أقلام وأراء

خيرالله خيرالله يكتب – التأميم عدوّ لبنان

خيرالله خيرالله –  8/3/2020

صنع لبنان اقتصاده الذي صمد طويلا بفضل المبادرة الفردية والابتعاد عن فكرة التأميم. هناك حاليا محاولة جدّية لجعل البلد يسقط. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان المدعي العام المالي اتخذ قرارا في شأن موجودات المصارف الكبيرة، مستثنيا مصارف معيّنة لأسباب ما زالت مجهولة.

أن يحبط المدعي العام التمييزي في لبنان محاولة لفرض قيود على المصارف الكبرى وفرض نوع من الحجز على ممتلكاتها وممتلكات رؤساء مجلس الإدارة فيها، خطوة تدلّ على أن لبنان ما زال يقاوم. إنّه يقاوم حاليا، وإن بشقّ النفس، محاولة القضاء على آخر حصن من الحصون التي صمدت في وجه الانتهاء من البلد وذلك منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969.

يقاوم لبنان بكلّ بساطة التأميم الذي يظلّ عدوّه الأوّل والذي أوصل بلدانا عربية عدّة إلى خراب. على رأس هذه البلدان سوريا التي أفقدتها التأميمات في عهد الوحدة مع مصر (1958 – 1961) ثمّ في عهد البعث، الذي انبثق عنه النظام الأقلّوي القائم، كلّ قدرة على المقاومة… فانتهت إلى ما انتهت إليه بسبب القضاء على المبادرة الفردية لدى الإنسان السوري. انتهت إلى بلد مفتّت. باتت سوريا بلدا مفتّتا إلى درجة صار فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتاجر بلاجئيه في محاولة لابتزاز أوروبا!

تبيّن، في ضوء تدخّل النيابة العامة التمييزية في لبنان لمنع أي إجراءات في حق موجودات المصارف، أنّه لا يزال هناك قضاة لبنانيون يتمتعون بحدّ أدنى من الاستقلالية. هذا أمر مهمّ بحدّ ذاته في بلد انهار اقتصاده عمليا وليس معروفا هل لا يزال في الإمكان إنقاذه. من الطبيعي طرح مثل هذا التساؤل في وقت هناك من يحاول تحميل المصارف اللبنانية مسؤولية الانهيار، علما أن هناك مآخذ كثيرة على بعض المصارف.

يتجاهل الذين يشنون الحملة على المصارف أن ما يفعلونه يصبّ في تدمير الاقتصاد نهائيا، أي تدمير البلد. فالمعادلة في غاية البساطة. يشكّل النظام المصرفي العمود الفقري للاقتصاد اللبناني. توقف المصارف يعني توقف الاقتصاد. هل من بلد في العالم يستطيع البقاء على رجليه من دون دورة اقتصادية؟

تكمن مأساة لبنان في غياب الفهم في السياسة والاقتصاد في آن. ما وصل إليه لبنان نتيجة طبيعية لغياب الرؤية لدى القيادة السياسية التي لم تعد تعي معنى تحوّل البلد إلى قاعدة إيرانية لا أكثر. لا تمتلك هذه القيادة السياسية القدرة على استيعاب ما على المحكّ في لبنان وما هي القرارات الشجاعة الواجب اتخاذها من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

من أجل مساعدة هذه القيادة السياسية في جعلها تعي ما هو على المحكّ، أي أن مستقبل لبنان كلّه بات في مهبّ الريح، لا بدّ من العودة إلى الأسباب التي مكنت البلد الصغير من البقاء استثناء في المنطقة حتّى العام 1975. هناك أسباب عدّة وراء ازدهار لبنان. من بينها المصارف ونظامه الحرّ المعادي للتأميم. أكثر من ذلك، لا بدّ من امتلاك الشجاعة الكافية للاعتراف بأنّ رفيق الحريري قام بمحاولة جدّية لإعادة لبنان إلى خارطة الشرق الأوسط انطلاقا من وسط بيروت الذي يشهد محاولة للقضاء عليه نهائيا.

المطلوب قتل رفيق الحريري مرّة أخرى ومعاقبة لبنان لأنّه حاول أن يعود بلدا لكلّ أبنائه. في كلّ يوم يمرّ، نفهم أكثر لماذا اغتيل رفيق الحريري ولماذا كلّ هذا الحقد لدى الذين قتلوه عليه وعلى لبنان. القتلة معروفون للأسف الشديد وهم مستمرّون في قتل لبنان!

ما ينفّذ حاليا، بكلّ الوسائل المتاحة يمثل خطوة أخرى على طريق الانتهاء من لبنان. بعد خنق بيروت، لم تعد هناك سوى عقبة أخيرة هي النظام المصرفي اللبناني الذي استهدفه “حزب الله” منذ سنوات عدّة، لا لشيء سوى لأنّ لا همّ لهذا الحزب سوى حماية المصالح الإيرانية بغض النظر عمّا يحلّ بلبنان واللبنانيين، بما في ذلك الشيعة منهم.

المؤسف، بل المخيف، غياب القيادة السياسية التي تقول بكلّ صراحة إن الخيارات المتاحة أمام لبنان واضحة ومحدودة. لا يمكن إنقاذ لبنان، هذا إذا كان هناك ما لا يزال في الإمكان إنقاذه، إلّا عن طريق المساعدات العربيّة أو عبر تدخّل المؤسسات المالية الدولية، في مقدّمها صندوق النقد الدولي. ليس سرّا أن هذه المؤسسات الدولية لا تتصرّف من دون ضوء أخضر أميركي.

بكلام أوضح، لم يفعل لبنان شيئا من أجل الحصول على مساعدات عربيّة. لا يمكن أن يكون لبنان صوت إيران في مجلس جامعة الدول العربية، لا عبر جبران باسيل ولا غيره، ولا يمكن للبنان أن يجد اهتماما أميركيا ما دام “حزب الله” يتحكّم بمصيره، خصوصا بعد تشكيل حكومة حسّان دياب التي تثبت في كلّ يوم أنّها ليست سوى “حكومة حزب الله” في عهد “حزب الله”.

صنع لبنان اقتصاده الذي صمد طويلا بفضل المبادرة الفردية والابتعاد عن فكرة التأميم. هناك حاليا محاولة جدّية لجعل البلد يسقط. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان المدعي العام المالي اتخذ قرارا في شأن موجودات المصارف الكبيرة، مستثنيا مصارف معيّنة لأسباب ما زالت مجهولة.

من حسن الحظ، وجد من يبطل هذا القرار عبر جهة قضائية تدرك أبعاده وتدرك خصوصا النتائج التي يمكن أن تترتب عليه. على الرغم من ذلك، إن تصرّف المدّعي العام المالي يثير قلقا يشير إلى أنّ هناك من لا يهمّه ما الذي يحلّ بالبلد ما دام هذا البلد مستعمرة إيرانية ولا شيء آخر…

من المضحك المبكي أن تقول “كتلة الوفاء للمقاومة” وهي كتلة نوّاب “حزب الله” بعد اجتماعها الأخير “حذار استدراج وصايات أجنبية على البلد، أيّا تكن الذريعة”. كلام الحزب موجّه إلى صندوق النقد الدولي. ما لم يقله الحزب ما هي الخيارات الأخرى أمام لبنان. لم يقل ما الدور الذي تلعبه إيران في لبنان وهل لديها ما تصدّره إلى لبنان غير الغرائز المذهبية والسلاح الميليشياوي وكورونا… وأدوية مشكوك بفعاليتها؟

بعض الشجاعة ضروري بين حين وآخر. أقلّه بالنسبة إلى شجاعة الاعتراف بأن فكرة التأميم ما زالت الطريق القصير للقضاء على لبنان أو ما بقي منه وتغيير طبيعة مجتمعه وصورته في العالم، وهي صورة صارت مشوّهة إلى حدّ كبير. الهدف من التأميم، بدءا بالمصارف، تصفية حساب مع لبنان ومع اللبنانيين الذين جاهدوا فعلا وعملوا بكدّ من أجل إنقاذ ما بقي من البلد، خصوصا من أجل تفادي وجود رئيس للجمهورية تفرضه عليهم إيران وحكومة يشكّلها “حزب الله” وأبواب مشرّعة أمام كورونا معروفة المصدر…

*خيرالله خيرالله  –  إعلامي لبناني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى