أقلام وأراء

حسن عصفور: هل هناك “حرب إقليمية” وهل إسرائيل “عدو قومي”..؟!

حسن عصفور 25-10-2024: هل هناك “حرب إقليمية” وهل إسرائيل “عدو قومي”..؟!

دخلت الحرب العدوانية على قطاع غزة يومها الـ 384، أدت تقريبا لإخراجه من “الجغرافيا” وأدخلته إلى صفحات تاريخ، سيتذكرها الجيل الفلسطيني لمئات السنوات، وكيف أن “الحماقة السياسية” ثورية أو ظلامية، تؤدي لخراب شامل، بعيدا عن اللغة التزويرية للحقيقة، التي يحاول بعض القاصرين عن رؤيتها أو تمريرها لغايات أخرى.

ومع الخراب التدميري العام في قطاع غزة، دخلت قضية فلسطين المرحلة الأخطر من باب التهويد العام، وبناء “نظام استيطاني” كامل المقومات، بما فيها العسكرية – الأمنية الخاصة داخل “دولة فلسطين” المعترف بها دوليا، ضمن مخطط الصهيونية الحديث لمنع الكيان الوطني، باعتباره يشكل “خطر وجودي” على مشروعهم العام.

ودون التوقف على أرقام الحرب العدوانية، الاقتصادية والبشرية، التي تتحدث عنها تقارير مختلفة وبأرقام “مجنونة” غالبها ناطق سياسي، لكن الجوهري، أنه لم تتحدث أي جهة بأن حرب الفاشية اليهودية على فلسطين ستقود إلى حرب “إقليمية”، ما يؤكد حقيقة يحاول البعض الهروب منها وعنها، كل لحسابات خاصة، وهي أن فلسطين لم تعد ابدا مركز الصراع الإقليمي، بعدما زالت حدود المفاهيم في ظل حركة التطبيع المتدحرجة.

وربما مفيدا التذكير، بأن الإعلام العربي منذ تسعينات القرن الماضي، وعبر أحد القنوات الخاصة، اعتبرت دولة الكيان “رأي آخر”، لتقود ثورة مضادة في الفكر السياسي من كونها العدو الأول إلى “وجهة نظر”، لتتسابق لاحقا الوسائل كافة بتكريس تلك الفكرة، دون حسابات لمخاطرها الشمولية، من تحويل إسرائيل العدو المركزي إلى دولة تختلف الأطراف مع سياستها، أي كانت العبارات المترافقة لكنها أسقطت عنها صفة “العدو القومي.

تغيير المفاهيم ومضمونها ليس لغة فحسب، بل ترتبط ارتباطا وثيقا بتحديد رؤية المواجهة أو عكسها، وهو ما يجد نموذجه “المثالي” في الموقف من الولايات المتحدة، عندما تعاملت غالبية الدول العربية، وغالبية ساحقة من شعوبها اعتبار “أمريكا رأس الحية”، وهي العدو الأكبر للمصالح القومية والوطنية، ولذا كانت دوما تشعر بخطر على مصالحها في المنطقة، وكان الحديث عنها يمثل “شبهة” سياسية وفكرية في آن، وهو ما اختلف كليا منذ عام 1973، عندما انتقل الفكر الرسمي وبعض الشعبي من التعامل معها من “عدو شامل” إلى “صدق شامل”.

العودة للحديث عن مرتكزات المفاهيم السياسية الفكرية لتحديد طبيعة العلاقة مع دولة الكيان والولايات المتحدة، ومكنة فلسطين القضية، الباب العملي لتناول ما يتم الحديث عنه حول “الحرب الإقليمية”، وهل هناك مرتكزات موضوعية لذلك الخيار، والذي قد يكون “أمنية طاغية”، عند مختلف شعوب المنطقة من المحيط إلى الخليج وأطرافها.

دون الغرق في الأمنيات “الشعبية”، موضوعيا لا توجد دولة عربية واحدة، أي كانت تبحث عن مواجهة عسكرية مع دولة الاحتلال، ولن تبحث ما هو أوسع من ذلك، ولا يوجد أي توجه لتكتل عربي أو يزيد على خوض حرب موسعة مع دولة الفاشية اليهودية، دون الاستماع لمبررات أو “احجية اللغة الخاصة”، وبالتأكيد لن تهذب دول أو تكتل دول عربية نحو حرب إقليمية، كونها لا ترى أنها ذات صلة بها، بل وقد تشكل خطر على مصالحها، وحتى لو ذهبت دولة العدو إلى المساس بها، ستبحث أشكالا لامتصاص “الغضب” كي لا يكون مقابله غير محتمل.

ولذا يبقى الخيار الأوسع حضورا، هو قيام دولة الكيان المعادي بفتح معركة مع بلاد الفرس، علها تفتح “حربا أوسع من المسموح بها أمريكيا”، كونها تدرك جيدا، أن نتائج تلك المعركة الحربية سترسم ملامح “الوجود اليهودي السياسي” في المنطقة، وتغيير استراتيجي لمكانة دولة الكيان، ليس فقط ما يتعلق بالتطبيع ومظاهرة، ولكن بدفع القضية الفلسطينية إلى الوراء سنوات بعيدة.

الفاشية اليهودية، هي من يبحث “حربا موسعة” مع بلاد الفرس، وليس العكس، حيث يعمل حكام طهران، رغم “ضجيج الكلام” عن تجنب أي مواجهة عسكرية شاملة، لأنهم يدركون جيدا نتائجها وآثارها على النظام القائم، ولذا يبحثون مع أمريكا، كل ما يجنبهم “حربا غير محسوبة”، ولا يريدونها أبدا.

لو كان خيار “الحرب الموسعة أو الإقليمية” خيارا عربيا، لما طال زمن الحرب العدوانية على قطاع غزة، وما ذهبت دولة الكيان لبناء “نظام يهودي” داخل الضفة والقدس جدارا ضد الوجود الكياني الفلسطيني، وتلك مسألة تمثل أحد أسباب عدم قيام حكومة الفاشيين بتنفيذ قرارات مجلس الأمن حول وقف الحرب، رغم ما بها امتيازات لهم.

ليس الولايات المتحدة وحدها من يمثل قوة الدفع والدعم لحرب هي الأكثر فاشية في التاريخ الإنساني الحديث، بل عدم وجود رغبة عربية رسمية بأي “صدام حقيقي” مع دولة الكيان وحكومته، والذهاب لأي “توتير” يربك المسار القائم، ما يفسر لما لم تأخذ أي دولة عربية خطوة فاعلة، ومنها تعليق العلاقات وسحب السفراء ومنع دخول أي من حملة جنسية الكيان، وتجميد الاستثمارات الاقتصادية المتسارعة بعد الحرب وحظر الأجواء، ما فور الغطاء العملي لاستمرارها.

طريق المواجهة يبدأ من إعادة الاعتبار لأسس المواجهة .. بأن أمريكا، مصالحا ووجودا هي العدو المطلق، وإغلاق سياسة الباب المفتوح مع دولة الكيان، والكف عن تمرير الكذب السياسي المعاصر، أنه باب لخدمة فلسطين..من هنا تكون رصاصة الانطلاقة الثورية المرتقبة.

“الأمنيات السائدة” لن تغير “الحقيقة السائدة”، أن دولة الكيان لم تعد عدوا مركزيا للرسمية العربية..وفلسطين لم تعد القضية المركزية..وكل ما يقال خلافه “ضلال وأوهام”.

 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى