حسن عصفور يكتب – بيان حماس” رسالة “ود سياسي” الى نتنياهو!
حسن عصفور ٢٧-٩-٢٠١٨
في تصعيد مفاجئ، ويمكن إعتباره “غير مسبوق” فتحت حركة حماس مدفعيتها السياسية الثقيلة ضد الرئيس محمود عباس عشية إلقاء خطاب أمام الجمعية العامة في الأمم يوم27 سبتمبر 2018، هجوم لم يقف عند “حدود الخلاف السياسي” مشروعا كان أم غير ذلك، لكنها قررت أن ترسل للعالم رسالة مضادة، ان الرئيس عباس “لم يعد ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني”، حملة سياسية رافقتها حملة أمنية واسعة ضد أبناء فتح (م 7)، ومنعت طباعة مناشير أو ملصقات تأييدا له..
وبلا أي تفكير كل فلسطيني وطني، عليه أن يدين سلوك حماس، السياسي والأمني، ليس لأن مواقف عباس تستحق “التأييد”، فتلك مسألة خلافية، ولكن أن تستبق الحركة “الإسلاموية” الخطاب بحرب “تشكيك” في التمثيل، فهي بذلك خرجت عن كل مبدأ وطني لم يتجرأ عليه قبلها، سوى من خرجوا من “سياق العلاقات الوطنية” منشقين، أو تابعين لنظم وأجهزة، ذهبت مع ريح مشغليها..وهي لم تقل ذلك يوم أن قرر سحب تقرير غولدستون الأهم.
بيان حماس ومواقف نوابها في غزة، التشكيكي، لم يكن رسالة للشعب الفلسطيني ابدا، بل كانت رسالة لأعداء الشعب الفلسطيني، وكل من يعارض “التمثيل الوطني”، فأصدقاء فلسطين يعترفون بالرئيس عباس ممثلا شرعيا، ورئيسا منتخبا ومسميا، كان ذلك بمجلس باطل أم لم يكن، فلعباس صفات ثلاث، أضعفها تمثيلا أنه رئيس السلطة الفلسطينية، فتلك من حيث المبدأ فقدت قيمتها السياسية، وهو ما ينطبق تماما على المجلس التشريعي..
للأسف كان بيان حماس ومواقف نوابها في غزة، رسالة محددة الى أمريكا وإسرائيل، وربما رسالة غامضة الى الشقيقة الكبرى مصر، ان “الإنقسام” باق الى حين، وأن قطاع غزة لم يعد جزءا من “الكينونة السياسية الفلسطينية”، فهناك “وضع خاص للقطاع”، سيطرته خارج سيطرة عباس السياسية وليس الأمنية فقط..رسالة تعلن أن جهود مصر وصلت الى طريق مسدود..
وبعيدا عن المواقف السياسية من الرئيس عباس، والتي تتعاكس مع كل قرارات الشرعيات الرسمية، تلك التي هو رئيسها، وأنه سقط في مواقف تدينه أمام “محكمة شعبية”، أبرزها تلك التي تفاخر بها بإتفاق مع رئيس المخابرات الإسرائيلية بنسبة 99%، لكن أن تتبرع حماس بما تبرعت به ليس سوى “هدية ثمينة” لرئيس وزراء الكيان نتنياهو، لكي يستخدم ذلك، برفض أي تنازل سياسي، ليس للعالم بل للولايات المتحدة..
ولم يتأخر كثيرا نتنياهو عن إلتقاط “الهدية السياسية الأثمن له” منذ زمن، ليعلن أنه لن تكون هناك “دولة فلسطينية” طالما هو في الحكم، بل أن اي دولة لن يكون لها سيادة أمنية من المتوسط حتى غرب نهر الأردن، وهذا لا ينطبق على غزة.
وترجمة سياسية لأقوال بيبي، فهي جاءت كـ”رد جميل سياسي”، وتوافقا صارخا مع ما صدر عن حركة حماس، بأن قطاع غزة هو “الإستثناء السياسي”، وبما انها صاحبة الأمر والنهي عليها، فهي وحدها ودون غيرها من سيقرر مصيره، لأنها تعلم علم اليقين أن “حلم سيطرتها” على الضفة والقدس قد ولى الى غير رجعة في ازمن المنظور..
مجددا كل الحق لحماس، ان تعلن خلافها السياسي مع الرئيس عباس، حتى التشكيك بشرعية مجلس المقاطعة ومنتجاته، لكن الرسالة توقيتا ومضمونا سقطت في فخ الخروج عن السياق الوطني، وإعلان صريح جدا، بأن حماس باتت “ممثلا موازيا”، الى حين أن تتمكن من “التمثيل البديل”، وكل تفسير مهما كان وقيل غير ذلك هو كلام لا قيمة له..
أي فائدة سياسية لحماس، أن تقول ما قالت عشية الخطاب سوى إنهاء وحدانية التمثيل، وأي هدف سياسي غير ذلك من رسالتها الصريحة جدا، بل علها الأكثر شفافية منذ فوزها بأغلبية المجلس التشريعي، رسالة لا هدف لها ولا عنوان سوى أمريكا وإسرائيل ونسبيا مصر..”عباس لم يعد يمثلني”..تلك هي الرسالة، والتي لم يتركها نتنياهو تمر مرورا هادئا، ولن يتركها لاحقا..
كان يمكن لحماس، لو أن “نواياها طيبة”، رغم أن السياسة لا تحتمل ذلك، تأجيل كل ملاحظاتها لمدة 48 ساعة أو أقل قليلا، وتسمع وترى وتراقب وبعد القاء الخطاب، لها أن تقول ما تشاء سياسيا فقط، تختلف الى الحد الأقصى وتصف مواقفه كما يحلو لها، لو أنها رأت فيه ما ليس متفقا معها، لكنها ممنوعة منعا مطلقا المساس بـ”الشرعية التمثيلية”، ليس حبا في شخصه لكن حماية لمشروعنا الوطني بكامله، تاريخا وحاضرا..
رسالة حماس ومواقف نوابها، وبلا أي غموض، فتحت باب الريبة الشاملة أن هدفها المركزي كان وسيبقى هو تدمير التمثيل الشرعي الوطني وإستبداله بتمثيلها له..وغير ذلك يصبح شكلا من أشكال “الباطنية السياسية”، كشفت بعض ملامحه مواقفها من قيادة الشعب التاريخية عندما خونتها تحت غطاء إتفاق أوسلو، تمهيدا لما أعلنته يوم 26 سبتمبر 2018 بسحب إعترافها بالرئيس عباس، والشرعية القائمة بكل أشكالها (دولة ، منظمة وسلطة)..
قيادة حماس ذهبت بعيدا في الفترة الأخيرة، وكأنها تعلن تمثيلا عبر مفاوضات مع دولة الكيان تبحث “شرعنته” بالقوة القهرية، وتريد أن تستعد سياسيا لـ”صفقة التهدئة” التي تم إنجازها كليا، ومن عرقلها الإدارة الأمريكية لإعتبارات خاصة..
وقبل فوات الآوان، وكي لا تصبح بسلوكها السياسي جزءا عمليا من تدمير المشروع الوطني، على حماس أن تراجع سلوكها ومواقفها السياسية في الفترة الأخيرة، وعليها أن لاتصاب بـ”غطرسة وغرور” في ظل ما أصاب حركة فتح، من وهن في عهد الرئيس عباس، فالوطنية الفلسطينية مهما أصابها ضعف لن تموت أبدا..
إدركوا معنى القول التاريخي للمؤسس الخالد ياسر عرفات، الفلسطيني كطير الفينيق ينهض دوما من رماد..