حمادة فراعنة : إلى الصديق الذي لا أعرفه ولم ألتقيه
حمادة فراعنة ٢٤-٤-٢٠١٨م
هل يرتقي الإسرائيلي إلى مستوى فهم ووعي وسعة أفق ديفيد جروسمان، الكاتب الذي فقد ابنه أوري في المواجهات بين طرفي الصراع، حينما يصف “المستعمرة الإسرائيلية” وأنا لا أسميها “إسرائيل” وعلينا أن نرفض التطبيع مع كلمة إسرائيل لأنها نقيض لكلمة فلسطين، وكلا المفردتين نقيضة للأخرى.
لست رافضاً للإسرائيليين ولا معادياً لليهود، ولكنني رافض لكلمة إسرائيل كمحتوى ومضمون ومشروع، لأنها مستعمرة، ولا زالت مستعمرة وستبقى كذلك حتى تعترف بوجود شعب آخر ينتمي إلى هذه الأرض التي لن نتخلى عن تسميتها فلسطين، والتي تحولت بفعل الواقع والسنين إلى وطن للشعبين بات مفروضا عليهما أن يعيشا معاً، بندية ومساواة، من المسلمين والمسيحيين ومن اليهود.
فاليهود جزء من شعبنا العربي كالمسلمين والمسيحيين، وهم بالضرورة كانوا جزءاً من الشعب الفلسطيني، وسيبقون كذلك حتى يسلم قادتهم أو بعضهم أنهم جزء من الشعب الفلسطيني، مثلما يجب أن يسلموا أن فلسطينيي الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة هم من الفلسطينيين وإن حملوا المواطنة الإسرائيلية المفروضة عليهم، ويمكنهم أن يكونوا جسر العبور والتآخي والشراكة بين الشعبين، وليسوا طابوراً خامساً في قلب المستعمرة الإسرائيلية إلى حين أن تتحول المستعمرة الإسرائيلية إلى دولة مواطنيها، من العرب والعبرانيين، ومن المسلمين والمسيحيين واليهود، من الفلسطينيين والإسرائيليين.
جروسمان يصف المستعمرة الإسرائيلية على أنها “ قلعة قوية، ولكنها ليست بيتاً”، والذي يحكم الفرق بين القلعة القوية التي يحتمي فيها المقاتلون الأشداء وبين البيت الذي يوفر “الإحساس بالمواطنة والعيش بأمان، وبحياة يومية هادئة لجيرة طيبة”، وفي قراءته هذه، وفي وصفه هذا يضع شرطاً كي تتحول القلعة المسيجة إلى بيت آمن مستقر تسوده الطمأنينة.
وشرط جروسمان هو “ إذا لم يكن للفلسطينيين بيتٌ، فلن يكون للإسرائيليين بيتٌ” تلك هي المعادلة البسيطة والمعقدة في نفس الوقت، ذلك هو الحلم، الأمل، العيش المشترك بعد فشل طرفي الصراع في إنهاء كل منهما للآخر بعد سبعين سنة من الصراع الدامي، وكلما تمادى يتجدد، فثمة رواية متناقضة، وثمة تضحيات متبادلة سقطت على يد الطرفين في عملية الصراع المتواصلة، ومحاولة كل طرف أن يفرض روايته.
نحن نؤمن أن الفلسطينيين وروايتهم وأصلهم وفصلهم كانوا وسيبقون، ولن يتزحزحوا عن وطنهم الذي لا وطن لهم سواه، رغم كل عمليات الإبعاد والتشرد والتجويع، ورغم ضعف الإمكانات الفلسطينية أمام تفوق الإسرائيليين وقدراتهم، والإسرائيليون الذين يملكون روايتهم وحلمهم، جاءوا هاربين من موت النازيين والفاشيين أعداء السامية في أوروبا، أو جاءوا طماعين مستعمرين كما التطلعات الأوروبية الاستعمارية التي احتلت بلاد العرب وإفريقيا وجزءاً من آسيا وأميركا اللاتينية، سواء جاءوا لهذا الهدف أو ذاك، فقد توالد أولادهم بعد عام 1948، وباتوا جزءاً من الأرض وتلاوينها واندمجوا في مساماتها ولم يعد أمامهم ما يسهل رحيلهم وإبعادهم وطردهم وتصفيتهم.
ديفيد جروسمان فقد ابنه أوري قبل 12 سنة، خلال المواجهات ويصفه على أنه الشاب الجميل الذكي، ومع ذلك ورغم خسارته لابنه، فهو يرفض الاستسلام للكراهية وللغضب وللرغبة في الثأر لفقدان ولده، بل يؤكد أن ثمة فرصة للأعداء من الفلسطينيين والإسرائيليين، أن يرتبطوا مع بعضهم البعض، انطلاقاً من الألم وبسببه، فالوجع يمكن أن يشكل دافعاً للبحث عن الأمل وعن الأفضل، فالجوع والحقد والحصار وفقدان الأمل هو الذي يدفع الشاب الفلسطيني والعائلات للتقدم بشجاعة في مواجهة رصاص القناصة الإسرائيليين الذين فقدوا حسهم الإنساني وصوبوا بنادقهم وأطلقوا نيرانهم نحو الطفولة الفلسطينية المعذبة من قبل التفوق الإسرائيلي البغيض المشحون بالعنف والكره والحقد الدفين.
يختصر جروسمان وجعه، ويختزل فلسفته، بفقدان ابنه الجندي في رحم الصراع الفلسطيني بقوله :
“ إذا لم يكن للفلسطينيين بيت، فلن يكون للإسرائيليين بيت “ ونحن نقول : إذا لم يكن للفلسطيني حرية وكرامة وأمل وعائلة ووطن سيفتقد الإسرائيلي هذه المعاني والقيم والمفردات، وما الحس الأوروبي المتنامي والمتصاعد ضد فاشية الإسرائيلي وعنجهيته وعنصريته، سوى انتصار تراكمي لحق الفلسطيني في الحياة.
وجود ذوات نبيلة مثل الكاتب جروسمان والممثلة اليهودية ناتالي بروتمان التي رفضت استلام جائزة تفوق من نتنياهو بسبب ما يتعرض له أطفال ونساء وشعب فلسطين من أذى وحرمان الحق في الحياة، هو الطريق الآخر الذي يمكن رصفه بين الشعبين على أساس الندية والتكافؤ والحق بالحياة للطرفين ولأولادهم من بعدهم.