حسن عصفور: بعد مسرحية نتنياهو هل تتدخل إسرائيل لترتيب قيادة حماس؟
حسن عصفور 24-8-2023: بعد مسرحية نتنياهو هل تتدخل إسرائيل لترتيب قيادة حماس؟
أثارت “هبة” غضب رأس التحالف الفاشي الحاكم في إسرائيل، نتنياهو، بعد مقتل مستوطنة يهودية في الخليل، والاتهام البرقي لإيران وتحمليها مسؤولية ذلك، سخرية وتساؤلات في آن، عما دفعه لذلك، وذهب لموقع عملية عسكرية بعد ساعات من وقوعها على غير عادته الشخصية ولا الأمنية.
حملة نتنياهو المفاجئة الاتهامية لبلاد الفرس، وتخصيص جهات فلسطينية، رغم براءتها من تلك العملية، لم يكن سوى فتح باب جبهة عمل جديدة، لا ترتبط مباشرة بالعملية، التي تحدث مثيلا لها بشكل شبه يومي فوق أرض دولة فلسطين، لم تجد ردة فعل هوجاء، ولا تهديدا ووعيدا كما حدث في عملية الخليل.
سرعة تحديد المتهم، والدعوة لعقد لقاءات أمنية خاصة، والانتهاء بقرارات لا يبدو بها خطوة واضحة، لا ضد الضفة (عدا مشروع سموتريتش) ولا قطاع غزة، وتركت الباب مفتوحا بتكليف رأس الفاشية اليهودية ووزير الجيش فيها، بالعمل على ترتيب ما يرونها مناسبا.
تركيزا على جوهر الاتهام حول بلاد الفرس، وأن دولة الكيان ستصل إلى من أمر أينما كانوا، مركزا بشكل خاص على بيروت، قافزا عن غزة، التي لم تتطرق قرارات المجلس الوزاري المصغر “الكابينيت” لها بأي اجراء أو عقوبة محددة، ما يشير الى أن “الغضب النتنياهووي” لا يرتبط بجهة أو فصيل، بقدر ما هو مرتبط بأفراد بعينها، يراها ذات علاقة خاصة ومميزة مع بلاد الفرس.
المؤشرات السياسية من حملة حكومة التحالف الفاشي لدولة الاحتلال، ليست موجهة الى حركة حماس وحكمها الانفصالي في قطاع غزة، بل الى شخصيات محددة، وأبرزها صالح العاروري، نائب رئيس حركة حماس، والمفترض أنه رئيسها القادم، وفقا لتقاليدها، وهو ما تراه دولة الكيان لا يتوافق وهواها في مرحلة ما بعد عباس، ليس لكونه يفترق فكريا عن الجوهر الإخوانجي للحركة، بل ما يجب أن يكون من دور وأداة وعلاقات إقليمية ترتبط برسم المشهد الجديد.
مع عودة العلاقات التركية الإسرائيلية الى مرحلة “الدفئ العتيق” كان أحد اهم طلبات حكومة تل أبيب اغلاق مكاتب صالح العاروري، وكان لها ما أرادت، بعيدا عما تتحدث به حماس خلافا لذلك، بل أن تركيا تقريبا مع قطر حددت جدا حركة الكلام والظهور الإعلامي من أراضيها، مكتفية بين حين وأخر بمكاملة هاتفية لرئيسها، او حضور خاص لرئيسها السابق.
مسرحية غضب نتنياهو السريعة، لا تحمل كثيرا من “الصلابة”، وكشفت زيفها قرارات لا تتسق مع حجم التهديدات والوعيد، سوى تشكيل غطاء لتعزيز مخطط التهويد في الضفة والقدس، وتمرير موازنات مالية مضاعفة عبر وزير الإرهاب اليهودي سموتريتش الى المستوطنات، رغم معارضة الجهاز الأمني، ومحاولة بن غفير للمضي قدما بتشكيل “قوة تنفيذية” عسكرية خارج المؤسسة الرسمية (مستفيدا من تجربة حركة حماس في غزة عام 2006).
تدقيقا في مسرحية غضب نتنياهو، وتكليفه وغالانت بالعمل على تنفيذ قرارات مجلسهم الأمني المصغر، تشير أن البعد الأمني منها يتجه جوهريا الى الخارج، مكتفية بالبعد التهويدي داخليا، الذي يمثل مرتكز المشروع الصهيوني لمنع قيام دولة فلسطين، وتعزيز قواعد رؤية “التقاسم الوظيفي” لـ كانتونات سلطة” تحت الحماية الشمولية لدولة الكيان، مع تعزيز البعد الانفصالي لنتوء قطاع غزة.
ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها دولة الكيان في ترتيبات المشهد القيادي الفلسطيني، عبر عمليات اغتيال ساهمت وساعدت بقفز عناصر الى سدة القيادة في غير وقتها وزمانها، ويبدو أنها مقدمة على استكمال ما بدأت في فترات سابقة، لفرض ملامح قيادية محددة لغاية سياسية تعزز المشروع المستقبلي في فلسطين.
ولعل التركيز على القيادي الحمساوي صالح العاروري، ليس بحكم أن موقفه أكثر “وحدوية” عن غيره، ولا يتقارب مع رؤية رئيسي المكتب السياسي لحماس في قطاع غزة ما قبل 2004، المهندس عبد العزيز الرنتيسي وقبله المهندس إسماعيل أبو شنب، وكلاهما دفعا ثمنا لخيار “التصالح الوطني” الحقيقي مع السلطة الوطنية ومؤسسها الخالد ياسر عرفات، بل لأن العاروري الأكثر قربا لبلاد الفرس، ما يثير “مخاوف” أطراف إقليمية وتل أبيب، قد يستخدم لتشويش “مشروع” تحت التنفيذ.
هل تذهب حكومة نتنياهو الى فرض قيادة خاصة لحركة حماس تتوافق ومشروع “التقاسم الوظيفي” الجديد، دون حساب لردود فعل قد تحدثها تلك العملية، سواء من تحالف الفرس في لبنان أو قطاع غزة، وهل الثمن يستحق مغامرة بما قد تنتجه، أم أن “حسابات بيدر التحالف الفارسي لن تكون كحسابات الحقل اليهودي”، رغم تقاطع مصالحهما في مناطق مختلفة.
ما سيكون فعلا من حكومة الفاشية اليهودية ليس رد فعل على قتل مستوطنة، بل فعل مباشر لرسم قيادة فلسطينية خالية من الهرمون الفارسي لتنفيذ مشروع “توافق إقليمي جديد”.