حسن عصفور: أوهام الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول مستقبل غزة
حسن عصفور 8-11-2023: أوهام الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول مستقبل غزة
أثار تصريح رئيس حكومة دولة الفاشية اليهودية نتنياهو، لقناة أمريكية يوم 7 نوفمبر 2023، حول استمرار بقاء قواتهم في قطاع غزة دون تحديد زمني، إرباكا إعلاميا، خاصة بعدما حاول وزير خارجية الكيان كوهين أن يعيد الصياغة، بأن البقاء سينتهي مع تشكيل “تحالف دولي إسلامي محلي” لتولي مهام الإشراف على قطاع غزة.
وسارع البيت الأبيض وكذا وزارة الخارجية الأمريكية، لتقديم توضيحهم بأنهم لا يريدون “عودة الاحتلال” الى قطاع غزة، وأيضا لا يريدون عودة الأوضاع لما قبل 7 أكتوبر، دون تحديد واضح ماذا يريدون سوى كلام ملتبس حول دور الرسمية الفلسطينية، رغم كل ما بها من “أمراض مزمنة” لعدم قدرتها على حماية ذاتها من جيش المحتلين وفرقهم الإرهابية، وتعيش في “منطقة خضراء” داخل مدينة رام الله، محاصرة من غضب شعبي مركب، تزداد وتيرته مع كل يوم مضاف في حرب قطاع غزة، ودورها الغائب وطنيا عنها.
“التباين اللغوي” بين تصريحات ممثلي حكومة الفاشية اليهودية والإدارة الأمريكية، لا تمثل أبدا افتراقا في جوهر الموقف المراد أن يخدم أهداف دولة الكيان من حربها العدوانية الشاملة في قطاع غزة، والتي بدأت بعض ملامحها تتشكل بسرعة فاقت التقدير، بأنها ستتحكم في مصير القادم السياسي أي كان مسماه، وهو ذات الهدف الأمريكي، تحت شعار لا عودة لما كان قبل 7 أكتوبر، أي ان كلاهما يريد بناء نظام خاص في القطاع ترضى عنه تل أبيب كليا، تحت شعار عدم التهديد مجددا.
حديث الإدارة الأمريكية عن عدم الموافقة على عودة الاحتلال لقطاع غزة، لم ينف سيطرة دولة الاحتلال الأمنية، والتي تمثل القيمة الجوهرية المراد لها أن تكون، والتأكيد على أن لا عودة احتلالية دائمة، ولكنها مرحلة ضرورية انتقالية، أمريكا وافقت عليها عبر تصريحات البيت الأبيض ووزير خارجية مجلس الحرب المشترك أنتوني بلينكن.
واشنطن تحاول رسم مسار تضليلي كامل، باستخدام عبارات وهمية لصالح تمرير مخطط دولة الكيان، وأهدافها الحقيقة من حرب أكتوبر العدوانية، وخاصة ما قبل قمة الرياض العربية 11 نوفمبر 2023، فالهدف المركزي المشترك بينهما، طبيعة النظام الجديد المنوي إقامته في قطاع غزة، مشروطا بانتهاء “العهد العسكري” لحكم حماس، تحت شعار عدم وجود أي “تهديد” على دولة الكيان، وذلك يتطلب فيما يتطلب تشكيل “إدارة توافقية” مع حكومة تل أبيب، وتوفير قوة عسكرية أمنية لحمايتها، خاصة بعد تدمير القواعد العسكرية الشاملة في القطاع.
واشنطن تتفق كليا مع تل أبيب على استمرار الهيمنة الإسرائيلية على النظام الجديد في قطاع غزة، بأشكال مختلفة، في مرحلة أولى وجود مباشر لقوات الكيان، تستمر الى تشكيل “قوات تحالف أممية” تتولى مسؤولية أمن الإدارة الجديدة، وذلك بالتأكيد يحتاج زمنا لن يقل عن عام بالحد الأدنى، وأكثر بالحد المعلوم في كيفية تشكيل تلك القوات، مع ما يتطلب ذلك من توفير المال الخاص لها، والدول المشاركة خاصة وأنها ستبقى منطقة خطر أمني، ما سيقلل من رغبة المشاركين، مع احتمالية عدم مشاركة قوة من الدول العربية، باعتبارها “قوات احتلال بثوب أممي”، يراد لها السيطرة على مستقبل أهل القطاع، وعمليا على مستقبل دولة فلسطين المعتقلة في سجلات الرئيس محمود عباس.
الإشكالية السائدة، أن النقاش الجوهري فيما سيكون لليوم التالي لقطاع غزة، يبدو وكأنه ملكية احتكارية لتل أبيب وواشنطن، وغياب كلي لأصحاب القضية وصمت أو “مشاركة باطنية” من دول عربية، رهبة من رد فعل شعبي، او انتظارا لقمة عربية ربما تضع ملامح رؤيتها لما سيكون، في سياق خاص.
موضوعيا، لا يوجد أي خلاف حقيقي على مستقبل الوضع السياسي – الأمني في قطاع غزة بين أمريكا ودولة الكيان، وكل ما يقال لا يبعد عن مترادفات لغوية، لا تمثل أي عقبة في قوة الدفع المنطلقة بغطاء نووي من نوع جديد، لكنه مناورة مسبقة ليوم 11 نوفمبر 2023 في الرياض.
ويبقى السؤال، أليس من الضرورة الوطنية أن تبادر قوى فلسطينية لفتح النقاش حول اليوم التالي لوقف الحرب العدوانية على قطاع غزة، ورسم ملامح رؤية سياسية خاصة كي لا يبدو أن السماء السياسي لأهل فلسطين سوادا شاملا..ولا يفترض ذلك انطلاقها من موقع الانهزام أي كانت نتائج الحرب العدوانية، ولكنها رؤية لا بد منها كي لا يبقى قطار المسار المعادي خيارا وحيدا..تلك تحتاج جرأة وقدرة خارج نقاب الشجاعة اللغوية، التي تفقد كثيرا من سوقها السياسية والشعبية.