ترجمات عبرية

حيمي شليف يكتب – اقرار قانون القومية: عملية مضادة اعلامية كبرى

بقلم: حيمي شليف، هآرتس 22/7/2018

قانون القومية هو قانون مكروه وضار ويُقسم، وبالاساس هو قانون لا لزوم له. ولكن المصادقة عليه في يوم الخميس الماضي لم تخرج الاسرائيليين عن اطوارهم. عدد منهم يوافقون على القانون، وعدد آخر مترددون، والمعارضون ادركوا بسرعة أن النضال ضد المثليين الذي ثار في اعقاب المصادقة الموازية على قانون “الأم الحاضنة”، هناك امكانية اكبر لتجنيد احتجاج جماعي. قانون القومية يزرع السم في علاقة الدولة مع الاقليات فيها، لكن باختصار، بعد أن تمت ازالة بنوده العملية ظاهريا، هو لن يغير بصورة ملموسة الحياة اليومية لمعظم الاسرائيليين.

في الساحة الاعلامية والشكلية في المقابل الامر يتعلق بضرر كبير، باشارات دالة تفصل بين ما قبل وما بعد. لذلك فان بنيامين نتنياهو كان محقا عندما اعتبر المصادقة على القانون “لحظة تأسيسية”. عشرات نشطاء “نحطم الصمت” ومئات تقارير “بتسيلم” وآلاف نشطاء حركة المقاطعة “بي.دي.اس” الذين تلقي الحكومة المسؤولية عليهم عن الاساءة لسمعتها، لن يستطيعوا الاضرار باسرائيل بهذا القدر من الشدة والحجم والمدى الطويل مثل الذي تسبب به نتنياهو ووزراءه والكنيست عندما صادقوا على القانون. الولايات المتحدة في عهد ترامب كانوا سيسمون هذا خيانة.

هذا الضرر لم يجد تعبيره في الادانات المعدودة التي تم اسماعها في عواصم العالم ولا سيما في اوروبا. الآن يوجد للمجتمع الدولي اهتمامات اخرى اكثر وجودية، تنبع من الاعتراف المتزايد بأنه يقف على رأس الدولة الاقوى في العالم رئيس غير مفهوم في احسن الحالات وغير مستقر في أسوأ الحالات. في الاصل الاحتجاج الوحيد الذي يترك انطباع على نتنياهو بشكل خاص وعلى الاسرائيليين بشكل خاص يجب أن يأتي عموما من البيت الابيض: براك اوباما اوقف هذا القانون بجسده. ترامب، يمكن الافتراض، لم يسمع عنه، واذا سمع فحينها لم يفهم، واذا فهم فحينها حقا لم يهمه. هذه هي البشرى الكبيرة لعهده: اسرائيل يمكنها التنكيل بنفسها كما تشاء، والولايات المتحدة لن تحرك ساكن.

ليس في هذا ما يقلل من قوة القانون التدميرية. يوجد فيه جهاز توقيت مفهوم يؤكد أنه سيواصل تخريب سمعة اسرائيل الجيدة لسنوات كثيرة. القانون يشير الى الطابق الارضي لاسرائيل الجديدة. احد بنود القانون يعطي الشعب اليهودي الحق الحصري لتقرير المصير. وائتلاف نتنياهو استغلته حتى النهاية: فهو اعتبر دولة اسرائيل دولة وقحة وظلامية ومركزية العرق. هذه هي الصورة التي تظهر الآن في المرآة. حتى اذا كانت اغلبية الاسرائيليين تفضل تجاهلها، فان كل العالم ينظر ويفهم. كنيست اسرائيل بوقاحة اعلنت للعالم عن الانسحاب من نادي الدول الغربية والليبرالية وانضمامها لكتلة الدول غير الليبرالية، القومية، مركزية العرق، التي فيها قيم المساواة وحقوق الفرد، المتضمنة في وثيقة الاستقلال، تخضع لحاجات الأمة والبلاد. في الوقت الذي  توجد فيه الدول الغربية الليبرالية في حالة دفاع وربما حتى تحارب على وجودها فان اسرائيل اعطت الاشارات بأنها تنتقل الى الجانب الآخر المظلم.

مثلما ادعى معهد ابحاث في السويد في الشهر الماضي وحتى قبل المصادقة على القانون، أن اسرائيل كفت عن أن تكون ديمقراطية ليبرالية، وهي منذ الآن ديمقراطية انتخابية، التي فيها حق الانتخاب والترشح محفوظ، لكن ليس الالتزام بحق المساواة وسلطة القانون. لقد كان هذا فقط جدير ورمزي أنه في وقت المصادقة على القانون، رئيس حكومة هنغاريا ذي الصلاحيات والذي يكره الاجانب، فكتور اوربان، كان موجود في اسرائيل كضيف مرغوب ومرحب به. هو بالتأكيد كان راضيا عمن يواصلون دربه: بعد المصادقة على القانون، اصبحت اسرائيل وهنغاريا منتميتان لنفس النادي.

الضرر الاكبر للقانون هو في اوساط يهود امريكا. منظمات يهودية كثيرة بما فيها التي تملأ فمها بالماء بشكل عام، ادانت القانون الجديد بكلمات لاذعة، لكن ايضا بالنسبة للكثيرين الذين صمتوا، فان قانون القومية هو جسم مسموم في قلوبهم. إن اخلاص يهود امريكا لاسرائيل يستند الى رؤيا وهم أن اسرائيل هي “مدينة تلمع فوق التل”، كما وصف رونالد ريغان الولايات المتحدة، وليس دولة بلطجية تنكل بالاقليات. في الاسبوع الذي تتفاخر فيه الكنيست بحربها ضد “نحطم الصمت” فان شرطة اسرائيل تحتجز حاخام محافظ لأنه زوج زواج غير شرعي، والكنيست اعلنت عن تفوق اليهودية، وقدرة يهود الولايات المتحدة على التظاهر بأن كل شيء يسير على ما يرام اصبح اصعب على التحمل. بالنسبة لكل اولئك الذين صكوا اسنانهم ولم يتخلوا عن اسرائيل رغم خرق اتفاق حائط المبكى، فان رفض الاعتراف بالاصلاحيين والمحافظين، والتنكر لاوباما، والاخلاص لترامب، استمرار الاحتلال وغياب عملية سلمية ولا نريد التحدث عن القوانين الاخرى غير الديمقراطية التي قامت هذه الكنيست باجازتها في ولايتها المرعبة قانون القومية يمكنه أن يشكل القشة التي قصمت ظهر البعير، والمسمار الاخير في النعش.

يوجد لمؤيدي القانون ادعاءات قانونية كثيرة مختلفة، وتفسيرات قانونية ملتوية أعدت لاثبات مشروعيته. في سلوفاكيا ولاتفيا توجد قوانين مشابهة. صرخوا، وكأن هذه الدول التي تسري اللاسامية في عروقها تحولت الآن الى نموذج للمحاكاة. على كل الاحوال، الذرائع والتفسيرات هي من نوع “اذهب وبرهن على أنه ليس لك مثيل”، ليست الاشجار هي المهمة بل الغابة. قانون القومية يعتبر في الخارج لاظهار عضلات الاغلبية اليهودية المفترسة ازاء اقلية عربية تعاني من التمييز. اذا لم يكن القانون يؤسس نظام ابرتهايد فهو يضع كما يبدو البنية التحتية لتأسيسه مستقبلا وهو بالتأكيد يمنح سلاح ثمين لمن يقولون إن الابرتهايد يوجد هنا. الوطنيون الفخورون في الائتلاف منحوا اكبر كارهي اسرائيل هدية لا تقدر بثمن.

الامر الفظيع هو أن كل هذا قام به نتنياهو ووزراءه وناخبوه بارادتهم. بدون أي حاجة حقيقية ومن خلال اعتبارات ضيقة قصيرة النظر، من اجل كسب عدد من النقاط في الوطنية الزائفة في الرأي العام، من اجل تجاوز نفتالي بينيت بصورة التفافية، ومن اجل عرض نشطاء اليسار المعارضين للقانون على أنهم خونة. في المقابل، لهذه الخلطة البائسة، فان نتنياهو وجماعته اساءوا لسمعة اسرائيل الجيدة وصنفوها كدولة ضيقة الأفق. الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، هكذا سيستنبط الكثيرون، ببساطة كرهت نفسها.

في التاسع من آب (العبري) يجب التذكير بأن الهيكل لم يدمر في الحقيقة بسبب كراهية عبثية مثلما اعتقد الامويون، وحتى ليس بسبب العمل الاجنبي، وسفاح القربى وسفك الدماء، مثلما زعم المتشددون. بذور الخراب زرعت قبل سنوات كثيرة من ذلك، بين امور اخرى، في عهد الكسندر يناي، كبير المحتلين الحشمونئيم. لقد وسع حدود البلاد، اعلن نفسه ملكا، اعطى لنفسه صلاحيات حكم وتشريع، زرع الانقسام والتجزئة، اشعل حرب داخلية زرعت الكراهية التي لا مبرر لها، اخطأ في فهم الواقع الاستراتيجي ونقض العهد مع مملكة روما، التي استند اليه من سبقوه. بعد مئة سنة حيث كانت المملكة مفككة وقوات الرومان كانت تقف على ابواب القدس، فان شعب اسرائيل هو الذي دفع الثمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى