أقلام وأراء

حسن عصفور: بعد 30 عام كشف موقف حكومة رابين من اتفاقية أوسلو لطمة لبعض المتآمرين

حسن عصفور 2-9-2023: بعد 30 عام كشف موقف حكومة رابين من اتفاقية أوسلو لطمة لبعض المتآمرين

ما أن أعلنت وسائل الإعلام بمختلف لغاتها، عن توقيع اتفاق “إعلان المبادئ” أغسطس 1993 في العاصمة النرويجية أوسلو، حتى تباينت المواقف بشكل كبير، وخرج البعض الفلسطيني المرتبط إقليميا، ليكون رأس حربة من العداء لاتفاقية لم تنشر بعد، وفتحوا نيرانهم من كل الاتجاهات، وبعضهم ما كان لهم بالعمل الفلسطيني العام، سوى القليل بعدما كانوا جزء من “آليات العمل الاحتلالي” ضد الحركة الوطنية.

الطريف أن عواصم عربية، حرمت الثورة وفصائلها من وجود رسمي، بأي عمل او نشاط، كانت مقرا لفصيل طارئ أليخوض حربه “الجهادية” ضد منظمة التحرير وقائدها الخالد، وقدمت له أجهزة مخابراته كل ما يجب في مساره، حتى تمكن من تحقيق مراده السياسي فقذف بقيادتهم خارج الحدود، الى بلد استقبله لاستمرار مهمته، في النيل من الشرعية الفلسطينية، بعدما توقف تقريبا عن أي فعل حقيقي ضد العدو الاحلالي، الى أن طرد ثانية منها بعد رحلة غدر وخيانة.

بعد 30 عاما، فتحت دولة الكيان أرشيفها، وفكت السرية عن محضر مناقشة حكومة رابين لاتفاق “إعلان المبادئ”، قبل التوقيع الرسمي المتفق عليه في 13 سبتمبر 1993 بالبيت الأبيض، نقاش أظهر جوانب ربما تصيب الأدوات الفصائلية التي كانت رأس حربة أطراف غير فلسطينية لتدمير قواعد انطلاق اتفاق “الكيانية الفلسطينية” المعاصرة، لصالح استمرار الهيمنة السياسية القديمة، والبحث عن صيغة تقاسم مستحدثة، تعيد تلك الروابط التي كسر قواعدها “اتفاق أوسلو”.

ربما أهم ما في النقاش الحكومي الإسرائيلي، ما أشار اليه رابين وملاحظات رئيس الأركان في حينه يهود باراك (الذي لعب دورا مركزيا بتدميره ما بعد قمة كمب ديفيد 2000)، فرئيس الحكومة رابين بدأ حديثه بأن الاتفاق صعب وقاسي، وهو “ليس وديا” أبدا لإسرائيل (وحسب قوله هذا تعبير ملطف عن تعبير آخر، ربما يقصد ضار لهم) ، لكن الضرورة السياسية أجبرتهم على قبوله، وخاصة بعد الانتفاضة الوطنية الكبرى، التي كشف إعلاميا جرائم حرب ترتكبها، للمرة الأولى منذ العام 1948، بفضل الإعلام المعاصر، فأصبحت مشاهد تكسير عظام الأطفال مقابل التحدي الفريد للشعب الفلسطيني هي الحاضر الكبير.

جوهر التعبير الرابيني كان يتعلق بتعريف الضفة الغربية، بأنها أرض فلسطينية، وليست “يهودا والسامرة”، ما أصاب روايتهم التوراتية بمقتل، أشار له ممثل حركة شاس الوزير درعي في اللقاء، وكانت تلك المسألة هي السبب الوحيد لاغتيال رابين لاحقا في 4 نوفمبر 1995، بعدما أقدم إرهابي يهودي من أنصار التحالف الفاشي الحاكم راهنا، بإطلاق رصاص أمام عين الأمن والحراسات خلال مهرجان عام، عليه لينهي حياة رئيس وزراء أقدم على الاتفاق مع ياسر عرفات.

وكشف يهود براك موقفه العدائي للاتفاق، والذي عبر عنه قبل النقاش الحكومي بتصريح وصفه بأنه “يلحق الضرر بالأمن القومي الإسرائيلي”، متجاوزا التقاليد السائدة بعدم ادلاء قادة الجيش بأي تصريحات سياسية فترة المهام الرسمية، فأكد عبر ملاحظات متعددة ما أعلنه للعام، بخطورة الاتفاق على “امن إسرائيل”.

ربما، قراءة محاضر مناقشة حكومة رابين للاتفاق، يكون لها فائدة سياسية بأن يدرك البعض أن المعارضة الوطنية عليها إجراء مراجعة تدقيق في كيفية التعامل مع التطورات انطلاقا من مصلحة وطنية، وليس انسياقا وراء حملة صنعها بشكل رئيسي الدوائر الأمريكية، التي رفضت بالمطلق الاتفاق ورات فيه خطر على مشروعها الذي بدأت في ترويجه، وحقق نتائج بصناعة “البديل الموازي” لمنظمة التحرير الفلسطينية، كان هدفهم شطبها كليا، واستبدالها بتمثيل محلي خاص، فكانت اللطمة الكبرى، ولذا لم يكن أبدا من باب المصادفة، أن أمريكا لم تشارك أو تتابع أي مفاوضات بين 1993 وحتى 1996، بين فلسطين وإسرائيل، وعادت فقط بعد اغتيال رابين ونجاح نتنياهو رئيسا للحكومة، ما ضمن لواشنطن انتهاء عصر أوسلو عمليا، قبل الانتهاء الرسمي باغتيال الخالد ياسر عرفات في 11 نوفمبر 2004.

فيما قام التحالف اليميني الفاشي بقيادة نتنياهو (والذي يماثل بجوهره التحالف القائم راهنا)، بأوسع حملة عدائية ضد الاتفاق، حذر منها رابين خلال نقاش حكومته للاتفاق، بأنها تخرج عن مبادئ “العمل الديمقراطي”، رغم معارضة حاييم رامون لذلك، فكان الثمن قتل رابين لإدراكهم أنه مفتاح مقتل الاتفاق.

من المفارقات التي تستوجب الانتباه، ان الأدوات المحلية التي استخدمتها أطراف عربية، وحركت مفاصلها المخابرات الأمريكية، وتحالفت موضوعيا مع الفاشية اليهودية ضد اتفاق أوسلو ومنظمة التحرير وزعيمها الخالد، قد اصابها عمى سياسي وخرس كلامي، بعد نشر محضر نقاش حكومة رابين، لأنه كان أداة تعرية لخدمتهم التي أسدوها لغير الوطنية الفلسطينية.

يبدو أن المؤامرة التي بدأت للخلاص من الكيانية الوطنية وممثلها الرسمي، أخذت تحقق بعض ثمارها السياسية، بتهويد غير مسبوق في الضفة والقدس، وتعزيز “النتوء الإسلاموي” في قطاع غزة، ما يتطلب “انتفاضة” من نوع جديد لحماية ما يمكن حمايته من “تحالف وطني جديد”، بعيدا عن المسميات الخادعة.

الحديث عن اتفاق أوسلو راهنا، لا يعني أن الضرورة السياسية تتطلب التمسك به، أو بما أنتجه في مرحلة بات الخلاص منها هو الضرورة الوطنية الكبرى، والذهاب الى مرحلة فك ارتباط شامل بها.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى