ترجمات عبرية

حيمي شليف يكتب – في حدث استعراضي في سنغافورة – سجل ترامب انجاز رمزي وفشل جوهري

هآرتس – بقلم  حيمي شليف – 13/6/2018

مناحيم بيغن قال ذات مرة إنه “صعوبات السلام أفضل من آلام الحرب”. بهذا المعنى فان القمة بين دونالد ترامب وكيم جونغ أون التي تم عقدها صباح يوم الثلاثاء في سنغافورة هي بشرى للانسانية. زعيمان كانا قبل اشهر معدودة هددا بعضهما بكارثة نووية، عقدا لقاء ودي وتعهدا بتحسين العلاقة بينهما والسعي الى السلام. في العالم الذي فيه الشكل أهم احيانا من المضمون، يدور الحديث عن انجاز مثير للانطباع، والذي في يوم ما سيعتبر تاريخي.

ولكن الرغبة الطبيعية لتسوية النزاعات بالطرق الدبلوماسية، والاعتراف بأنه احيانا اهمية اللقاء هي في مجرد عقده – دون الحديث عن ميل الاعلام الى تضخيم الاحداث الى ابعاد غير واقعية – لا يمكنه اخفاء حقيقة أن المنتصر الاكبر في سنغافورة لم يكن رئيس الدولة الديمقراطية الاكبر في العالم، بل طاغية قاتل من احدى الدول الظلامية في العالم.

كيم حظي بالشرعية والاحترام والمجاملات والعناق من رئيس الولايات المتحدة دون التنازل عن أي شيء. ترامب غمره بالمديح ووصفه بأنه زعيم حكيم ومسؤول وكفؤ. في مقابلة مع شبكة “إي.بي.سي” ادعى ترامب بأنه يبدو أن شعب كيم “يحبه بحماسة شديدة” وكأن كوريا الشمالية هي ديمقراطية مشتعلة وليست دولة معسكرات الاعتقال والقمع والاعدامات السياسية.

في اعلان المباديء الذي وقع عليه الزعيمين، منح ترامب كيم “ضمانات امنية”، التي تعني مصادقة امريكية على نظامه الفظيع. الرئيس الامريكي واصل منح كيم هدايا مجانية ايضا في المؤتمر الصحفي المطول الذي عقد في نهاية المحادثات. بدون أن يبلغ مسبقا البنتاغون أو حلفائه في سيئول، أعلن ترامب عن وقف المناورات العسكرية المشتركة في كوريا الجنوبية، حتى أنه سماها بـ “استفزازية”، وهذا تعبير معتاد عليه من قبل رجال الدعاية في  بيونغ يانغ. واضاف أنه ينوي في نهاية الامر سحب القوات الامريكية من كوريا الجنوبية وهو الهدف الذي سعى اليه كل زعماء كوريا الشمالية منذ انتهاء الحرب الكورية قبل 65 سنة.

كيم وترامب قدما عرض جيد للاعلام، لكن من ناحية جوهرية الجبل تمخض فولد فأرا. بقدر ما كان الظهور الاستعراضي كبير كانت الانجازات الاساسية صغيرة. على الرغم من محاولات ترامب لتعظيم وتمجيد صيغة الاعلان المشترك الذي وقع عليه مع كيم، إلا أن الامر يتعلق بوثيقة عامة وفارغة، وربما كان من الافضل لترامب أن لا يوقع عليها أبدا. منذ العام 1992 توافق كوريا الشمالية على “نزع سلاح شبه الجزيرة الكورية”، من السلاح النووي، كما يظهر في الصيغة التي وقع عليها الآن كيم.

إلا أنه في الاطار المتفق عليه والذي وقع مع كوريا الشمالية في العام 1994، وفي اعلان مشترك لست دول اجرت مفاوضات على تجريد بيونغ يانغ من سلاحها النووي في العام 2005، وفي اعلان آخر للدول الستة في 2007، فقد أخذت كوريا الشمالية على مسؤوليتها تعهد ابعد بكثير من الذي نجح ترامب من أخذه من كيم. فقط رئيس يعتقد أن العالم خلق من جديد في يوم ادائه للقسم، يمكنه الادعاء بشكل جدي أن الامر يتعلق بانجاز جوهري وليس فقط رمزي.

علاوة على ذلك، فقد تميز البيان اكثر بما ليس فيه مما يوجد فيه. خلافا للتعهدات التي اخذتها بيونغ يانغ على نفسها في الماضي، فليس هناك في البيان كلمة عن استعداد كوريا الشمالية للانضمام من جديد لميثاق منع نشر السلاح النووي؛ وليس فيه كلمة واحدة عن وسائل للتحقق من تنفيذ تعهدات كوريا الشمالية والرقابة عليها؛ كما لا يوجد فيه ايضا كلمة واحدة عن وقف انتاج البلوتونيوم أو جهود التوصل الى القنبلة الهيدروجينية.

في المؤتمر الصحفي قال ترامب إن كيم قدم تعهدات شفوية لتفكيك قواعد انتاج محركات الصواريخ. ولكن ليس هناك أي كلمة عن ذلك في البيان المشترك. هذا رغم أن تطوير القدرة القارية لصواريخ الشمال هو الذي دفع الولايات المتحدة الى البحث عن حل سياسي للتهديد المتزايد الموجه ضدها.

صحيح أن البيان تضمن ايضا تعهدا باعادة جثث مفقودين امريكيين من فترة الحرب، لكنه لا يذكر المواطنين اليابان ومواطني كوريا الجنوبية الذين اختطفوا على أيدي كوريا الشمالية. بشكل عام، ليس فيه أي ذكر لهاتين الدولتين، حليفتا الولايات المتحدة والمهددتان بصورة متواصلة من قبل بيونغ يانغ. البيان ايضا تجاهل تماما خرق حقوق الانسان من قبل نظام كوريا الشمالية، وبالتأكيد ليس فيه أي اشارة الى أن كيم ينوي حقا تحرير شعبه من الاضطهاد ومن العوز. بناء على ذلك: كيم تلقى من ترامب ختم الصلاحية على مواصلة طريقه الاستبدادية.

ترامب ربما أنه اعتقد أن القمة ستسكت منتقديه، وتثبت قدراته الفريدة في “فن الصفقات” وتثبت تفوقه على سلفه. لقد حاول تفصيل انجازاته في المؤتمر الصحفي، لكن غياب هذه الانجازات، اضافة الى عدم المامه بالتفاصيل، خلق اقوال متفرقة ذكرت بصيغة نبوءة “النبي الممل” في فيلم “حياة بريان” لمونتي بايتون: “سيأتي يوم تكون فيه شائعات عن امور لا تنجح، ويكون هناك تشويش كبير بخصوص وضع الامور في نصابها، ولا أحد يعرف ماذا سيحدث مع الامور الصغيرة”.

اكثر من تحليل للوقائع، فان تبجح ترامب كان سيعتبر معلومات خيالية، التي ذكرها كيم في بداية محادثاته مع الرئيس.

نتائج قمة سنغافورة والبعد بينها وبين التوقعات العالية التي خلقها ترامب قبلها، لم تخفف الانتقاد الذي تعرض له الرئيس على سلوكه في قمة “الجي سبعة”، بل ستزيده. الفجوة بين اللعوب المتحمس الذي يمثله ترامب وبين الطاغية من بيونغ يانغ مقابل تنكيله بجستين ترودو الكندي، زعيم الحليفة الاقرب للولايات المتحدة، فقد اصبح اكثر فظاظة واثارة. ترامب ايضا لم يأخذ أي عبرة: في الوقت الذي كان يثني فيه على صديقه الجديد كيم، واصل ضرب ترودو ايضا من سنغافورة وقال “إنه سيدفع المزيد من المال” على مواقفه في موضوع ضرائب الحماية.

من المفهوم أنه بقي أمل أن تثمر المحادثات العتيدة بين وزير الخارجية مايك مومبايو وبين ممثل كبير من كوريا الشمالية، اتفاقات اكثر عملية. اذا صدقنا ترامب فان كيم سيتخذ في المستقبل القريب خطوات ستثبت حسن نواياه: خطوات كهذه اذا كانت مقنعة، ستسجل القمة كنجاح كبير اكثر مما تبدو عليه اليوم. في هذه الاثناء، مع ذلك، فان الانجازات الوهمية لترامب تضع محط الهزء استهزاءه المتواصل بالاتفاق النووي مع ايران، وهو احد الاتفاقات المتشددة والمفصلة التي وقعت في يوم ما لتقييد التزود بالسلاح النووي. اذا قمنا بالمقارنة التي تحولت الى كليشيه، لو أن براك اوباما عاد من سنغافورة مع بيان شامل وفارغ مثل الذي وقع عليه ترامب لكانوا اتهموه بالاستخذاء امام الديكتاتور اذا لم يكن خيانة الوطن.

لقد اثبت ترامب من جديد أن البيانات الصاخبة واللهجة الشديدة لا يمكنها ان تشكل بديلا مناسبا عن التعمق في المادة والانشغال في التفاصيل، التي تشكل اللبنات الاساسية لعمل  سياسي جدي. لقد قفز عن اعداد الارضية، وتنازل عن العمل التحضيري وانتقل مباشرة الى قمة مغطاة اعلاميا. ترامب، مثل اسرائيليين كثيرين، يعتقد أنه الوحيد، وهو يعتقد أنه هو، فقط هو، الذي يستطيع تربيع الدائرة وتحقيق انجازات تاريخية لم يحققها سلفه. عندما سيعود الى الولايات المتحدة ويقرأ عناوين الصحف، سيصاب بخيبة أمل شديدة. سيكتشف أن الواقع مر وأن منتقديه يواصلون ضربه بلا رحمة وأن جزء بارز من مؤيديه باستثناء شبكة فوكس بالطبع، يملأون افواههم بالماء بسبب كثرة الاحراج. الآن يجب البدء بالاهتمام بكيفية رده على الاحباط ومن هو الذي سيقع عليه غضبه لأنه عرض ثانية كهاو ودجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى