حسن عصفور – سلوك حمساوي “انفصالي” لا يتوافق و”مبادرة هنية”!
حسن عصفور ١٩-١٢-٢٠١٨
عندما سارعت حركة فتح برفض ما يمكن تسميته “مبادرة هنية”، اعتبرنا ذلك تسرعا غير مقبول، وموقف يعيد إنتاج الأزمة، ولكن بمظهر آخر يؤدي إجباريا الى خلق حالة فلسطينية لن تكون فتح منها بتشكيلها الراهن، وأشرنا الى أن تلك المبادرة قدمت تصورا يمكن اعتباره بداية خريطة عمل لانتشال المشهد الفلسطيني من نكبته الحالية.
وكان الاعتقاد، ان تبادر قيادة حماس فورا، الى ارسال تلك “المبادرة” بشكل رسمي الى كل مكونات العمل الوطني، فصائل ومؤسسات ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات اعتبارية، لتبدأ ورشة نقاش سياسي عام، لحوار مسؤول جاد، وألا تكتفي بأن رئيسها قد أعلنها في خطاب جماهيري، سمعها من سمعها وقرأها من قرأ، لتتسم المسألة بجدية وليس على طريقة “قل كلمتك وامشي”، مكتفية برفض فتح (م7)، لتدير ظهرها لكل المكونات الأخرى، وتبدأ بسلوك متناقض كليا مع جوهر تلك المبادرة.
حماس سريعا مارست سلوكا مثيرا للريبة، وكأنها لم تعرض المبادرة بالجدية المتوقعة، ليس بعدم متابعتها بما هو ضرورة، بل انها وفي اليوم التالي كشفت، ان سلوكها القادم سيكون “سلوكا انفصاليا” بالمعني السياسي في قطاع غزة، حيث أعلنت وبطريقة مفاجئة عن فرض ضرائب خاصة على بضائع مستوردة، تحت ذريعة حماية المنتج الوطني، ودون التدقيق في صوابية الجانب الفني، وتشكيك البعض المختص بأنها خطوة لجني مزيد من الجباية لصالح الخزينة الحمساوية، وأن الاختباء وراء حماية المنتج الوطني ليس سوى “خدعة” يراد منها مالا وفيرا بشكل آخر، فالأصل هنا البعد السياسي الخطير منها، والرسالة التي تقولها حماس عبر هذه “الفعلة المشينة”.
خطوة حماس وسلوكها بتقرير خطوات تمس جوهر التواصل الكياني، عبر ممارسات “فنية” تمثل إسهاما عمليا مباشرا في تعزيز البعد الأمريكي لخطة ترامب نحو خلق “كيانية خاصة شبه مستقلة في قطاع غزة”، مهما حاولت تقديم ذرائعا وأسبابا لغير ذلك، ولن يقيم أحدا وزنا وقيمة لكل “أيمان حماس السياسية”، بأنها لن تقبل بدولة في غزة ولن تقبل دولة بلا غزة.
حماس تجاوزت كثير بخطوة فرض ضريبة هي من البعد “السيادي” لأي نظام، وخطوة لا يجوز من الأصل أن تقر دون مصادقة برلمانية، مهما كانت المبررات، فما بالك والبرلمان (التشريعي) ليس منعقدا، دون الالتفات لورشات حماس في غزة.
حماس يمكن أن تخرج وتبرر انها فقدت كل “أمل ممكن” بالتواصل مع حكومة رام الله، التي تغلق الأبواب كافة في وجه التواصل، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن هناك طرق عدة كان يجب أن تستبق هذه “الخطوة الانفصالية”، بحيث تتوجه الى القوى الوطنية الفلسطينية، وهي تمتلك “إطارا تنسيقا” بينها، وتتقدم بما لديها، وتترك لها توصية القرار.
ومعها تتوجه لعرض المسألة على الشقيقة الكبرى مصر، بصفتها الراعي الرسمي والوحيد لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية، الى جانب لقاء مجلس رجال الأعمال المنتخب حديثا، وهو أول هيئة منتخبة موحدة يضم ممثلين من الضفة وقطاع غزة، منذ زمن، ما يمنحه قدرة العمل، خاصة ان المسألة أيضا تتعلق بمصالحه، وهناك غرف تجارية، ومؤسسات كان لها ان تساعد في الرأي قبل القرار.
متعددة هي السبل التي كان لحماس أن تسلكها، لو انها تبحث “حلا سياسيا”، قبل أن تتجه لتكريس “خطوة على طريق تعزيز الانفصال” الذي بدا يأخذ أبعادا خطيرة.
وكي لا تذهب بعيدا، مطلوب التراجع عن ذلك القرار الضار وطنيا، والخطير سياسيا، ولن يضير حماس ذلك أبدا، بل ربما تؤكد عبر الغاء القرار وبحث سبل أخرى، بأنها حركة تبحث ما يخدم العمل الوطني، وليس غيره، وان “مبادرة هنية” ليست “كلاما مهرجانيا”، بل هي رؤية للعمل والتنفيذ.
“العناد السياسي الضار مظهر من مظاهر الكفر بالوطنية”!