أقلام وأراء

خالد عكاشة: الرئيس الأمريكى فى مواجهة اليمين الإسرائيلى

خالد عكاشة*23-1-2025: الرئيس الأمريكى فى مواجهة اليمين الإسرائيلى

«ستيفن ويتكوف» مبعوث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، بات ينظر إليه بالداخل الإسرائيلى، باعتباره القادم الجديد الذى استطاع أن يفرض على رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو فى جلسة واحدة ما عجزت إدارة بايدن عن إنجازه على مدى عام كامل. فقد وصل المبعوث إلى العاصمة القطرية الدوحة الأسبوع الماضى، وانضم إلى فريق الرئيس بايدن المفاوض فى فصل حاسم، من ماراثون تفاوضى تنقل طويلا بين القاهرة والدوحة وباريس وروما من أجل الوصول إلى تسوية بين إسرائيل وحركة حماس، تضمن إيقاف النار والانخراط فى صفقة تبادل للمحتجزين والأسرى لدى الجانبين، والأهم بحث وإرساء المستقبل المنظور لقطاع غزة.

المبعوث الأمريكى الجديد ستيفن ويتكوف (67 عاما) مستثمر عقارى شهير ومؤسس لمجموعة أعمال تحمل اسمه، انضم كأحد الوجوه الجديدة البارزة فى حملة ترامب الانتخابية منذ يوليو 2024، يمتلك ثروة شخصية تبلغ 500 مليون دولار ويدين باليهودية. نشرت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية عن دبلوماسى إسرائيلى من أعضاء وفد التفاوض، تعليقا عن المبعوث الأمريكى الجديد بأنه «ليس دبلوماسيا، ولا يتحدث بلغة الدبلوماسى» ولا يهتم على الإطلاق لا بالأخلاق ولا بالبروتوكولات الدبلوماسية. بل هو رجل أعمال مثالى يريد التوصل إلى اتفاق بأسرع وقت ممكن، ويندفع إلى الأمام بقوة غير عادية! هكذا بدا ويتكوف أمام المجموعة الموجودة بالدوحة، بل وتناقل الجميع هناك مشهدا كان يجرى أمامهم لأول مرة، واعتبر بشكل جدى كلمة السر فى الوصول إلى الاتفاقية. فقد أجرى ويتكوف اتصالا من الدوحة يوم الجمعة ليخبر مساعدى نيتانياهو أنه سيأتى إلى إسرائيل بعد ظهر السبت، وهو يوم عطلة اليهود الأسبوعية، لذلك أعرب المساعدون عن خشيتهم من عدم قدرة نيتانياهو على إتمام هذا اللقاء فى الموعد المقرر. رد فعل ستيفن ويتكوف فاجأ المساعدين، إذ أوضح لهم بلغة إنجليزية حادة أن يوم السبت لا يهمه. ووفق ما تمت روايته لاحقا فى قطر أن المبعوث الأمريكى كانت رسالته قوية وواضحة، ليعود المساعدون بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى أبلغهم أنه سيكون سعيدا للقاء المبعوث الأمريكى، وفى خروج غير معتاد عن الممارسة الرسمية الإسرائيلية، حضر رئيس الوزراء إلى مكتبه لعقد اجتماع رسمى مع ويتكوف، الذى عاد بعد ذلك إلى قطر لإتمام الصفقة.

الرئيس ترامب؛ له حساباته «الخاصة» تماما، ولا يظن أحد معرفته حتى بجدوله الزمنى فى انجاز ما يراه هو شخصيا ضروريا. ظهر هذا بشكل جلى فى تدخله المفاجئ على خط إنهاء الحرب فى قطاع غزة، فالثابت أن ما كان متداولا بالداخل الإسرائيلى أن نيتانياهو كان يخطط لأن يستغرق الأمر أسبوعا إضافيا، كى يعبر تاريخ تنصيب الرئيس ترامب ويضمن الرحيل الكامل لإدارة بايدن من الصورة، ومن ثم يبدأ فى إرساء ما سيتم التوصل إليه، وبالتأكيد كان بعيدا جدا عما تم التوصل عليه، وبدا بشكل واضح أنه أقل كثيرا مما كان يتوقعه هو ومجموعة الوزراء اليمينيين الذين أصابتهم صدمة كاملة.

افتتاحية الإيكونومست ربما ذهبت لأبعد من ذلك، فهى تتحدث عن الرئيس الأمريكى الجديد قبل استلام منصبه بساعات بلهجة تعبر عن خشية كبيرة من وجود سوء فهم، فهى تتوقع أن ترامب جاء لولايته الثانية من أجل إحداث انقلاب جذرى فى الساحة الدولية، وليس فيما يخص الشرق الأوسط وحده كما انتظر كثيرون، وإن كان ما جرى خلال الساعات الماضية على صعيد إنجاز صفقة غزة يؤكد بالضرورة هذا الاختلاف الذى تجاوز التوقعات.

افتتاحية المجلة الشهيرة؛ ترى أن كثيرا ما اتهم منتقدو ترامب بالتهريج والانعزالية، ولكنه حتى قبل توليه منصبه فى العشرين من يناير، أظهر ترامب مدى قصر هذه الكلمات عما قد تحققه ولايته الثانية. فمع اقتراب موعد تنصيبه، ساعد فى تأمين وقف إطلاق النار وصفقة إطلاق سراح الرهائن فى غزة. وفى انتهاك للمحرمات سعى إلى السيطرة على جرينلاند، بما تحتويه من معادن وموقع استراتيجى فى القطب الشمالي. لذلك لن تكون ولاية ترامب الثانية أكثر إرباكا من ولايته الأولى فحسب؛ بل إنها ستحل أيضا محل الرؤية المستقرة للسياسة الخارجية التى هيمنت على أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية. فعلى مدى عقود من الزمان، زعم القادة الأمريكيون أن قوتهم تأتى مع المسئولية عن كونهم المدافع الذى لا غنى عنه، عن عالم أصبح أكثر استقرارا وسلاما بفضل الديمقراطية والحدود المستقرة والقيم العالمية. فيما المؤكد أن يتخلى ترامب عن القيم ويركز على تكريس القوة واستغلالها، وسوف يتم اختبار نهجه فى ثلاثة صراعات: الشرق الأوسط، وأوكرانيا، والحرب الباردة بين أمريكا والصين. وكل منها يظهر كيف أن ترامب مدفوع إلى الانفصال عن العقود الأخيرة، مستخدما أساليبه غير التقليدية، واستخدامه الانتهازى للنفوذ، وإيمانه بأن القوة وحدها تخلق السلام. وفى تحليل يخص نهج الرجل الذى سيتولى منصبه خلال أيام؛ يبدو فعليا أن الشرق الأوسط يوضح موهبته فى عدم القدرة على التنبؤ بما سيحققه. ففى نهاية المطاف، وافق الإسرائيليون والفلسطينيون على التوصل إلى اتفاق بشأن غزة، لأنه وضع موعدا نهائيا من خلال التهديد بأن «الجحيم سوف يندلع» إذا فشلوا. وعلى عكس معظم صناع السلام، فإن ترامب غير مهتم بالتاريخ المعذب للشرق الأوسط، فكما تشير أحاديثه التحضيرية أن الاتفاقيات الإبراهيمية التى تم توقيعها فى ولايته الأولى، سيمضى فى تعزيزها، بحيث يستخدم إطلاق سراح الرهائن للترويج لصفقة بين إسرائيل والسعودية، التى يراها الطريق إلى الرخاء وإلى حصوله على جائزة نوبل للسلام.

ولكن بحسب توقع الايكونومست؛ فإن المنطقة التى تمثل موطن الديانات التوحيدية الثلاث سوف تكون اختبارا صارما، لما إذا كان الناس على استعداد حقا لوضع معتقداتهم ومظالمهم جانبا، من أجل فرصة موعودة بالرخاء. وبالمناسبة ترامب يرى أن اليمين الإسرائيلى، ممثلا فى وزرائه بالحكومة ونوابه بالكنيست أكثر تعطيلا لخططه المستقبلية من أى طرف آخر، هو لن يصرح بذلك، لكنه بالتأكيد يمكنه التعامل معهم على غرار ما قام به «ستيفن ويتكوف» مؤخرا.

 

*- المدير العام المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى