أقلام وأراء

حول مسألة (القدس) في الانتخابات الفلسطينية

عبد المجيد سويلم ٨-٤-٢٠٢١

هناك توافق وطني شامل على رفض إجراء الانتخابات الفلسطينية إذا كان هذا الإجراء سيعني بأي شكل من الأشكال، وبأي معنى من المعاني، مباشرة أو بصورة غير مباشرة «التسليم» بواقع التهويد والعزل والسيطرة الإسرائيلية على الشطر الشرقي من المدينة الفلسطينية.
وهذا الرفض يعني ألا تقبل كافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، ومن خلفها جموع الشعب الفلسطيني بكافة مؤسساته الرسمية والشعبية، وفي كل أماكن تواجده أن تعقد هذه الانتخابات بأقل من الشكل الذي عقدت به في المرتين السابقتين لهذه الانتخابات.
الواضح حتى الآن، أننا أمام إجماع وطني وشعبي غير مسبوق على هذا الرفض، وعلى هذه الشروط، ولم يشذ حتى الآن، على الأقل بصورة رسمية أو معلنة سوى بعض الأصوات الخافتة ـ ولم يعل صوت الذين وافقوا على هذا الإجماع «مرغمين» تحت ضغط الموقف الوطني الجارف على هذا الصعيد، او الذين «يرغبون» بإزاحة هذه العقبة من أمام عقد الانتخابات.
صحيح أن بعض الإيحاءات والإيماءات والتلميحات، قد ألقيت في وجوهنا، ربما كبالونات اختبار، لقياس أو رصد ردود الأفعال، لكن الصحيح أيضاً ان «الصوت» هنا ما زال خافتاً، ولا يكاد يخرج من حناجر أصحابه.
نحن نعرف، ولا نحتاج ان يعرفنا احد بأن الموقف الإسرائيلي من هذه المسألة اصبح خاضعا ليس فقط الى حفلات المزاودة السياسية بين المكونات الصهيونية للخارطة الحزبية والسياسية في إسرائيل، وإنما قد تجاوز ـ دون المزاودات حتى ـ ما كانت قد جرت عليه العادة في الانتخابات السابقة، وتلك التي سبقتها.
ومن كان يعتقد منا بأن إسرائيل يمكن ان ترد علينا بعد الانتخابات الإسرائيلية بضغط «ما» من إدارة الرئيس بايدن، وبضغط جدي وحقيقي من الأوروبيين وباقي مكونات المجتمع الدولي.. عليه ان يراجع حساباته، وذلك لأن قضية القدس من الزاوية الإسرائيلية، وفي ظل إعادة احتدام الصراع من جديد بين اليمين واليمين المتطرف والأكثر عنصرية وبما لا يقاس أحياناً، تحولت «موضوعياً» إلى استعصاء سياسي جديد، والى قضية خارج نطاق المساومات السياسية التي يمكن ان تقدم عليها إسرائيل.
وحتى لو ان كامل هذا التقدير السياسي جانب الصواب والدقة، لأسباب تتعلق بما يمكن أن يمارسه الشعب الفلسطيني وقياداته عليها من «ضغوط»، وما يمكن ان يصله الموقف الإقليمي والدولي من إسناد ودعم للمواقف الفلسطينية، فإن إسرائيل ستحول «موافقتها» إلى آليات وقيود وإعاقات تفرغ تصويت أهلنا في المدينة المقدسة من كل مضمون، وستحول هذا التصويت الى قضية شكلية، هذا إذا لم تحوله الى «مهانة» سياسية سافرة.
استناداً الى كل ذلك، وبسبب أهمية كل ذلك، ولأن مسألة مشاركة القدس في الانتخابات الفلسطينية على هذه الدرجة من التقرير والحسم فلا اقل بالتالي من توضيح الأمور، ومن وضعها في قائمة الأولويات الوطنية العاجلة.
بصراحةٍ تامة، فإنه لا يكفي، ولا يجوز أن يكون كافياً، ولا يليق بنا تقبل الطريقة التي تسير فيه الأمور حتى الآن. من حيث المبدأ ليس مقبولاً ولا مفهوماً أن يكون الموقف الفلسطيني في حالة «انتظار» لما سيكون عليه الموقف الإسرائيلي، والسبب في ذلك هو ان الموقف الإسرائيلي، وكذلك الموقف الدولي والإقليمي سيعتمد الى حد بعيد على درجة جاهزية القوى السياسية، واستعدادها لخوض معركة وطنية شاملة من قلب المدينة، بكل ما في هذه المسألة من معنى، وبكل ما تتطلبه من إرادة وعزيمة وتضحيات أيضاً.
وبمكاشفة تامة أقول، إن الناس تحت الطاولة، وبعضهم فوق الطاولة أيضاً أصبحوا يتحدثون عن «رغبة» (ما) لدى بعض هذه القوى لإبقاء قضية القدس عند هذه الحدود التي أشرنا إليها أملاً في تأجيل الانتخابات او حتى إلغائها، وذلك خوفا من عدم تمكنها من اجتياز نسبة الحسم، او توجساً من انكشاف حجومها الحقيقية، او حتى خشية بقاء هيمنتها وسطوتها على الواقع السياسي، وعلى النظام السياسي.
وسواء كان هذا التقدير صحيحا أم لا، او كان مغالياً او مبالغاً، او كان كيدياً أو مناكفاً، أو مخلصاً ومسؤولاً، ويتحرى المصلحة الوطنية ويتوق الى العودة السريعة الى الحياة الديمقراطية الفلسطينية، وهم الغالبية كما أظن، فإن القوى السياسية الفلسطينية مطالبة بقطع الشك باليقين، ومطالبة بأن تحسم هذه الأمور بعيداً عن «معارك» الشائعات والشائعات المضادة.
الموقف الإسرائيلي من الانتخابات في مدينة القدس محدد سلفاً بثلاثة احتمالات، اعتقد انها واضحة ومحسومة.
الاحتمال الأول، وهو ان توافق إسرائيل على ما كانت قد وافقت عليه سابقاً، مع تنغيصات وإعاقات بسيطة لا تؤثر على جوهر التصويت المقدسي، وفي هذا الوضع نحن نكون قد سجلنا الموقف الوطني المطلوب، أو كرّسنا الموقف السابق، والذي اعتبر على كونه متصدياً للموقف الإسرائيلي، ورافضاً لكل سياسات إسرائيل ومبرراً لأهمية ومركزية القدس في البرنامج التحرري للشعب الفلسطيني.
الاحتمال الثاني، وهو الرفض المطلق لمبدأ هذه المشاركة، والعمل من قبل قوات الاحتلال وقوات أمنه على منع هذه المشاركة بالقوة.
أما الاحتمال الثالث، وهو الأرجح على كل حال، فهو أن توافق إسرائيل على هذه المشاركة وتضع العراقيل والعقبات والقيود، بما يجعل هذه «المشاركة» أقلّ من ان تعطي للقيادة الفلسطينية ادعاء النجاح في عقدها وفي فرض أمر واقع سياسي، يهدد ما تدعيه إسرائيل، حول «وحدة» المدينة، وحول السيادة الإسرائيلية الكاملة عليها، والمهم بما يؤدي من وجهة النظر الإسرائيلية الى «إجبار» الجانب الفلسطيني على «التسليم» بكونها «موحدة» وتخضع للسيادة الإسرائيلية الكاملة.
فإذا وافقت إسرائيل ـ وهو أمر مستبعد تماماً حتى الآن، فخير وبركة، وإذا رفضت بالكامل، وحاولت التصدي لهذه المشاركة بكل ما تملكه من أدوات بطش وقمع معهود، فعلينا ان نعد العدة لمواجهة كبيرة.
أما إذا كان الاحتمال الثالث هو الذي سيتم اعتماده من قبل سلطات الاحتلال فعلينا ان نمتلك وسائلنا وأدواتنا لمواجهته.
وفي مطلق الأحوال هنا، فإن الانتظار لا يفيد، إن لم نقل بأنه يلحق بنا الأضرار البالغة، وان الرفض يتطلب خطة مواجهة شاملة، والتحايل الإسرائيلي يتطلب استعدادات كافية.
لا يمكن ان يتم هذا الأمر دون حوار وطني تشارك به كافة القوى، وكل القوائم وكل الفئات الرئيسة لكي يصار الى تحويل معركة الانتخابات في القدس الى معركة وطنية، وحينها فقط، يمكن للناس ان يفهموا ويتفهموا أبعاد هذه المعركة، وكيف أنها ليست قضية حق ربما بات يُراد بها باطل، وكيف ان سرعة الاستعداد لها، ومنذ الآن وفوراً هو الذي يحدد درجة المصداقية الحقيقية في خوض غمارها.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى