أقلام وأراء

خليل التفكجي يكتب – مخطط اليمين الإسرائيلي في القدس لعام 2050

الجزيرة نت، الدوحة، خليل التفكجي – 30/3/2017

يمكن وصف الصراع على مدينة القدس بأنه صراع على الأرض والسيادة عليها، وفي نفس الوقت صراع على الرموز والشكل والمظهر والعلم الذي يرفع على مبانيها وأسوارها، وصراع في الرواية وفرض الأمر الواقع على الأرض من جانب واحد على كل الأصعدة.

يمكننا القول إن الوضع العام يشهد مرحلة متقدمة من خواتم الأمور، وتتواصل السياسة الاستيطانية الإسرائيلية بإقامة المشاريع الاستيطانية ومصادرة الأراضي وتهويد مدينة القدس وعزلها عن الضفة الغربية بإقامة جدار الفصل العنصري والاستمرار في محاصرة القرى والمدن الفلسطينية وعزل غور الأردن، ومنع المصلين من أداء صلواتهم، وتحديد أعمارهم، وهدم المنازل وترحيل البدو من أماكن سكناهم وإبعادهم عن مصادر رزقهم.

تمسك بالاستيطان

تكشف التقارير السياسية والاقتصادية التي تصدر كل عام تمسك إسرائيل بالاستيطان، ومضمون الحل والسلام الذي تسعى إلى تحقيقه هو سلام المنتصر والمهزوم، السيد والعبد، الضعيف والقوي، المهيمن والخاضع، وفي ظل الثنائي -الشيء ونقيضه- تدعي أنها تمد يدها للسلام، والجانب الآخر يريد تدميرها، وهكذا تقدم نفسها أمام العالم “على أنها ضحية وبحاجة ماسة لإجراءات حماية استثنائية على الرغم من أنها دولة قوية”.

وفي ذكرى احتلال مدينة القدس الـ49 قال نتنياهو “القدس قلب الأمة لن يقسم”. وقال أيضا “إن جذور الإسرائيليين في القدس أعمق من جذور أي شعب آخر”.

أما زعيم حزب العمل يتسحاق هرتسوغ فقد قال “إن كان لليهود من قلب فالقدس هي قلبهم، وهي العاصمة الأبدية للشعب اليهودي ولإسرائيل”.

وعلى الرغم من الإدانات الدولية التي توجه إلى إسرائيل فقد استمر البناء الاستيطاني في مدينة القدس سواء بالمصادقة على المخططات لتوسيع مستعمرات قائمة أو المصادقة على مخططات لإقامة مستعمرات جديدة، سواء كان ذلك داخل المدينة أو خارجها لإقامة القدس الكبرى التي أخذت بعدا أمنيا وسياسيا وجغرافيا وديمغرافيا لتحقيق الأهداف الموضوعة ضمن الإستراتيجية الإسرائيلية بأن القدس عاصمة لدولة واحدة دون شريك فلسطيني.

وفي تحليل لوكالة أنباء رويترز فإن إسرائيل تواجه أزمة بسبب المستوطنات في ظل انتقادات دبلوماسية متزايدة، وفي الفترات الماضية تلقت نقدا شديدا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بسبب الإعلان عن خطط لبناء أكثر من 11 ألف وحدة سكنية جديدة على ما يريد الفلسطينيون أن يقيموا دولتهم عليها.

وأجاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على فكرة تجميد البناء بالمستوطنات قائلا إن “الحكومة برئاسته لن تخلي مستوطنات في القدس والضفة الغربية خلال ولايتها”، معتبرا أن عهد تقديم التنازلات من هذا القبيل قد ولى إلى غير رجعة”، كما رفض فكرة إعادة تجميد البناء في المستوطنات، قائلا إن تجربة حكومته الحالية على الصعيد السياسي أثبتت بطلان خطوة كهذه نظرا لأن قضية الاستيطان من نتائج النزاع مع الفلسطينيين وليس من مسبباته.

وفي تصريح آخر أعلن رئيس الوزراء الحالي نتنياهو عن رفضه إقامة دولة فلسطينية وتحدث عن نوع من الحكم للفلسطينيين. وأكد على مواصلة البناء في مستوطنات القدس الشرقية والضفة الغربية، مشددا على أنه طالما كان رئيسا للحكومة لا يريد أن يسيطر على الفلسطينيين ولا يدعم مواطنين في دولة إسرائيل. وقال “لا أريدهم رعايا، لذا سيكون هنالك نوع من الحكم في إطار منزوع السلاح”.

ومشروع القدس لعام 2020 الذي قارب تنفيذه على الانتهاء يقضي بإقامة 58 ألف وحدة استيطانية، وإقامة مستعمرات جديدة، وإحداث تغيير جذري بالقضية الديمغرافية، واعتبار القدس المركز الديني وقلب الحياة الثقافية والروحانية لأقسام كبيرة من سكان العالم، وأنها قلب الشعب اليهودي ومجمع روحي لكل اليهود في العالم والدولة.

مشروع 5,800

ثم جاء مشروع 5,800 لعام 2050، وهذا المشروع من أهم مشاريع اليمين الإسرائيلي تجاه مدينة القدس، فقد وضع مخططا جديدا للمدينة لرسم هذه الحدود في عقول الجمهور الصهيوني ووعيه الوطني، وهي رؤية ثانية لليمين للمشاريع طويلة الأمد لمدينة القدس ومستقبلها بعد 25 عاما.

وهذا المخطط الذي يهدف إلى إقامة مطار دولي كبير في منطقة البقيعة القريبة من مدينة أريحا والبحر الميت، ولا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن المدينة، وربط

المنطقة بشبكة من القطارات، وإقامة مناطق صناعية وتجارية وفنادق، وتوسيع حدود بلدية القدس لتصل إلى أريحا شرقا وغوش عتصيون (بين الخليل وبيت لحم) جنوبا، وموديعين (اللطرون) غربا، وتتجاهل هذه الخطة السكان الفلسطينيين واحتياجاتهم، وتظهر المدينة كمدينة دولية مزدهرة.

وفي هذه الخطة سيعيش في المدينة ومحيطها خمسة ملايين شخص، ويزورها 12 مليون سائح سنويا، وتكون مكتظة بالسياح والفنادق، وفيها مواصلات متطورة.

وتتجاهل الخطة الوضع السياسي في القدس والوجود الفلسطيني فيها، وتعتمد في مبادئها على ستة بنود أساسية، جميعها تتحدث عن يهودية القدس (دولة إسرائيل هي قلب الشعب اليهودي، والقدس هي قلب دولة إسرائيل والشعب اليهودي).

ويشير المبدأ الثاني إلى زيادة سكان القدس اليهود ليس فقط بناء على التكاثر الطبيعي، بل من خلال الهجرة إلى المدينة، وهذا الهدف سيكون بربطها بشوارع وأنفاق وسكك حديدية متطورة تربط المنطقة الساحلية بالقدس، وجعلها منطقة جاذبة للسكان وليست طاردة.

والمبدأ الثالث لواضعي الخطة يتحدث على أنها وضعت من أجل زيادة الازدهار للشعب اليهودي والدولة.

أما الهاجس السكاني فقد وضع في سلم أولويات الخطة، وتشير المبادئ الثلاثة الأخيرة إلى الحاجة للتخطيط الديمغرافي من أجل الحفاظ على أغلبية يهودية في المدينة.

ويسعى واضعو خطة القدس 5,800 لإظهار الخطة بأنها خطة غير سياسية تروج السلام من خلال الرخاء الاقتصادي.

لكن الأهداف الديمغرافية تقول غير ذلك، حيث تشير المعطيات إلى أن تنفيذ خطة 2050 سيؤدي إلى جني 120 مليون مليار دولار إضافية، واستحداث ما بين 75 و85 ألف فرصة عمل بدوام كامل في الفنادق، وثلاثمئة ألف وظيفة إضافية في الصناعات، وهذا سيؤدي الى تقليل نسب الفقر وجذب المزيد من اليهود إلى القدس وزيادة عدد اليهود.

جذب اليهود

ويركز المشروع على القطاع السياحي باعتباره محركا للتنمية الاقتصادية لجذب اليهود إلى المدينة واستخدام هذا التطور والهيمنة على القطاع السياحي أداة للسيطرة على الرواية وضمان إبراز القدس للعالم الخارجي كـ”مدينة يهودية”، وسيتم تطبيق قواعد صارمة على من يمكنه العمل مرشدا سياحيا وعلى الرواية والمعلومات التاريخية التي ستروى للسياح.

أما الصناعة فإن الخطة ترى إنشاء صناعات مقترحة، منها التعليم العالي والتكنولوجيا المتطورة، فمن أجل الارتقاء بصناعة التعليم العالي تهدف الخطة إلى بناء جامعة دولية في وسط المدينة تعتمد اللغة الإنجليزية لغة رئيسية للتدريس فيها.

وفي خطوات استباقية لهذه المشاريع أنشأت سلطة تطوير القدس (مركز القدس البيولوجي) لتعزيز الشركات الطبية البيولوجية في القدس كمحرك محتمل للتنمية الاقتصادية ولجذب هذه الشركات إلى القدس عارضة مزايا سخية جدا كالتخفيضات الضريبية والمنح لتوظيف عمال جدد في المدينة، والمنح الخاصة للشركات العاملة في مجال البحث والتطوير، أو إقامة البنى التحتية المتقدمة.

وهكذا ترسم الدولة العبرية مخططاتها ضمن رؤية مستقبلية واضحة، بينما يعيش العالم العربي والإسلامي صراعا داخليا مريرا استفادت منه الدولة العبرية في تنفيذ مشاريعها على جميع الأصعدة.

وبعد خمسين عاما من الاحتلال بدأت نتائج هذه السياسة حتى وصلت إلى حد إقحام الأماكن الدينية في الصراع، لتحويل الصراع القومي على الأرض إلى صراع ديني تكون نتائجه وخيمة على الفلسطينيين ومستقبلهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى