أقلام وأراء

حيّان جابر يكتب – حول دلالات “مصيدة 67” ..!!

حيّان جابر *- 12/10/2021

يقدّم كتاب” مصيدة 67″ للكاتب الإسرائيلي ميخا غودمان، شرحا مفصلا عن الأزمة السياسية والأيديولوجية الصهيونية، كما يتطرق الكتاب بإيجاز إلى معالم إستراتيجية تقليص الصراع، الصهيونية الساعية إلى حماية المشروع الصهيوني والحفاظ عليه من المخاطر الداخلية والخارجية، وفق وصفه، إذ يعود نشر الكتاب إلى العام 2017 في حين نُشرت ترجمته العربية في العام الجاري (2021) عبر مكتبة “الهدهد”، التي أتاحت للقارئ باللغة العربية فرصة الاطلاع عليه، وملاحظة مدى وضوح أهداف الكاتب منه، وكيفية معالجته للمشاكل التي يعاني منها الوسط الاجتماعي والسياسي الذي يحلله، ما يمكّننا من تحديد دالّتين هامتين يتضمنهما الكتاب؛ الأولى سياسية والثانية عقائدية.

فعلى الصعيد السياسي يشرح الكتاب بوضوح شديد مدى تناقض المشروع الصهيوني مع أي حل سياسي للصراع الفلسطيني – الصهيوني، كما في قوله “الحقيقة أن احتلال المناطق في العام 1967، لا يعتَبر السبب الحقيقي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إنما قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال المناطق بعد حرب الأيام الستة، وهذا الاحتلال أصبح أحد مصادر الصراع، ولكنه ليس السبب الرئيسي، لذلك إنهاء الاحتلال لن يؤدي إلى إنهاء الصراع، بمعنى أن الاتفاق السياسي لا يستطيع حل الصراع القومي بين إسرائيل والفلسطينيين، وفي الوقت نفسه، لا يمكن لهذا الاتفاق أن يعوّض إسرائيل عن مخاطر التنازل والانسحاب من المناطق الجبلية بالضفة الغربية”. لذا لا طائل من البحث عن حلول سياسية، فحل الدولتين لا ينهي الصراع. وحل الدولة الواحدة، وفق الكاتب، يتناقض مع الأهداف الصهيونية. كما لا يمكن حل الصراع عسكريا في ظل الإصرار والعزيمة الفلسطينية كما يذكر الكاتب، ما يتطلب البحث عن خيار بديل لكل من الحل السياسي والحل العسكري، وهو ما تجسد في خيار تقليص الصراع، الذي يصفه الكاتب أحيانا بآلية التفكير البراغماتي الكمي، فتقليص الصراع واقعيا هو خيار استمرار الصراع بشكل مغاير، يخرِج الصهيونية من المصيدة القابعة فيها، بشكل يحدّ من قدرات الردّ الفلسطيني أو المقاومة والنضال الفلسطيني، الأمر الذي يساهم في تراكم الأهداف الصهيونية أولا، وفي الحدّ من تبعات الجرائم الصهيونية ثانيا، ويساعد ثالثا في تحسين صورة الدولة الصهيونية عالميا، ولا سيما شعبيا.

كما يكشف الكتاب عن ترابط إستراتيجية “تقليص الصراع” مع توجهات وبنود صفقة القرن من ناحية عملية، وهو ما يعيدنا إلى ما كُتب كثيرا في سنوات حكم ترامب، حول تطبيق صفقة القرن ميدانيا قبل الإعلان عن بنودها، والذي يدفعنا إلى التحذير من استمرار تطبيق الصفقة عمليا على الأرض الفلسطينية بشكل يومي، رغم تناسيها إعلاميا وسياسيا بعد رحيل ترامب، فمن الواضح من خلال تتبع الأحداث السياسية في المنطقة، مدى التوافق الصهيوني الداخلي والتوافق الدولي على طيّ صفحة الحل السياسي، لصالح البحث عن مخارج عملية ذات عناوين إنسانية تجمِّل الاحتلال، وتخفي بنيته العنصرية وممارساته الإجرامية، وخصوصا جرائمه الأبشع كالتطهير العرقي والترحيل القسري، وذلك عبر مشاريع اقتصادية تخدم الصهيونية في المدى البعيد، وتحلّ جزءا من مشاكل الفلسطينيين المعيشية في المدى القصير والمتوسط، وعبر مشاريع بنيوية وتحتية ترسخ واقع السيطرة الصهيونية، وتقلل من تبعاتها على حياة الفلسطينيين اليومية، وخصوصا بما يخص التنقل والحركة.

يكشف الكتاب على الصعيد العقائدي عن أولوية الأهداف الصهيونية الإحلالية على أي قيَم ومبادئ أخرى في متن الفكر الصهيوني، إذ يتجاوز الكاتب بعزيمة لا تلين جميع التناقضات الأخلاقية والديمقراطية والإنسانية والحضارية المتصادمة مع الفكر والعقيدة الصهيونية، مؤكدا على ثانوية هذه التناقضات أمام مركزية الأهداف الصهيونية، وهي ذات القاعدة التي تعمل بها المؤسسات الصهيونية على أرض الواقع، إذ يتهرب الكاتب دون خجل من نقاش أزمة الصهيونية الأخلاقية والإنسانية والحضارية والديمقراطية، رغم إقراره بوجودها، بل ويؤكد الكاتب على وجود هذا التناقض ويخلص إلى استحالة حلّه في متن الفكر والعقيدة الصهيونية، معترِفا بشكل مبَطَّن بأن الأزمة الأخلاقية والإنسانية والحضارية والديمقراطية ناتجة عن جوهر الفكر الصهيوني الإحلالي، فهي ليست نتاج ممارسة خاطئة هنا أو هناك، لذا لا يتفق مع بعض الأصوات المحسوبة على اليسار الصهيوني، ممن يحاولون تجميل الصهيونية وتحميل مسؤولية تناقض الدولة الصهيونية مع القيم الأخلاقية والإنسانية والحضارية والديمقراطية لتبعات استكمال احتلالها الأراضي الفلسطينية في العام 1967، كما في قوله: “بعد المصيدة الأخلاقية، وحالة التناقض بين المُركَّبات الديمقراطية للدولة، ومصالحها الأمنية، اتضح أن هناك تناقضا بين المركبات القومية والدينية لليهودية، هذا التناقض يجعلنا في مصيدة بالنسبة للتعامل مع مناطق الضفة الغربية، فالتناقض القومي يعزز التناقض الديني، والتناقض الديني يعزز التناقض الأخلاقي، كالتالي: الانسحاب من مناطق الضفة يتعارض مع تجسيد الهوية القومية، ويعرّض أمن الشعب اليهودي للخطر، لكن البقاء فيها يتعارض مع القيم الديمقراطية، ويتعارض مع تعريف دولة إسرائيل على أنها الدولة القومية لليهود، وكذلك يضاعف المخاطر الديموغرافية على الدولة”.

وفي النهاية يعود الكاتب إلى ذات النتيجة السياسية التي تولي الأهداف الصهيونية الأولوية على أي قيم أخرى، بل وتتجاهلها بصورة كاملة، وإن أخذ الكاتب أو أخذت الدولة الصهيونية بعين الاعتبار، صورة الدولة الصهيونية حول العالم، فالمطلوب تحسين صورتها حول العالم دون المساس بأي من أهدافها القريبة والبعيدة المدى، كما لا بدّ من العمل على الحد من تبعات الممارسات الصهيونية وتقليص مجال الرد الفلسطيني والحد من قدراته، فهذه هي المنطلقات أو الأسس التي يبني عليها الكاتب كتابه ورؤيته التي يدعو أو دعا إليها، وهي الأسس ذاتها التي تقوم عليها إستراتيجية الدولة الصهيونية أيضا.

وهو ما يجب أن يعيه كل الموهومين واللاهثين خلف خيار الدولتين عبر المسار التفاوضي، أو عبر المسار النضالي كما يحلو للبعض وصفه. كما أعتقد أن التدقيق في المعاني التي يتضمنها كتاب المصيدة يشكل أرضيه كافية لإدراك خطأ الالتفاف على التناقضات الصهيونية من خلال الترويج لحل التفافي كخيار الدولة ثنائية القومية، بدلا من التأكيد على مشروع تحرري، يحرر الأرض كاملها، ويحرر البشرية، كل البشرية، من عنصرية وإجرامية وإقصائية الفكر والمؤسسات الصهيوني، وهو ما يتطلب الكثير من التنظيم والعمل الجاد التراكمي ذو الآفاق الواضحة والمحدَّدة سلفا. أما كيفية ذلك وكيفية الحدّ من تكاليف ذلك داخليا وخارجيا، فهذا موضوع آخر تماما.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى