أقلام وأراء

حمادة فراعنة يكتب – وقائع سوداوية

حمادة فراعنة *- 8/8/2018

صحيح مائة بالمائة فشل مبادرة الرئيس الأميركي ترامب لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عبر تأجيل الإعلان عنها على الأقل، ولكن العمل على تنفيذ إجراءات مضامينها جارية على الأرض بقوة وسرعة عبر التنسيقالأميركي الإسرائيلي لشطب قضيتي اللاجئين والقدس وكأنهما ليستا من مسببات الصراع ودوافع إستمراريته إضافة إلى تثبيت شرعية الإستيطان الإستعماري وتوسيعه ومده كي يقطع الضفة الفلسطينية إلى ضفتين، والعمل على تهويد القدس، وأسرلة الغور، وتمزيق الضفة الفلسطينية جغرافياً وسكانياً وقطع الصلة ما بين المواقع الجغرافية الثلاثة القدس والضفة والقطاع وإضعاف تماسكها الجغرافي والبشري، نحو خلق وقائع جديدة تحول دون توفر أرض فلسطينية متماسكة تشكل قاعدة لقيام دولة فلسطينية، فالخطة والبرنامج الإسرائيلي المدعوم أميركياً من قبل إدارة ترامب هو إستثمار معطيات الواقع السياسي : 1- الفلسطيني المأزوم بالانقسام بين فتح وحماس، و2- العربي المثقل بالحروب البينية العربية وتدمير قدرات الخليجيين المالية، و3- الدولي المشغول بمناهضة الإرهاب، ومعالجة تدفق اللاجئين إلى أوروبا، والأزمة المالية ومبادرات واشنطن المربكة لحلفائها الأوروبيين، ويتم توظيف ذلك إيما توظيف لمصلحة تعزيز مكانة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي، وإنتزاع شرعيته من الفلسطينيين وعلى حساب أرضهم وحقوقهم، ومن العرب على حساب أمنهم ومصالحهم القومية، ومن المسلمين والمسيحيين على حساب أقدس مقدساتهم في فلسطين والتطاول عليها والمس بقدسيتها.

فشلت صفقة ترامب وتراجع زحم الحديث عنها وعن مواعيد الإعلان عنها، ولكن إجراءات تنفيذها أميركياً وإسرائيلياً جارية بقوة وبشكل تدريجي وتراكمي، من خلال ضم القدس وتهويدها وتغيير معالمها، وتدفق المستوطنين المستعمرين اليهود الأجانب، وتطاولهم على محارمها، وقدسية أماكنها، والمس بوحدانية عناوينها، وفرض الشراكة اليهودية على تفردها الإسلامي في الأقصى وجعلها متداولة في فرض الأمر الواقع بالإقتحام اليومي لحرمة الحرم القدسي الشريف وإستباحته اليومية، وتعزيز الإستيطان في الضفة الفلسطينية وتوسيعه، وحرمان أهل الغور الفلسطينيين من العمل والزراعة والتنمية.

على المستوى القانوني اللاشرعي تم تشريع قانون القومية اليهودي الذي أكد على وحدة القدس الغربية المحتلة عام 1948، مع القدس الشرقية المحتلة عام 1967، لتكون موحدة بجناحيها عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، مع تثبيت الاستيطان باعتباره هدفاً وعقيدة على أرض « إسرائيل «.

ويتم ذلك بصمت أميركي وبدون توجيه أي نقد أو ملاحظة أميركية لمجمل هذه السياسة الإسرائيلية المتعارضة بقوة مع توجهات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة بل تتم بتوافق كامل مع ما يفعله ويخطط له جماعة الرئيس ترامب الثلاثي اليهودي: 1- مستشاره كوشنير، و2- مبعوثه جرينبلات، و3- سفيره فريدمان ومعهم سفيرته نيكي هيلي لدى الأمم المتحدة.

إفقار وضغط وحصار يواجه الشعب الفلسطيني، مع إعطاء ثغرات حياة أو فجوات تنفيس  لاستنشاق الهواء عبر القاهرة والدوحة وإسطنبول نحو التكيف مع الأمر الواقع، بل ودفع الفلسطينيين للرضوخ له، والتعاطي مع الأفكار الأميركية، ومحاولة إنقاذ الذات من التلاشي والإنحسار والموت البطيء، في غزة مثلاً إما عبر الاجتياح الإسرائيلي وإسقاط سلطة حماس، أو القبول بمبادرات وأفكار المبعوث نيكولاي ميلادينوف، خياران أحلاهما علقم، صورة سوداوية مقيتة ولكنها ليست نهاية المطاف، وليست نهاية حتمية التسليم لا يمكن مواجهتها أو هزيمتها، والصورة المشرقة الأخاذة بالأمل لها قصة أخرى.

* الدستور الاردنية – كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى