حسن عصفور يكتب – تهديدات بلا طائلة لكنها ضارة!
حسن عصفور ٧-١٠-٢٠١٨
ربما بات من الضروري على قيادة حماس وبعض الفصائل إعادة قراءة مقابلة يحيى السنوار، مع الصحفية الإيطالية، بعد أن هدأ ضجيج المزايدات الرخيصة، بإعتبارها من المقابلات “النادرة” لقيادي حمساوي، يتحدث بـ”واقعية شديدة”، عن حقيقة التوازن بين الفلسطيني ودولة الكيان، دون أن يبدو كـ”خانع” أمام ذلك الجبروت النووي..
“حديث الواقعية”، والذي يصاب أحيانا، او غاليا بمسحة إستسلام بلا مبرر، أعادت له تلك المقابلة بعضا مما فقد، بأنه سلاح سياسي هام جدا، في كثير من محطات الصراع، وهو ما يجب التفكير به مليا خلال المواجهة الكبرى مع العدو القومي المجسد في دولة الكيان، وراعيها الأساس الولايات المتحدة، فكلاهما طرفي العداء المركزي لفلسطين شعبا وقضية..
منذ فترة، وتحديدا مع إنطلاق مسيرات الغضب يوم الأرض 30 مارس 2018، وحتى تاريخه، تنطلق الخطابات السياسية لقيادات فصائلية، تهدد وتتوعد، ترعد وتزبد، بأنه ما لم ينته الحصار فإن “ابواب جهنم” ستفتح على العدو، وأن إسرائيل لن تبقى هادئة وفي مأمن، ومؤخرا طالت قضية “الخان الأحمر” ذلك “الوعيد أيضا..!
البعض ذهب أبعد من وعيد الرد التدميري لتل أبيب، بأن الحصار سيطال بلدات إسرائيلية، ما لم يفك الحصار عن غزة، والحق أنه كلما زادت حركة “الوعيد والتهديد” إشتدت حركة الحصار على غزة، وربما تحتاج دولة الكيان كثيرا من هذه التصريحات المرعدة صوتا، كونها تؤشر لوجود “عناصر قوة سرية” تهدد “امن دولة إسرائيل”..
كلام بإختصار شديد هو “خروج عن النص العقلي”، فمن يملك قوة الرد العملي الفاعل لا يرسل القول ولا يرسل “التنبيه وإنذار العدو” كي يبدأ في “تحصين” ذاته مما ينتظره عقابا مدويا..
الخطابة فن، نعم وموهبة نعم، وليس كل مسؤول قادر على القيام بأداء ذلك، لكن كل مسؤول يجب أن يدرك أن “الكلمة” بذاتها مسؤولية، وإن كانت “دغدغة المشاعر” بكلام “ناري” فهي بذلك تمهد لرد ناري ليس قصفا لغويا، بل قصفا صاروخيا..
الحفاظ على الروح المعنوية ليس بـ”إختراع وهم الرد”، بل بتعزيز روح التصدي والكفاح، وأن المقاومة فعل متوازن وليس خطابا لترضية المستمعين، فالمسؤولية تبدأ من إختيار الكلمة “الصادقة” لأنها تصبح “بركة إنسانية”..
خطابات أيام الجمع كثيرها لا يبقى منه أثرا سوى ترسيخ مفاهيم “الخداع والضلال السياسي”، فمن يملك القدرة على إلحاق الأذي الكبير لا ينتظر كل هذه الأشهر أن تقبل دولة الكيان عبر مساومات بعضها يمس “الوطنية الفلسطينية”، من اجل تحسين كمية الكهرباء في القطاع، فمع كل ساعة زيادة تخرج أصواتا لترى فيما حدث “نصرا مبينا”، دون أن يذكر ثمنه المقابل..
التعبئة المعنوية ضرورة، وقد تكون أحد أهم الأسلحة في المقاومة والمواجهة، لكن الفرق كبير بين تغذية الروح الكفاحية بطاقة إيجابية وبين تزويدها بأقوال “غير صادقة”، فالصدمة ستكون مضاعفة عندما يدرك الإنسان أنها كانت كلمات في الهواء..
لذا كانت مقابلة السنوار، صدمة لبعض أصحاب الصوت العالي، أو “الجعجعة السياسية”، لحديثه الواقعي جدا، والمسؤول جدا دون أن يفقد أي سمة من سمات الفلسطيني المناضل الباحث عن مقاومة العدو لتحقيق أهدافه الوطنية..
هل ترتقي قيادات الفصائل لتصبح “قيادات وطنية”، وتدرك أن مسؤوليتها بإشاعة الصدق وليس تمرير الخداع السياسي…كلما كثرت التهديدات وقل الفعل كلما إنكشفت عورات المهددين أكثر..
بعضا من الصدق ليس عيبا!