحلة السقوط، أوضحت أن أولها هو إدراك الشعب الإيراني إلى أن نظامهم الحالي لا يحمل في طياته حلاً لمشكلاتهم. وثاني مؤشر ذكرته رجوي هو الاحتجاجات التي تشهدها المدن الإيرانية منذ أواخر العام الماضي.
أما المؤشر الثالث الذي ذكرته رجوي هي ما اسمته التناقضات الاجتماعية والبطالة وعدم المساواة، وجاء المؤشر الرابع ليكون العلاقات الإيرانية المتدهورة مع العديد من دول العالم، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية والعقوبات المختلفة التي تُفرض على النظام. وقالت رجوي إن أهم هذه المؤشرات هو المؤشر الخامس والذي قالت إنه يتمثل في الترابط ما بين المحرومين والمضطهدين وبين المقاومة.
المشاركون في المؤتمر
شهد المؤتمر حضور واسع من العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين من مختلف دول العالم. فقد قالت تقارير دولية إن هناك حوالي 100 ألف شخص قد حضروا هذا المؤتمر، وذلك إلى جانب الشخصيات الدولية الأخرى.
ومن بين هذه الشخصيات الدولية كان رودي جولياني، عمدة مدينة نيويورك الأمريكية الأسبق والمقرب من الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، كما حضر مستشار ترامب لشؤون السياسة الخارجية خلال حملته الانتخابية “وليد فارس”، ووزير خارجية إيطاليا الأسبق جوليو ترتزي.
كما شهدت جلسات المؤتمر حضور عضو مجلس الشيوخ الإيطالي روبرتو رامبي، وإدوارد ليب نانز، النائب السابق لوزير الداخلية الألماني، ومارتن بينز ليت النائب الألماني عن الحزب الحاكم، ولارش ريسه، العضو السابق في البرلمان النرويجي وغيرهم.(1)
ماذا يحمل انعقاد مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس هذا العام في طياته؟
يُعد مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس هذا العام مميزاً ويحمل دلالات معينة ومهمة من عدة زوايا، وذلك على النحو التالي:
– توقيت انعقاد المؤتمر:
جاء توقيت انعقاد مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس هذا العام مميزاً إلى حد كبير؛ وذلك بسبب:
أ- التظاهرات التي تشهدها إيران منذ أواخر العام الماضي:
ما تشهده إيران منذ أواخر العام الماضي، وتحديداً منذ شهر ديسمبر من العام المنصرم، من تظاهرات واسعة شهدت مختلف المدن الإيرانية من مشهد إلى طهران وإلى كردستان إيران.
ومثّلت هذه التطورات داخل إيران دفعة قوية للمؤتمر، حيث تركّزت خطب مريم رجوي والعديد من الشخصيات الدولية التي حضرته على هذه النقاط. فاندلاع التظاهرات داخل العديد من المحافظات الإيرانية أصبع المؤتمر الوطني للمعارضة بصبغة مختلفة عن الأعوام التي سبقته، والتي لم تكن تشهد هذا الزخم من التظاهرات داخل الأراضي الإيرانية والتي تعود لأسباب مختلفة محلية.
ب- حدوث تغييرات جديدة في الإدارة الأمريكية:
من أهم النقاط الجديرة بالاهتمام هذا العام في عقد مؤتمر باريس للمقاومة الإيرانية هي التغييرات التي شهدتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك حيث أصبح مايك بومبيو وزيراً للخارجية وهو المعادي لإيران والذي كان يشغل في السابق منصب مدير جهاز الاستخبارات المركزي الأمريكي “CIA“. وكان بومبيو، يوصف قبل توليه منصبه الجديد في الخارجية الأمريكية بعدو إيران اللدود وذلك في حياته السياسية السابقة على توليه المنصب المذكور.
والجدير بالذكر أن بومبيو، وفي ظل حملته ضد إيران، كان من الذين سعوا بجدية لإثبات ارتباط إيران بتنظيم القاعدة الإرهابي، حيث أزاح الستار في أكتوبر من العام الماضي عن مستندات حصلت عليها واشنطن في مقر بن لادن، زعيم التنظيم الإرهابي عند مقتله في غارة أميركية بابوت آباد بباكستان. كما كان بومبيو من الداعمين بشدة لخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وهو ما حدث بالفعل مؤخراً. كما شهدت الإدارة الأمريكية تغييراً في تولّي “جينا هاسبل” رئاسة جهاز الاستخبارات المركزي الأمريكي، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب.
ومن المهم الإشارة إلى أن سبباً رئيسياً لهذه التغييرات التي قام بها ترامب داخل البيت الأبيض والمؤسسات الأمريكية الأخرى كان التحولات المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الملف الإيراني من حيث برنامجها النووي أو الصاروخي أو دورها في منطقة الشرق الأوسط.
حيث إنه، وعلى سبيل المثال، كان من أسباب تغيير الرئيس ترامب لوزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون وإحلال بومبيو محله هو الطريقة التي كان تيلرسون يراها في التعامل مع الملف الإيراني والذي كان يميل فيه إلى التأني في خروج واشنطن من الاتفاق النووي. وكان الرئيس الأمريكي قد عبر في مارس الماضي عن ذلك ذات مرة قائلاً إن تيلرسون كان يرى أن الاتفاق النووي جيد وأنه كان لديه رأي مختلف وأراد تعديله إلا أن تيلرسون لم يتوافق مع ذلك.
ج- استمرار دعم أوروبي للمعارضة الإيرانية:
على الرغم من خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فإن الدول الأوروبية الأخرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا لا تزال تدعم هذا الاتفاق؛ انطلاقاً من مصالح اقتصادية تتمثل في العمليات التجارية والاقتصادية التي تقوم بها الشركات الأوروبية داخل السوق الإيراني. إلا أن ذلك لم يمنع دول أوروبية من تقديم الدعم، ولو حتى الشكلي، لمؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس. فعلى سبيل المثال، على الرغم من دعم فرنسا لبقاء الاتفاق النووي، إلا أن العاصمة الفرنسية باريس لا تزال هي الداعم الأول والمستضيف لمؤتمر المعارضة الإيرانية السنوي.
– الحضور اللافت للأمريكيين في المؤتمر:
كما سبق القول، شهد مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس حضوراً واسعاً من العديد من الشخصيات الأمريكية سلف ذكر بعضها هنا. فقد شهد المؤتمر حضوراً لشخصيات مقربة من الرئيس دونالد ترمب، وذلك مثل رودي جولياني المحامي الخاص لترامب، وحليفه ا رئيس مجلس النواب السابق، نيوت جينجريتش، وذلك إلى جانب مسؤولين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي. كما كان “وليد فارس”، مستشار ترامب لشؤون السياسة الخارجية من بين الحضور.
وتبرز أهمية الحضور الأمريكي هنا في قرب هذه الشخصيات من الرئيس الأمريكي ترامب نفسه، مما يعد شبه تأييد ضمني منه لهذا المؤتمر.
إذاً، يمكن القول إن مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس يأتي هذه المرة في سياق ظروف وتطورات مختلفة عما سبق سلطت الأضواء أكثر وأكثر عليه. ولم يكن أكبر من ذلك دليل إلا محاولة إحداث تفجير في المؤتمر من قِبل عنصر إيراني تم اعتقاله في العاصمة الألمانية برلين بعد إحباط أجهزة أمنية أوروبية لمخططه، وتجري محاكمته حالياً من قِبل القضاء الألماني.