خافيير سولانا يكتب – شوكة تركية في خاصرة الاتحاد الأوروبي
خافيير سولانا* مدريد – 30/3/2017
فيما يحاول الاتحاد الأوروبي مواجهة عاصفة القومية التي تهدد مؤسساته الأساسية، يحقن بعض أكثر حلفائه الاستراتيجيين أهمية المناخ السياسي الحالي بالمزيد من الشكوك وعدم اليقين. ومن الأمثلة الواضحة هنا تركيا، التي التحقت بعضوية منظمة حلف شمال الأطلسي في العام 1952، وكانت مرشحة رسمياً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ العام 1999.
على الورق، تبدو تركيا وكأنها الدولة المثالية للعمل كجسر بين أوروبا والشرق الأوسط. ولكنها اتخذت الآن منعطفاً مقلقاً بعيداً عن أوروبا، حتى أن الرئيس رجب طيب أردوغان يتهم الحكومتين الألمانية والهولندية بالتصرف مثل النازيين.
منذ تعرض لمحاولة انقلاب في تموز (يوليو) الماضي، اغتنم أردوغان فرصة حالة الطوارئ الوطنية لاتخاذ وضع الهجوم وتعزيز سلطته. وساعدت طفرة تأييده الشعبي في تعزيز استراتيجيته الجديدة المتمثلة في الحكم من خلال إصدار المراسيم. وحتى الآن، جرى فصل مائة ألف موظف حكومي أو وقفهم عن العمل، وأُرسِل العديد من خصوم أردوغان السياسيين إلى السجن. كما أُغلِق عدد كبير من منظمات المجتمع المدني والمنافذ الإخبارية، والآن تحمل تركيا الامتياز المشين المتمثل في الرقم القياسي على مستوى العالَم من الصحفيين وراء القضبان.
بالإضافة إلى ذلك، يمارس أردوغان الضغوط لفرض إصلاح دستوري عن طريق الاستفتاء المقرر عقده في منتصف نيسان (أبريل)، والذي من شأنه أن يحول تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وفي حالة إقرار هذا التطور، فسوف
يكتسب أردوغان صلاحيات تتجاوز حتى تلك التي تمتع بها “الأب” المبجل لتركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
وقد حذر مجلس أوروبا من أن هذا الاستفتاء قد يفتقر إلى النزاهة، لأنه يُعقَد في ظل حالة الطوارئ. وفي هذه الظروف، سيوجه استفتاء بهذا الحجم ضربة أخرى للديمقراطية التركية، مع اكتساب أردوغان المزيد من الحرية في متابعة سياسته الخارجية متزايدة التقلب والتمرد.
على الرغم من اتفاق آذار (مارس) 2016 بين تركيا والاتحاد الأوروبي الخاص بإدارة تدفق اللاجئين إلى أوروبا، يبدو أن التوترات السياسية أصبحت هي القاعدة الجديدة في العلاقات الثنائية. فقبل بضعة أسابيع، انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أردوغان بسبب هجومه على حرية الصحافة؛ ومن جانبه، دأب أردوغان على التهوين من بشاعة النازية في تعليقاته التي انتقد فيها إلغاء المسيرات المؤيدة للاستفتاء، بسبب مخاوف أمنية في ألمانيا وهولندا.
غير أن أردوغان لا يستطيع أن يختبئ خلف اتفاق اللاجئين لإطلاق إساءات غير مقبولة. وعلى الرغم من أن الاستجابة للغضب بالمزيد من الغضب هي ممارسة هَدّامة، فإن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى إرسال إشارة واضحة مفادها أن شراكته مع تركيا قيمة للغاية، ولكنها ليست غير مشروطة. ويشكل البيان المشترك الأخير الصادر عن ممثلة الاتحاد الأوروبي العليا فيدريكا موجيريني والمفوض يوهانز هان -الذي دعا تركيا إلى “الامتناع عن إطلاق التصريحات والتصرفات المتجاوزة”- بداية طيبة.
تزامنت التوترات المتنامية بين تركيا والاتحاد الأوروبي مع تغيرات أخرى مهمة طرأت على سياسة تركيا الخارجية. فبعد أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية في تشرين
الثاني (نوفمبر) من العام 2015، تصالح أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بسرعة مدهشة. ثم بدأت تركيا تتعاون مع روسيا في الحرب في سورية، وتدخلت عسكرياً في الصراع في آب (أغسطس) 2016. صحيح أن قابلية التحالف الروسي التركي الناشئ للاستمرار في الأمد البعيد تظل موضع شك، ولكنه حقق بلا أدنى شك نتائج على الأرض في سورية.
يتمثل أحد أهداف تركيا الرئيسية في سورية في إيقاع الهزيمة بتنظيم “داعش”، الذي شن العديد من الهجمات الإرهابية على الأرض التركية. ولكن الحكومة التركية تأمل أيضاً أن تتمكن من منع إنشاء كردستان مستقلة، والتي قد تفرض نفوذها في جنوب شرق تركيا.
ولتحقيق هذه الغاية، تستهدف السلطات التركية حزب الاتحاد الديمقراطي، بزعم ارتباطه بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وأردوغان جماعة إرهابية. ولكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يشعران بالقلق إزاء الهجمات التركية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي، نظراً لدوره المركزي في التصدي لتنظيم “داعش”. وحتى الآن لم تُظهِر إدارة الرئيس دونالد ترامب أي استعداد لسحب الدعم الأميركي لحزب الاتحاد الديمقراطي.
تشكل المسألة الكردية مصدراً قديماً للشكوك الجيوسياسية في المنطقة. وعلى هذا، يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يواصلا الضغط على أردوغان لحمله على ملاحقة أولويات معقولة يتفق عليها الجميع -على وجه التحديد، إنهاء همجية تنظيم “داعش”. وسوف يتطلب تحقيق هذا الهدف إقامة تحالف شامل بقدر الإمكان وقادر على الاستيلاء على الرقة، معقل تنظيم “داعش” في سورية.
على الرغم من عداوة أردوغان المتنامية، لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يتردد في الدفاع عن علاقاته مع تركيا، أو في تذكير تركيا بأن العلاقة كانت مفيدة للطرفين. فقد أسهم اتفاق الاتحاد الجمركي للعام 1995 بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشكل كبير في التنمية الاقتصادية التي حققتها تركيا.
قد تستمر التوترات في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي إلى أن يُستَعاد السلام في سورية؛ ولكن هذه التوترات ليست حتمية بالضرورة. وهناك بضع خطوات من شأنها أن تساعد على تخفيف التوتر. فمن جهتها، ينبغي للحكومة التركية أن تتبنى سياسة خارجية أقل شذوذاً وانحرافاًـ وأن تسمح للمواطنين بالتعبير عن أنفسهم بحرية في الاستفتاء القادم وغيره من مناسبات التصويت في المستقبل. ومن جانبه، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يحترم ويصون التزامه بفكرة تركيا المستقرة التعددية -تركيا التي تسمح بتألق دينامية مواطنيها.
*كان مفوض الاتحاد الأوروبي الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية، والأمين العام لحلف الناتو، ووزير خارجية أسبانيا. وهو زميل رفيع في معهد بروكينغز.
*خاص بـ”الغد”، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”.