داعش سوريا والجماعات المسلحة في الغوطة : دلالات الانتشار، والخيارات الحاسمة
بقلم: مصطفي صلاح، المركز العربي للبحوث والدراسات ١٢-٤-٢٠١٨م
لم تكن سيطرة الجيش السوري على مدينة دير الزور في 3 نوفمبر 2017م، والتى تمثل آخر معقل رئيسي للتنظيم في سوريا، إلا مؤشرا على مدى النجاحات التى حققتها سوريا في مواجهة تنظيم داعش، حيث تقلصت الأراضي التي كان يسيطر عليها وفقد أكثر من 98% من الأراضى التى كانت بحوذته.
على الجانب الآخر، أعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة داعش إنه لم يتبق للتنظيم سوى بضعة آلاف من المقاتلين يتمركزون بالأساس في البوكمال على الجانب الآخر من الحدود في سوريا. وبرغم تلك النجاحات صرح المتحدث باسم التحالف الدولي، الكولونيل الأمريكي “رايان ديلون” بأنه “لن تُهزم فكرة الدولة الإسلامية والخلافة الافتراضية على المدى القريب. سيظل تهديد الدولة الإسلامية قائما”
ولعل سلسلة الهزائم التى مُنى بها التنظيم في مهد نشأته، أثارت العديد من التساؤلات حول مستقبل وجود التنظيم في سورياوإمكانياته الحالية واستراتيجيته المستقبلية.
وفي هذا التوقيت، الذي يعاني فيه تنظيم داعش من هزائم متلاحقة وضربات موجعة، خرجت عشرات التقديرات للإجابة عن تساؤلات متعلقة بإمكانية أن يعيد التنظيم تشكيل نفسه من جديد داخل إحدى ولاياته، والمخاطر القادمة مع عودة الجهاديين إلى أوطانهم الأم.
داعش في آسيا: استراتيجية بديلة
شكلت الهزائم المتتالية التى تعرض لها تنظيم داعش في سوريا نقطة الانطلاق له في التوجه وفق استراتيجية بديلة نحو آسيا، وجاء ذلك على خلفية إعلان تنظيم داعش من خلال فرعه في ولاية خراسان (أفغانستان وباكستان)، ففي 4 مارس 2018م، ومن خلال شريط مدته 25 دقيقة بثه “حافظ سعيد خان” أمير ولاية خراسان على شبكة الانترنت، دعا فيه أتباع تنظيم داعش إلى الهجرة إلى أفغانستان في قوله “على كل مسلم يريد نصرة الشريعة أن يعجّل بالهجرة إلى الولاية فهي دارهم، دار الإسلام، عليهم أن يهاجروا حتى ينجوا من ذل الدنيا وعذاب الآخرة، ليخرجوا من فسطاط الباطل، ويدخلوا في فسطاط الحق الذي لا باطل فيه، ونحن نرحب بهم جميعاً ولا نفرّق بين مهاجر وغيره؛ فالمؤمنون إخوة لا فرق بينهم إلا بالتقوى، والمهاجر أحبّ إلينا من أنفسنا، وشرع الله قائم هنا بحمد الله، فبذلك سيحفظ المهاجر دينه ونفسه وعرضه وماله وعقله”.
هذا الإعلان جاء مغايرا للعديد من التحليلات والتقارير التى أكدت على أن تنظيم داعش سيعود إلى العمل الميلشياوى وحروب العصابات، كما هو حال الجماعات والتكتلات الإرهابية الأخرى، فلم يتبع التنظيم حرب العصابات كآلية جديدة لمواصلة جرائمه، خاصة وأن التنظيم يمتلك أسلحة وتجارب كثيرة تمكنه من تنفيذ المزيد من الجرائم في سوريا ودول أخرى في المنطقة.
ولعل هذا الإعلان جاء ليعبر عن استراتيجية تنظيم داعش ووجهته الفكرية التى تقوم على أساس قيام الدولة للانطلاق بالدعوة بل التأكيد على عدم ارتداد الفكرة أو انتفائها، وامتد ذلك إلى بيان قدرة التنظيم على التوسع والانتشار وكسب أراضى جهادية جديدة، وعواصم بديلة.
داعش ومواجهة جديدة
على خلفية إعلان تنظيم داعش انتقاله من سوريا، مهد النشأة ورمزية التنظيم إلى ولاية خراسان، أعلن مدير هيئة مكافحة الإرهاب بمنظمة شنغهاى للتعاون “يفغيني سيسويف” في 28 فبراير 2018م، عن خطط تنظيم داعش الجديدة واستراتيجيته، على خلفية إعلان تنظيم داعش في ولايته الجديدة خراسان، والتى ستكون بمثابة الأرض الجهادية الجديدة لانطلاقة، بعد الهزائم المتتالية التى تعرض لها التنظيم في سوريا، وأشار “سيسويف” في حديث أدلى به لوكالة “انترفاكس”: “الوضع في أفغانستان يثير قلقا شديدا، إذ يتمركز بمحافظاتها الشمالية مقاتلو تنظيم “داعش” الذين يصل عددهم إلى حوالي 3 آلاف مقاتل حاربوا سابقا في الشرق الأوسط و80% منهم منحدرون من روسيا والصين ودول آسيا الوسطى.
وعليه تتطلع الولايات المتحدة إلى دعم حلفائها في جنوب شرق آسيا على تعزيز جهودهم لمنع تنظيم داعش من البروز في المنطقة، ومواجهة الجماعات التى بايعته مؤخرا، وفي هذا الصدد، وستكون الأولوية الأمريكية متجه إلى تقديم المزيد من المساعدة وتنسيق الجهود بينها وبين حكومات دول المنطقة ضد تنظيم داعش.
الجدير بالذكر أن هناك العديد من الجماعات التى بايعت تنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادى، منها (جماعة تحريك الخلافة الباكستانية – شبكة مجاهدي شرقي اندونيسيا – جماعة أنصار التوحيد في الهند – حركة أوزبكستان الإسلامية – جماعة أبو سياف الفلبينية).
تأتي التخوفات الأمريكية خاصة بعدما أعلنت هزيمة تنظيم داعش في سوريا في أواخر عام 2017م، فبرغم هذه النجاحات الأمريكية ومعها قوات التحالف الدولى في مواجهة داعش وفروعه في سوريا، إلا أن الولايات المتحدة وحلفائها تتابع تواجد وتمدد التنظيم في آسيا، خاصة في ظل الانتشار الواسع في العديد من الدول كــ (ماليزيا – سنغافورة – الفلبين)، وتتعاظم التخوفات الدولية من احتماليه تزايد هجرات المقاتلين إلى هناك والذى يتبعه تنفيذ العديد من الهجمات المحلية واستهداف المصالح الأمريكية والغربية، وفي هذا الشأن، أعلنت الولايات المتحدة أن هناك قوات خاصة أمريكية تساعد القوات المسلحة الفلبينية في محاولة استعادة مدينة “ماراوى” التى سيطر عليها تنظيم داعش في الفلبين 23 مايو 2017م، والذى سيطر عليها لمدة ثلاثة شهور.
ووفق تصريح وزير الدفاع الأميركي “آشتون كارتر” خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكى في 12 مايو 2017م ” أنه من الواضح أن جنوب شرق آسيا هو مكان يطمح تنظيم داعش إلى التمدد فيه”.
يذكر أن تنظيم داعش تبنى العديد من الهجمات في آسيا، حيث استهدف في مايو 2015م، حافلة في كراتشى أوقعت 44 قتيلا، وتوالت الهجمات في 13 يناير 2016م، حيث تبنى تنظيم داعش هجوما على قنصلية باكستان في جلال آباد شرق أفغانستان. وفي يوليو من نفس العام هاجم داعش مظاهرة لأقلية شيعية (الهزارة) أوقع 80 قتيلا، كما نفذ داعش هجوما على السفارة العراقية في العاصمة الأفغانية “كابول”، نهاية شهر يوليو 2017، من خلال عملية مزدوجة، جمعت بين العمليات الانتحارية والهجمات التقليدية.
داعش: إمكانية العودة
أثارت التصريحات التى أعلنها الرئيس الأمريكىى “دونالد ترامب” في 29 مارس 2018م، العديد من التساؤلات حول احتمالية عودة تنظيم داعش مجددا إلى سوريا، مهد نشأته ورمزيته، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الاميركية تبدوا اكثر استقرارا واطمئنانا مما كانت عليه في السابق بعد إندحار تنظيم داعش، إلا ان هذا الوضع لن يستمر طويلا.
إن مقاربة الانسحاب الأمريكي، يكتنفها كثير من الغموض، وتفتح الباب أمام سيناريوهات عدة، في ظلّ استمرار المعارك في سوريا، بما فيها المعارك مع الفصائل الإرهابية؛ أى انه وعلى الرغم من الإعلانات المتتالية التى تؤكد القضاء على داعش من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، إلّا أنّ خطر الإرهاب ما يزال قائما، خاصة داعش في سوريا.
وعلى الرغم من أن مؤشرات الحرب والحشد الدولي تدل على أنه لن يُسمح لداعش بإقامة دولة ولا التوسع، وإن كان سيظل مصدر تهديد وقلق للدول والمجتمعات على المدى القريب، ويرجح هذا الاحتمال استنادا إلى تجربة الحرب مع “القاعدة” في السنوات العشر الماضية، وإن كانت الطبيعة الجغرافية لسوريا لا تسمح بتشكيل ملاذات آمنة كما في أفغانستان.
إن خطر داعش سيتواصل حتى وإن تم القضاء عليه ميدانيا بشكل كامل في سوريا طالما بقيت الأفكار الظلامية والمتطرفة والوحشية لهذا التنظيم تلقى صدى لدى أنصاره والمغرر بهم من أتباعه تحت شعارات ظاهرها إسلامي لكن الدين وكافة القوانين الإنسانية منها براء، حيث ما يزال تنظيم داعش يحظى بمؤيدين وأتباع في العديد من المناطق، والذين قد يكونون بمثابة الوقود الجديد لإعادة ظهور داعش في سوريا.
ورغم هذه النجاحات، إلا أنه لم يتم تجفيف منابعه وهي الاسباب التي تولد التطرف والارهاب. خاصة في ظل دلائل عديدة على وجود مئات المقاتلين المستعدين لتقديم حياتهم فداء لعقيدة التنظيمات الإسلامية المتطرفة، والتى قد تتأهب للقتال مجددا في أي مشروع لإقامة الدولة الإسلامية من جديد، إن داعش قادر على الاستمرار فى أنشطته حتى فى ظل الهزائم التى تعرض لها مؤخرا.
وإجمالاً: تلعب البيئة المحيطة فى سوريا دورا هاما فى مساعدة تنظيم داعش على إمكانية إعادة ظهوره مجددا، خاصة وأنه قد يتحول إلى جماعات سرية مغلقة، حيث عمل التنظيم خلال فترة سيطرته على المناطق فى سوريا على تجنيد ونشر أفكاره المتطرفة، حيث نظم فى أماكن سيطرته ما بات يعرف بالجيل الثانى، والمقصود بهم الأطفال وصغار السن، فعملوا على تدريبهم ليصبحوا فيما بعد مقاتليين فى صفوفه.
وثمة أمران لابد من اخذهما بعين الاعتبار في جملة الظروف المحيطة، التي ستساعد التنظيم في تحوله القادم، أولهما استمرار شيوع القتل والصراعات الدموية، واستمرار الاقتتال الداخلى فى سوريا ، والثاني غياب الحل السياسي الذي يفترض ان يؤدي الى تطبيع الحياة اليومية ليس في سوريا فقط وانما في بلدان الجوار والأبعد منها، والتي مازالت، تعاني من تداعيات الصراعات المسلحة، التي نشأ “داعش” في بيئتها، ويعتمد على تلك البيئة في الاستمرار.