حسن عصفور: ملامح اليوم التالي لما بعد نتنياهو بدأت!
حسن عصفور 2024-05-13: ملامح اليوم التالي لما بعد نتنياهو بدأت!
في تقرير إخباري تم نشره مساء يوم السبت 11 مايو 2024، أعربت المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال، بكامل أركانها (جيشا وأجهزة مخابراتية)، عن رفضها لاستمرار حربهم العدوانية على قطاع غزة، دون وجود هدف سياسي، متهمين رئيس حكومة التحالف نتنياهو، بعدم امتلاكه رؤية لليوم التالي، وإصراره على عدم تشكيل “قيادة مدنية” لإدارة قطاع غزة.
ليس من سمة أجهزة الأمن، وخاصة قادة جيشها الإعراب الصريح عن موقفهم السياسي (سابقة وحيدة لا تزال في الذاكرة عندما أعلن رئيس أركان جيش الكيان يهود براك بعد توقيع اتفاق إعلان المبادئ – أوسلو ووصفه بأنه يشكل خطر على الأمن القومي لهم)، ورغم أن الأمر لم يبدو كفعل واضح، لكن تسريب رفضهم الى وسائل إعلام عبرية لنشره، شكل منعطفا جديدا في العلاقة المتوترة أساسا بين نتنياهو وتحالفه مع “الثنائي” بن غفير وسموتريتش، والمؤسسة الأمنية ووزير الجيش ورئيس الأركان، وبداية لمشهد سياسي جديد في دولة الكيان.
تقرير المؤسسة الأمنية، يتزامن مع نمو حركة “الغضب الجماهيري” ضد نتنياهو وحكومته، تعيد بعضا مما كان غضبا قبل يوم 7 أكتوبر 2023 حيث كانت دولة الكيان تعيش أياما، هي الأكثر سوادا سياسيا منذ قيامها اغتصابا عام 1948، ما يمثل رسالة بأن الحرب لم تعد تشكل “جدارا حاميا” للحكومة وتحالفها، خاصة مع العودة لشعار “إسقاط نتنياهو هو الحل”.
تزامن تقرير المؤسسة الأمنية وتنامي حركة الغضب الجماهيري ضد نتنياهو، توافقت وسريعا مع حركة الاستخفاف التي أقدم عليها نتنياهو وحليفه المركزي بن غفير، من الرئيس الأمريكي بايدن، بعدما أعلن بأنه سيوقف تصدير بعض أنواع “الأسلحة”، فكان الرد بقوله “سنقاتل وحدنا”، كما اعتبرته الأوساط داخل الكيان بأنها بداية لكسر من الصعب ترميمه.
حكام دولة الكيان، يعلمون تماما بأن الولايات المتحدة هي التي تمثل “الدرع الواقي” عالميا وإقليميا لهم، ويدركون أن أمريكا لن تذهب لكسر عامود تلك العلاقة، لكنها بالمقابل لن تسمح بالنيل من “هيبتها السياسية”، وهي تحاول أن تعيد مكانتها عبر حرب غزة في المنطقة من المتوسط الى البحر الأحمر.
أدوات أمريكا لمواجهة “الغرور النتنياهوي” ليست تقليدية كما هي طرقها وأساليبها مع غيرها من الدول، لكنها تعمل من داخل الكيان باستخدام قوتها “الناعمة” الكامنة في أركان الكيان، وخاصة المؤسسة الأمنية التي تدرك معنى الغضب الأمريكي، أكثر من غيرهم، فكان تسريب تقرير موقفها بأن رئيس حكومة الكيان يبحث حربا من أجل الحرب، وليس من “أجل اهداف واضحة”، ولا يمتلك أي تصور لليوم التالي.
تقرير يرفع الغطاء السياسي عن نتنياهو كليا، ويضعه أمام غالبية سكان الكيان بأن أهدافه لم تعد تتفق والغالبية، وأنه يقود الى خلق “صدام خطير” مع أمريكا، بعدما بدأت تطالبه بتحديد رؤيه لليوم التالي بعد حرب، مكتفيا بكلام بلا أرجل، وفتح مشاكل مبكرة مع دول عربية، تراها واشنطن أعمدة مركزية لخطتها لإدارة غزة مدنياـ مع وجود قوات حفظ السلام (الطواقي الزرق).
نتنياهو لا يمكنه السير مع “ملامح الرؤية الأمريكية” حول اليوم التالي في ظل تحالفه مع “الثنائي بن غفير وسموتريتش”، خاصة ما يتعلق بترتيب قاعدة بحرية من خلال “الممر البحري”، وإدارة مدنية خالية من حماس ولكنها ليست خالية من أتباع عباس، وأن الوجود العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة سيكون ضمن “مناطق محددة” وليس كما تريده حكومة نتنياهو.
التصور الأمريكي لليوم التالي لحرب غزة لا تتوافق في عناصرها المركزية مع رؤية نتنياهو، ما يهدد جوهر الأهداف الرئيسية التي تم وضعها، وخاصة ترتيبات ذات بعد إقليمي أمني – اقتصادي، يفتح الباب لتوسيع رقعة التطبيع، والهدف الرئيسي القادم العربية السعودية.
مواقف نتنياهو والمرتهن بعضها الى موقف “الثنائي” لا تتوافق مع إدارة بايدن، بل باتت يمثل عقبة وخطرا يهدد جوهر أهداف الحرب، والتي تريدها أمريكا كممر لترتيبات وجودها الحديث في المنطقة من المتوسط الى البحر الأحمر، في ظل التغييرات العالمية، التي هزت مكانتها في المنطقة، وبدأت ملامح التمرد تظهر ما يهدد مصالحها الاستراتيجية خلال زمن قصير.
وبعض شواهد الحركة الأمريكية لإزاحة نتنياهو، أطلت عبر تقرير بلينكن رغم تناقضه وقصوره ونفاقه، لكنه حمل مؤشر بأنه يمكن أن يكون مختلفا لاحقا، مترافقا مع حركة اتصالات أمريكية تجاهلت نتنياهو بعد تطاوله الأخير على الرئيس الأمريكي، حركة اتصالات تشير أن هناك ما يمكن أن يكون، خاصة مع خروج غانتس وإيزنكوت من المجلس الحربي، كمظهر احتجاجي يعزز الحركة الغاضبة الأمنية – الشعبية.
لم يعد خافيا أبدا، إن وجود نتنياهو هو الخطر الحقيقي على رؤية أمريكا وترتيباتها السياسية – الأمنية الخاصة، وأن اليوم التالي يبدأ فعليا مع إزاحته، كي يصبح الطريق “سالكا” ليوم تالي جديد في المنطقة، وبدايته في قطاع غزة.