أقلام وأراء

خير الله خير الله يكتب ضياع ما بعد حرب غزّة

خير الله خير الله  2021/06/07

مرحلة ما بعد حرب غزّة ليست مثل مرحلة ما قبل تلك الحرب فما الذي ستفعله حماس في ضوء انتصارها السياسي الذي جعلها في الواجهة على حساب السلطة الوطنيّة الفلسطينية في رام الله؟

الثابتان الوحيدان بعد حرب غزّة الأخيرة هما صعود “حماس” وحكومة إسرائيلية جديدة تخرج بنيامين نتنياهو من موقع رئيس الوزراء الموجود فيه منذ 12 عاما. كلّ ما يجري في ضوء حرب غزّة الأخيرة عجيب وغريب. عوّمت “حماس”، عبر الصواريخ التي أطلقتها من غزّة “بيبي”. كان ذلك بالتفاف اليمين حوله مؤقتا. ما لبثت أنّ غيّرت رأيها وقرّرت المساهمة في لعب دور في إنهاء حياته السياسيّة. بات الرهان الحمساوي على حكومة إسرائيلية جديدة من نوع شديد الغرابة. إنّها حكومة برئاسة اليميني نفتالي بينيت المنادي بالاستيطان، حكومة تجمع بين كلّ التناقضات يشارك فيها فلسطينيون من جماعة الإخوان المسلمين يتزعّمهم عضو الكنيست الإسرائيلي منصور عبّاس.

لا يجمع بين أعضاء هذه الحكومة سوى الرغبة في التخلّص من “بيبي” الذي يبدو واضحا أنّه استطاع خلق خصومات ذات طابع شخصي، خصوصا مع سياسيين إسرائيليين من أقصى اليمين. من المقرّر أن يكون بينيت رئيس الوزراء الجديد لمدّة عامين فقط. يفترض أن يخلفه، بعد سنتين، في موقع رئيس الوزراء يائير لابيد الذي يتزعم حزبا ينتمي إلى الوسط ويعارض الأحزاب الدينية واليمينيّة، بل يعتبرها خصما لدودا له.

كانت لقطة تاريخية تلك التي ظهر فيها منصور عباس، سليل جماعة الإخوان المسلمين، يقف مبتسما بجوار نفتالي بينيت، الزعيم اليهودي المدافع عن الاستيطان، وذلك بعد لحظات من الموافقة على تولي الأخير رئاسة الوزراء وتأمينه أكثرية في الكنيست.

دفع اشتراك الطرفين (بينيت ولابيد) في الوقوف في وجه “بيبي”، منصور عباس إلى المسرح السياسي الإسرائيلي من زاوية المشاركة في الحكومة بعدما حقق الفصيل الإسلامي الصغير الذي يتزعّمه أغلبية بسيطة صبّت في مصلحة الأحزاب اليهودية التي تأمل في عزل نتنياهو .

ستصبح القائمة العربية الموحدة أول حزب ينتمي إلى الأقلية العربية، التي تمثل نسبة 21 في المئة من سكان إسرائيل، يشارك في حكومة إسرائيلية. ذهب منصور عباس إلى تنحية كل خلافاته مع نفتالي بينيت رئيس الوزراء المقبل والزعيم السابق لأكبر تنظيم يدافع عن المستوطنات اليهودية ويطالب بضم معظم الضفة الغربية المحتلة.

انضمّ الإخوان المسلمون إلى دعم اليمين الإسرائيلي بطريقة تشكّل تخليا عن أيّ مبدأ من أيّ نوع. يكشف ذلك طبيعتهم الحقيقية. فقد اشتهر بينيت بعبارة أطلقها في الماضي القريب قال فيها “قتلت كثيرين من العرب كي لا تكون لديّ أيّ عقدة” تجاه مشاركة فلسطينيين من عرب إسرائيل في الحكومة!

من هو منصور عبّاس الذي كشف أنّ لا حدود أمام شبق الإخوان المسلمين إلى السلطة؟ ينتمي عباس إلى بلدة المغار التي يتألف سكانها من السنّة والدروز والقريبة من بحيرة طبريا. وحزبه هو الجناح السياسي للفرع الجنوبي من الحركة الإسلامية في إسرائيل بعدما انشق عن جناح رائد صلاح المسجون بتهمة التحريض على الإرهاب.

معروف أنّ الحركة الإسلامية في إسرائيل تأسّست عام 1971 وترجع أصولها إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تُعتبر “حماس” جزءا لا يتجزّأ منها على الرغم من كل الادعاءات المغايرة لذلك. يقول عباس الذي يعمل طبيب أسنان إنه يأمل في تحسين أوضاع المواطنين العرب الذين يشكون من التمييز وإهمال الحكومة لهم. قال في رسالة إلى أنصاره بعد توقيع اتفاق الائتلاف مع بينيت ويائير لابيد إن فصيله قرر الانضمام إلى الحكومة “من أجل تغيير توازن القوى السياسية في البلاد”.

قالت القائمة العربية الموحدة بلسان ناطقين باسمها إن الاتفاق يقضي بتخصيص أكثر من 53 مليار شيقل (16 مليار دولار) لتحسين البنية التحتية والتصدي لجرائم العنف في المدن العربية. أضافت أن الاتفاق يتضمن أيضا بنودا لتجميد هدم البيوت التي بنيت دون تراخيص في قرى عربية ومنح بلدات البدو في صحراء النقب، والتي تعتبر معقلا للدعم الإسلامي، وضعا رسميا.

أكّد منصور عباس إنه عندما تتشكّل الحكومة بدعم الفصيل العربي، سيتمكن من التأثير فيها وتحقيق إنجازات للمجتمع العربي.

هل صار “بيبي” من الماضي؟ سيعتمد الكثير على ما إذا كانت حكومة بينيت – لابيد قابلة للحياة من جهة وما إذا كان نتنياهو سيتمكن من التخلّص من مشاكله مع القضاء الإسرائيلي في ظلّ التهم بالفساد التي يحاكم بموجبها من جهة أخرى. الأكيد أن مرحلة ما بعد حرب غزّة ليست مثل مرحلة ما قبل تلك الحرب. الأكيد أيضا أنّ الوضع الداخلي في إسرائيل مقبل على تقلبات، فيما سيكون السؤال الأكبر بعدما تبيّن أن إسرائيل في حال ضياع ما الذي ستفعله “حماس” في ضوء انتصارها السياسي الذي جعلها، بفضل الصواريخ الإيرانية، في الواجهة على حساب السلطة الوطنيّة الفلسطينية في رام الله؟

الواضح وسط كلّ هذه المعمعة السياسية في إسرائيل، أن إدارة بايدن مرتاحة إلى التخلّص من “بيبي” القادر على ممارسة ضغوط عليها في الداخل الأميركي عن طريق الحزب الجمهوري والمسيحيين المتطرّفين الذين يعتبرون أنفسهم من أتباع الفكر الصهيوني. ذهب “بيبي” أخيرا إلى حدّ تأكيد أن الملفّ النووي الإيراني يتقدّم على الاحتكاك بالولايات المتحدّة. أراد بكل بساطة القول إنّه على استعداد للاشتباك مع الإدارة الأميركية في حال اضطرّ إلى ذلك. هذا ما فعله سابقا مع إدارة باراك أوباما، المغرمة بإيران، ونجح فيه إلى حدّ ما.

حسنا، تخلّصت الإدارة الأميركيّة من “بيبي”. هل لديها ما تطرحه بعد تشكيل حكومة برئاسة نفتالي بينيت؟ هل لديها مشروع سلام يوفّر أملا للفلسطينيين؟ الأهمّ من ذلك كلّه، هل سيكون التعاطي الأميركي مع بينيت أسهل من التعاطي مع “بيبي”، على الرغم من وجود يائير لابيد في وزارة الخارجيّة؟

بعد حرب غزّة التي لم يكن أيّ طرف في المنطقة وخارجها يتوقّع نتائجها، هناك أسئلة كثيرة ولا أجوبة عن أيّ منها. من بين الأسئلة التي لن يكون مفرّ من التعاطي معها مستقبلا ما العمل بغزّة نفسها وما مستقبل الدور المصري فيها؟ ما الذي ستفعله إدارة بايدن مع إيران وبرنامجها النووي وصواريخها وسلوكها خارج حدودها في غياب “بيبي” أو حضوره؟

لا يمكن الحديث، فقط، عن ضياع أميركي وإدارة فاجأتها صواريخ غزّة. هناك أيضا ضياع فلسطيني، يظلّ أفضل تعبير عنه مشاركة الإخوان المسلمين في حكومة على رأسها أحد قادة الاستيطان في الضفّة الغربيّة. هناك أيضا ضياع إسرائيلي تجسّده حكومة كلّ التناقضات التي قد تتشكّل…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى