أقلام وأراء

حول الاحتباس السياسي في إسرائيل

عبد المجيد سويلم – 12/4/2021

هذا الاحتباس لم يعد مجرد وجهة نظر، ولم يعد مجرد اجتهاد أو توقع سياسي، ذلك أن القراءة المتسرعة ربطت هذا الاحتباس بإمكانيات الحصول على واحد وستين مقعداً، في حين أن الواقع يقول هنا أيضاً، إن الحصول على هذه الأصوات ليس متاحاً بسهولة لكلا الطرفين، كما ان استقرار أي حكومة بهذا العدد  من الأصوات والمقاعد يكاد يكون مستحيلاً، ما يرجعنا إلى دائرة الاحتباس المحتوم.

كنتُ قد ادعيت مبكراً أن نتائج الانتخابات لم تفرز ما يصطلح على تسميته بيضة القبان ـ والأفضل تسميتها المرجّحة ـ وما زلت عند هذا الادعاء، وأعتبر ان من رقصوا باعتبارهم كذلك توقفوا، الآن، عن الرقص، بما في ذلك نفتالي بينيت الذي استشعر قوة خاصة، ومكانة جديدة في ضوء القراءة المتسرعة للمشهد، وفي ضوء بدء اتضاح وافتضاح الأزمة السياسية في إسرائيل، وانكشاف العوار الجديد فيها، والذي يتمثل في ترويض الشارع الإسرائيلي على قبول وتقبل «التعايش» بين الاتهام الفاضح بالفساد وبين تولي منصب رئاسة الوزراء.

هذا العوار الجديد عبر عنه الرئيس الإسرائيلي ريفلين عندما أقدم على «فعلة» تكليف نتنياهو بدء المشاورات لتشكيل الحكومة الإسرائيلية.

هنا فإن وجه الغرابة بهذا التكليف ربما مرده ان ريفلين معروف في الأوساط السياسية الإسرائيلية كشخص عصامي، وكليبرالي مثابر، ناهيكم طبعاً عن خلافه المعلن مع نتنياهو في أكثر من مفصل ومحطة.

لكن هناك من يعتقد ان هذا التكليف ليس أكثر من مجرد تكليف شكلي وبروتوكولي، لا يعكس بالضرورة أي مراهنة حقيقية على قدرة نتنياهو على تشكيل الحكومة، وأن ريفلين لن يمدد له المهلة القانونية، وأن تكليف شخصية أخرى بهذا التشكيل بعد فشل نتنياهو سيعطي هذه الشخصية فرصة أوسع، وربما أنه سيفتح آفاقاً جديدة نحو «انفراجة» كبيرة، إما بخلخلة «التماسك» الليكودي، والبدء الفعلي بمرحلة الاستغناء عن نتنياهو، أو الضغط باتجاه ترشيحه رسمياً لرئاسة الدولة الإسرائيلية، التي تشارف مدتها على الانتهاء، واما «التفاهم» ما بين بينيت ولبيد على التناوب، وعلى القبول والتقبل لفكرة دعم مثل هذا التحالف من قبل القوائم العربية.

الواضح بأعلى درجات الوضوح أن كل هذه الأفكار لن تؤدي إلى أي انفراجات، وان الحل الوحيد من أجل عدم الذهاب الحتمي أو الإجباري إلى انتخابات خامسة هو إخراج نتنياهو من كامل هذه المنافسة.

إذا تم ذلك، وهو أمر ليس متاحاً بسهولة، فإن اليمين الإسرائيلي يستطيع أن يشكل حكومة واسعة بالتحالف مع الوسط واليسار دون الأحزاب الحريدية، ودون القوائم العربية، ودون الحزب الفاشي الجديد الذي يتمثل بـ»الصهيونية الدينية».

هنا فقط، وهنا بالذات يمكن الحديث عن انفراج سياسي، أو انتهاء الاحتباس والاستعصاء السياسي في إسرائيل، وهنا فقط، وبهذه الطريقة تحديداً، وليس بغيرها أبداً، يمكن الحديث عن تجنب الانتخابات الخامسة.

الوحيد الذي ليس لديه في الواقع مشكلة مع الانتخابات الخامسة هو نتنياهو. والسبب في ذلك واضح وبسيط.

من قرار حل الكنيست والذي يجب أن يسبق تحديد موعد الانتخابات الخامسة سيكون هناك ثلاثة أشهر، ومن هنا وحتى «استكمال» الفترة القانونية للمشاورات والتكليفات سيمر حوالى ثلاثة أشهر أخرى، ما يعني أن الانتخابات الخامسة لن تتم قبل الخريف القادم، وهو ما يُبقي نتنياهو على رأس الحكومة في وضع تصريف الأعمال ما يمكنه من المناورة من جديد، وما يعطيه من هوامش يراهن عليها «للتملص» من المحاكمات التي تلاحقه، لاحظوا أرجوكم أن شعار التظاهرات الأخيرة، إسقاط الحكومة دون انتخابات خامسة.

حتى لو كان نتنياهو متيقناً أن لديه مخرجاً آمناً مضموناً نحو رئاسة الدولة، أو مخرجاً قانونياً موثوقاً من تبعات المحاكمة، فإنه سيرفضها، الآن، وسيكابر من جديد، لأن أحداً لا يستطيع أن يضمن له «قانونياً» بأن لا تتم محاكمته لاحقاً، على جرائم سبقت، أو على اتهامات جديدة وملفات جديدة.

الدليل على ذلك أن «كتساب» قد حُكم بالسجن الفعلي، ولم تشفع له رئاسة الدولة، ولم يتمكن من الإفلات بسبب مكابرته بالذات، أو بسبب الإقرار الضمني بالتهم.

نتنياهو سجل على نفسه رفض الإقرار، وحول كافة «التهم» إلى دائرة السياسة، وحول التهم إلى تهم سياسية.

في مثل هذه الحالة هو يراهن على «إسقاط» التهم ليس للخروج «بريئاً» فقط، وإنما ليواصل معركته السياسية.

لم يتمكن أولمرت، ولا كتساب أن يديرا معركة ناجحة حول الاتهامات ضدهما، ولم «يسيسا» المسألة كما فعل، ويفعل نتنياهو، ولم يناورا كما ناور ويستمر بالمناورة، وهذا هو الفرق الكبير والجوهري بينهما وبين نتنياهو.

الاحتباس السياسي في إسرائيل عنوانه هو شخص نتنياهو، ولكن الانفراج السياسي، مهما كان مؤقتاً نسبياً هو بعنوان نتنياهو.

وطالما أن نتنياهو يجد من «يسحّج» له في كل زمان، وتحت كل الظروف، وطالما استطاع أن يقنع حلفاءه اللصيقين بأنهم تحت حمايته، والأصح القول ـ تحت رحمته ـ وطالما أن حزب الليكود قد وصل إلى الحضيض السياسي الذي وصل اليه، ولم يعد يبالي برهن كامل الدولة الإسرائيلية لمشيئة ورغبات نتنياهو، وطالما أن نتنياهو ما زال متأكداً من ذلك كله فإن الاحتباس السياسي في إسرائيل سيستمر وسيتعمق، وحالة الاستقطاب «القبلية» على الصعيد السياسي، وحالة الفرز بين اليمين الفاشي والعنصري والمتشدد والمتطرف من جهة، وبين اليمين الأقل هوساً وتطرفاً، إضافة إلى كافة القوى السياسية من الوسط واليسار ستتعزز وتزداد تفاقماً.

الوضع في إسرائيل يتلخص بأن اليمين الأكثر تطرفاً وعنصرية يصطدم بحاجز الأيديولوجيا، وحكومة الوسط واليسار بالتحالف مع جزء فقط من هذا اليمين تصطدم بالأيديولوجيا والسياسة الخاصة بالمكونات الرئيسة لهذه الحكومة، وحكومة وسط ويسار متحالفة مع اليمين دون اليمين والحريديم، ودون القوائم العربية ستصطدم بالحل السياسي على الجبهة الفلسطينية مستقبلاً، وبهذا فإن الاحتباس هو مجرد تعبير عن أزمة أكبر.

وهنا نعود إلى جذر الأزمة.

جذر الأزمة، والتي تبدو وكأنها أزمة فساد نتنياهو، وأن الفرج بالتخلص منه فقط سرعان ما سيكشف عن أزمة أكبر.

هذه الأزمة هي الهروب الإسرائيلي من استحقاق الحل السياسي. سيأتي يوم، وسيكون قريباً على ما يبدو وستنفرج أزمة الحكومة لكي تعود إلى الانفجار على خلفية، الضم، وعلى خلفية التعارض الخطير مع الإدارة الأميركية، وبقية مكونات المجتمع الدولي، وستعود إسرائيل إلى ذات المربّع، وإلى ذات الصراعات، وإلى ذات الأزمة.

ولهذا فإنني أختلف مع كل الذين يعتقدون بأن موضوع الحل ليس على جدول الأعمال الإسرائيلي.

هو موجود في صلب الأزمة، ولكن مظاهر الأزمة الخارجية تبدو وكأنها ليست كذلك.

ماذا يعني أن الأيديولوجيا هي الحاجز الأول والحاجز الثاني للانفراج السياسي؟

أليس الحل السياسي في قلب هذه الأيديولوجيا؟

الاحتباس أكبر وأعمق وأخطر من نتنياهو وفساده والتهم الموجهة إليه. إنها أزمة الهروب والتهرُّب باتجاه الأساطير والأيديولوجيا المجنونة مقابل عدم دفع الاستحقاقات التي بات التنصل من دفعها أكثر وأكبر كلفة من دفعها أو يكاد.

أعرف جيداً أن هذا الطرح ليس شعبياً، وأعرف أن من الأسهل وصف الحالة الإسرائيلية بكونها أزمة داخلية ليس لها علاقة بالحل السياسي ولكني على قناعة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى