أقلام وأراء

خافيير سولانا يكتب – على الاتحاد الأوروبي أن يعترف بالدولة الفلسطينية

خافيير سولانا* – مدريد – 26/12/2017
مرة أخرى، اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهجا انفراديا للسياسة الخارجية -هذه المرة، من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقام ترامب مجدداً بتحريف واقع الشرق الأوسط. ونظرا لأن تصرفه الأخير -الذي نسف أكثر من 70 عاما من الإجماع الدولي- قد يعجل بتدهور سريع في المنطقة، أضحى تدخل الاتحاد الأوروبي ضرورياً.
ترتكز سياسة ترامب في الشرق الأوسط على تحالف نشط بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وقام كل رئيس أميركي منذ الرئيس جون كينيدي بأول زيارة خارجية له، سواء إلى المكسيك أو كندا أو أوروبا. ما عدا ترامب، الذي توجه مباشرة إلى الرياض، حيث شارك في قمة مع 54 دولة ذات أغلبية مسلمة وألقى خطاباً تحريضياً يهدد إيران من خلاله، وأكد أنه على المجتمع الدولي تجنبها.
بعد زيارته للمملكة العربية السعودية، قام ترامب بزيارة إسرائيل، حيث أطلق وابلاً آخر من الخطاب المناهض لإيران. ولا توجد بين السعودية وإسرائيل علاقات دبلوماسية، لكنهما حليفان لأميركا ولهما خصم واحد: إيران. وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، أعرب قائد جيش الدفاع الإسرائيلي، الملازم الجنرال غادي إيسنكوت، عن انفتاحه بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع السعودية لمواجهة إيران. وقال إيسنكوت للصحفيين “بصحبة الرئيس ترامب”، إن “هناك فرصة لبناء ائتلاف دولي جديد في المنطقة”.
على أي حال، أراد ترامب بوضوح الاستفادة من هذه الظروف لإحداث انقلاب دبلوماسي. لكن قراره بشأن القدس يجبر الحلفاء العرب على مواجهة معضلة، والتي تكمن في ما إذا كان ينبغي إعطاء الأولوية القصوى للدفاع عن القضية الفلسطينية، أو لتطبيع العلاقات مع إسرائيل كوسيلة لاحتواء إيران.
ويبدو أن بعض هؤلاء العرب يأملون في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويقترحون ترك المسائل الشائكة جانباً حول وضع القدس والفلسطينيين بشكل عام. كما حاول ترامب إضافة شيء بسيط إلى إعلانه، مؤكداً أنه لم يتخذ موقفاً بخصوص الحدود الجغرافية لصالح السيادة الإسرائيلية في القدس، وأن السفارة الأميركية لن تنقل من تل أبيب على الفور.
لكن، وكما قال المبعوث الأميركي السابق للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، مارتن إنديك، فإن بإمكان الأميركيين “محاولة الحد من الأضرار، لكنهم لن يكونوا قادرين على ذلك، لأن القدس قضية خلافية للغاية”. وقد انعكس هذا الواقع في اندلاع احتجاجات الشوارع في جميع أنحاء الشرق الأوسط بعد إعلان ترامب مباشرة، على الرغم من أن العنف واسع النطاق الذي كان يخشاه البعض لم يحدث.
وعلاوة على ذلك، عقدت منظمة التعاون الإسلامي قمة استثنائية في اسطنبول، والتي أكد من خلالها أعضاؤها “مركزية قضية فلسطين والقدس الشريف عند الأمة الإسلامية”، وقد اعترفت بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وأدانت بشدة تصرفات ترامب.
لن يستطيع أي مسلم نسيان أن القدس هي موطن المسجد الأقصى، وهو ثالث أقدس موقع في الإسلام. وقد أشار العاهل السعودي الملك سلمان إلى المسجد عندما حذر ترامب من مدى الضرر الذي سيلحقه قرار القدس. وعندما أعلن ترامب عن القرار على أي حال، اعتبرته المملكة قرارا “غير مبرر” و”غير مسؤول”.
الحقيقة هي أن الدول العربية الحليفة لأميركا لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن القضية الفلسطينية وتسمح لدول أخرى مثل تركيا وإيران بالتدخل. ومن شأن ذلك أن يصبح خطأ تكتيكياً مثل قطع العلاقات مع قطر قبل بضعة أشهر. كما سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يدعم هؤلاء العرب فجأة خطة مختلفة جذرياً عن مبادرة السلام العربية، المعروفة باسم “المبادرة السعودية”، التي تمت الموافقة عليها في العام 2002 وأقرتها جامعة الدول العربية هذا العام.
وهكذا، فإن سيناريو حلم ترامب -الذي يشارك حلفاء عرب مع إسرائيل للضغط على الفلسطينيين لتحقيق السلام – لن يتحقق لعدة أسباب. ويتمثل السبب الأول في أن هؤلاء العرب ليسوا في وضع يسمح لهم بالتنازل عن المطالب العربية بشأن القدس. والسبب الثاني، أن الاستراتيجية التي لا تعطي الفلسطينيين حق تحديد مصيرهم، ومصير القدس، لن تنجح أبدا. وثالثا، أن إدارة ترامب -بما في ذلك صهره جاريد كوشنر، الذي عهد إليه ترامب بدور في عملية السلام العربية الإسرائيلية- تعمل مع رجال أعمال وليس سياسيين، كما أشار كوشنر مؤخراً. لكن من المحتمل أن تتم معاملة القدس، والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني على نطاق أوسع، كصفقة تجارية.
على الرغم من أن ترامب لم يستبعد حل الدولتين -وهو النهج الذي أقرته الأمم المتحدة- فإنه قد يتسبب في فشله. والطريقة الوحيدة لإنقاذه، أو القيام بإعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، هي العمل من أجل تحقيق تكافؤ الفرص. ولهذا، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يأخذ زمام المبادرة وأن يبعث برسالة قوية، من خلال الاعتراف الفوري -كما فعلت أكثر من 70 % من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالفعل- بدولة فلسطين.
وينبغي أن يبدأ المسار نحو حل الدولتين بمبادرة السلام العربية التي تنص على اعتراف الجامعة العربية بإسرائيل لتعود إلى حدودها قبل العام 1967، على الرغم من أنه يمكن النظر في نهج بديل أكثر تدرجا. وما يزال حل الدولتين -الذي من شأنه أن يسمح لإسرائيل بالاحتفاظ بطابعها اليهودي والديمقراطي، وأن يضمن بقاء الدولة الفلسطينية- يمثل أكثر الحلول مصداقية للخروج من المستنقع العربي الإسرائيلي. لكننا إذا أردنا تحقيق مبدأ “الانفصال بسبب الاحترام” الذي اتخذه إسحق رابين في التسعينيات، فلن يكون هناك وقت لنضيعه: إن نهاية الدولة الفلسطينية تقترب مع كل يوم يمر.
*كان ممثل الاتحاد الأوروبي للسياسة الأمنية، والأمين العام لحلف الناتو، ووزير خارجية إسبانيا. وهو الآن رئيس مركز “إيساد” للاقتصاد والعالمي والجغرافية السياسية، وزميل معهد بروكينغز.
*خاص بـ”الغد”، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى