خفوت «داعش» يُجدد طموح «القاعدة»
وليد عبد الرحمن ٣٠-٤-٢٠١٨م
«القاعدة» و«داعش» هما من سيتصدر المشهد الدموي خلال الفترة المقبلة، بعد سنوات من العنف رجحت كفة «الدواعش»، وسبقها صولات وجولات لـ«القاعدة» في انتهاج التطرف… فتنظيم «القاعدة» الذي قاد حركة «الجهاد العالمي» منذ نحو عقدين، ونفّذ عملية هزت أميركا في «11 سبتمبر» عام 2001، وكان في عِزّ قوته حينها، تعرض لمرحلة «خفوت» عززها ظهور تنظيم «داعش»، إلا أن الأخير دخل في مرحلة خسارة الأرض والنفوذ، وتساقطت راياته في العراق وسوريا، ولاذ جنوده الأكثر شهرة بالفرار. والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً: هل يعني ذلك أن «القاعدة» لديها فرصة للعودة إلى المشهد من جديد؟
مختصون وباحثون في الحركات الأصولية بمصر أجابوا عن السؤال، بتأكيد أن التحركات الأخيرة لـ«القاعدة» تكشف طمعاً وطموحاً و«ألاعيب» في ذلك، خصوصاً أن التنظيم لمس انحسار نظيره «الداعشي» وفشل مشروعه، ما دفعه لتفسير هذا الفشل كانتصار لمشروع «القاعدة» القديم.
المختصون قالوا لـ«الشرق الأوسط» إنه على الرغم من أن أوروبا ترى أن تنظيم أيمن الظواهري فرصة للتخلص من «الدواعش»، فإن الغرب لن يسمح لـ«القاعدة» بتوسيع مناطق نفوذه، وسط تخوفات من استعادة التنظيم لعافيته وإمكانية التحول لكيان «داعشي» جديد.
وبحسب التقارير، لم تشهد السنوات الأخيرة أحداثاً إرهابية كبيرة تبنتها «القاعدة» في الدول الغربية، سوى تبنيها أحداث عنف طالت صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية عام 2015، وهي الصحيفة التي اعتادت تقديم صور مسيئة لسياسيين وشخصيات دينية، ما فُسر وقتها بمحاولة للفت النظر الدولي إلى تنظيم الظواهري. كما تبنَّت جماعة مختار بلمختار، فرع التنظيم في المغرب العربي، في يناير (كانون الثاني) 2016، عملية إرهابية في العاصمة البوركينابية واغادوغو، لحقها هجوم انتحاري على معسكر للجيش اليمني في محافظة لحج أغسطس (آب) من العام ذاته.
وطوال السنوات الماضية توقف نشاط «القاعدة» الإرهابي في الغرب؟ فسَّره مراقبون بأن «التنظيم خسر الكثير من كبار قادته الذين قتلوا بعد أن استهدفوا في كثير من العمليات، مما أعجز التنظيم الإرهابي عن مواصلة التخطيط والتنظيم لعملياته على المستوى الدولي… وكذلك لأن الأحداث الإقليمية في الشرق الأوسط جذبت أنظار التنظيم للتركيز عليها أكثر من الغرب… فضلاً عن تغيير أولويات (القاعدة) بعد ظهور (داعش) بوصفه تنظيماً متطرفاً مُنافساً يقوم بتنفيذ اعتداءات مماثلة في الغرب»… بالإضافة إلى أن بعض فروعه عبر العالم أعلنت انضمامها لـ«داعش» ومبايعة البغدادي، الذي استقطب أتباعاً وشباباً عبر العالم ذكوراً وإناثاً للالتحاق بالتنظيم.
العميد السيد عبد المحسن، الخبير الأمني، قال إن تنظيم «القاعدة» يتعامل مع الفترة الراهنة كفرصة للعودة إلى الواجهة من جديد، لكنه لن يتمكن من العودة إلى سابق عهده في المشهد «الجهادي»، بل سوف يشهد تحسناً نسبياً وليس طفرة، ولن يحقق ما فعله «داعش» في الغرب.
لكنَّ المراقبين شددوا على أن أميركا لن تسمح لـ«القاعدة» بتوسيع مناطق نفوذها، إلا في الحدود المرسومة لها… والغرب يرى بالفعل «القاعدة» فرصة للتخلص من «داعش»، لكنه يخشى من أن يستعيد «القاعدة» عافيته ويتحول إلى كيان «داعشي» جديد.
وقال عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «الضربات التي تلقاها (داعش) في سوريا والعراق، جعلت (القاعدة) يحاول أن يرث الإرث الداعشي، خصوصاً أن هناك أكثر من إصدار مرئي للظواهري يهاجم فيه (داعش) وزعيمه أبو بكر البغدادي، وأنهما (أي داعش والبغدادي) يسعيان لشق صف المسلمين، وأنهم صاروا أسوأ من (الخوارج) فلم يكتفوا بتكفير المسلمين بما ليس بمُكفر، بل كفروا العلماء والصالحين والمجاهدين».
يُذكر أن الظواهري انتقد البغدادي في تسجيلات صوتية كثيرة، وقال: «نحن (أي في القاعدة) لا نرى البغدادي كشخص جدير بالخلافة (المزعومة)»، واستغرب قيامه بتنصيب نفسه كخليفة بدعم من بعض الأشخاص «غير المعروفين»، وأنه دعا لما سماه «الدولة الإسلامية» من خلال «القوة والتفجيرات والسيارات المفخخة عوضاً عن ترغيب الناس وتخييرهم».
وقال الخبراء إن هجوم الظواهري على البغدادي عزز الخلاف بين «القاعدة» و«داعش» منذ الإعلان عن دولة «الخلافة المزعومة» في 2014، إذ كان زعيم «داعش» ومن معه يرون أن فرض «دولة» بالقوة هو الخيار الوحيد لتنفيذ حلم «الإسلاميين» في دولة… فيما كان يرى تنظيم «القاعدة» أن طرح فكرة «الدولة الإسلامية» في الظروف الدولية الحالية يضر بالفكرة وسيكون مصيرها الفشل.
يُشار إلى أنه قبل عام 2014 كان ينظر إلى «القاعدة» بوصفها التهديد المتطرف الأكبر ضد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين استناداً إلى تاريخ التنظيم الحافل بالتخطيط والدعم للاعتداءات الإرهابية، لكن عند ظهور «داعش» بات المنافس لـ«القاعدة»… وشهدت الفترة ما بين عامي 2015 و2017 رقماً قياسياً للعمليات الإرهابية في أوروبا وتبنى جميعها «داعش» وليس «القاعدة».
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في الحركات الأصولية، أن انهيار «القاعدة» خلال السنوات الماضية ليس سببه موت مؤسس التنظيم أسامة بن لادن (الذي ورث الظواهري قيادة «القاعدة» إثر مقتله في باكستان عام 2011)، لكن هذا هو حال التنظيمات التكفيرية منذ نشأتها، تنتهي من خلال حدوث اختلافات فكرية بين قياداتها، وانشقاقها إلى كيانات صغيرة متصارعة أكثر تطرفاً، مشيراً إلى أن أغلب قيادات «القاعدة» انشقت عنه، كما حدث في العراق وسوريا.
وانفرط العقد بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» مع اندلاع الصراع في سوريا عام 2011 عندما قرر البغدادي توسيع نشاطه ليشمل الأراضي السورية. فأرسل عدداً من مقاتليه لإقامة موطئ قدم لهم هناك… وفي بداية الأمر رحب الظواهري بدخول «داعش» معترك القتال ضد النظام في سوريا، إلا أنه كان يحبذ الاحتفاظ بـ«جبهة النصرة» (فرع «القاعدة» في سوريا) ككيان مستقل بقيادة سوريا منفصلة عن التنظيم المقبل من العراق.
غير أن قيادة «داعش» رأت أن التنظيم الذي يقوده الظواهري أفرط في التركيز على القتال في سوريا وتجاهل العراق. وظل الخلاف قائماً بين القيادتين حتى عام 2013 حين أصدر الظواهري أمره للبغدادي بالامتثال، غير أن الأخير رفض وأعلن من جانب واحد وضع «جبهة النصرة» تحت قيادته العراقية… وفي مطلع عام 2014 اندلع القتال بين التنظيمين، وعلى أثره أنهى الظواهري رسمياً علاقات «القاعدة» بـ«داعش» التي أعادت تسمية نفسها بـ«الدولة» في العراق والشام… وسعى «داعش» إلى التركيز على العدو المحلي في المجتمع الإسلامي قبل الخارجي بالقضاء على كل من يخالفه فكرياً ودينياً، بينما أنكفأ «القاعدة» إلى الداخل.
إلا أن انتهاء «داعش» الذي تآكلت «دولته المزعومة» عقب الانتصارات الواسعة التي حققتها القوات المتعاونة بقيادة أميركا، دفع كثيراً من «الجهاديين» لفقد انبهارهم بـ«داعش»، وهو ما يعني نجاحاً ضمنياً لتصور «القاعدة» عن «الدولة الإسلامية»… وفي سبيل ذلك تسعى «القاعدة» لاستعادة صدارتها للتنظيمات الإرهابية.
وقال مراقبون، عكست تصريحات قادة «داعش» زيادة وتيرة استهداف الغرب بعد انشقاقه عن «القاعدة». وأظهر بحث أعده كول بونزيل، الباحث الأميركي في شؤون التطرف الإسلامي، أنه منذ عام 2014 شرع قادة «داعش» في الدعوة بانتظام في تصريحاتهم العلنية إلى شن اعتداءات على الغرب وصلت لـ12 اعتداء… وحدث تغيير في أسلوب تصريحات قيادات «داعش»، ففي مايو (أيار) 2012، وقبل فترة طويلة من الانفصال الرسمي بين «القاعدة» وفرعها في العراق، صرح أبو محمد العدناني، المتحدث السابق باسم التنظيم، بأن «عدوك الأول هو الشيعة، وبعدهم يأتي اليهود ثم الصليبيين». وبعد أقل من عامين وتحديداً في مارس (آذار) 2014، تساءل العدناني قائلاً: «من العدو اللدود للولايات المتحدة؟ من يقلق مضاجعهم؟ من يهددهم؟ الإجابة بلا شك (المجاهدون)… أليست (داعش) في أول قائمة (المجاهدين) تلك؟». وبعد ذلك بأربعة شهور دعا البغدادي إلى شن هجمات على «الصليبين الغربيين». وفي سبتمبر 2014 أفتى البغدادي بقتل أي أميركي أو أوروبي خصوصاً الفرنسيين، أو مواطني الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش».
ويشار إلى أن الظواهري أكد في إحدى كلماته المسجلة الأخيرة أن التنظيم لا يزال يعتبر أميركا العدو الأول الأولى بـ«الجهاد»، وتلقت أميركا هذه الكلمات كمؤشر على استعادة «القاعدة» شوكتها متذكرة أحداث 11 سبتمبر.
لكن الزعفراني قال إن تنظيم «القاعدة» قام خلال الفترة الماضية بإطلاق تصريحات عن عمل تفجيرات في أوروبا وأميركا دون أن يكون لها أي أثر فعلي على الأرض.
وتعرض «داعش» خلال الأشهر الماضية، إلى خسائر متلاحقة على يد القوات العراقية التي يساندها الحشد الشعبي والمقاتلون العشائريون والبيشمركة في غرب وشمال العراق، بعد أن تراجعت قدراته القتالية في تلك المناطق التي فقد السيطرة عليها، إلى جانب استهداف أبرز رموزه وقادته.
وأعلن الجيش العراقي تحرير الفلوجة بالكامل، التي كانت تحت سيطرة التنظيم منذ يناير 2014، وتحرير الرمادي، التي كانت تحت سيطرة التنظيم منذ مايو عام 2015. كما طردت القوات العراقية «داعش» في أغسطس الماضي من القيادة، ثم الموصل آخر معاقل التنظيم الرئيسية.
وأشار مراقبون إلى أن «هناك انتقالاً الآن من تنظيم (داعش) إلى (القاعدة)، ومن دخلوا (داعش) يقفزون من سفينتها إلى سفينة (القاعدة)».
وقال أحمد بان، الخبير في الحركات الأصولية، إن «طبيعة التيارات والجماعات المتشددة حدوث تشظٍّ وخلافات وصراعات داخلية بينها تحت لافتات التكفير المُتبادل، فـ(داعش) كان تطوراً طبيعياً لـ(القاعدة)، وحاول التهامها في مرحلة من المراحل، و(داعش) بدأ فكرة التكفير داخله بين (الحازميين)».