أقلام وأراء

حسن عصفور: أمريكا وهندسة “المناغشة العسكرية” بين الفرس والكيان، ماذا بعد؟

حسن عصفور 26-10-2024: أمريكا وهندسة “المناغشة العسكرية” بين الفرس والكيان، ماذا بعد؟

وأخيرا، انتهت حركة “التهديدات الصاخبة” التي تواصلت منذ الأول من أكتوبر، بعدما قامت بلاد الفرس بقصف دولة الكيان بـ 200 صاروخ، أدت لحدوث “أضرار مادية”، وشهيد فلسطيني من قطاع غزة في مدينة أريحا، برد “متناسق ومحسوب” على أهداف عسكرية وغيرها.

بداية، لم تتأخر واشنطن، بكشف أنها قامت بدور “المهندس العام” للضربة العسكرية الإسرائيلية فجر يوم السبت 26 أكتوبر 2024، بعدما أخبرت طهران مسبقا بموعد العملية وأماكن الاستهداف، وبأنها لن تتجاوز “الخطوط الحمر” المتفق عليها بما يتعلق بالمنشئات النووية والنفطية.

سرعة إعلان حكومة نتنياهو بأنه “ردها الانتقامي” انتهى بما قامت به من قصف عشرين هدف عسكري، وأنها تحذر من الرد، فيما ردت طهران بأنها سترد في الوقت المناسب، ما يترجم أنها لن ترد ما دام الأمر توقف عند “حدود المناغشة العسكرية”.

الضربة العسكرية لدولة الكيان، تؤشر أن “المؤسسة الأمنية” بقيادة “غالانت – هاليفي” أكدت أنها صاحبة القرار في القضايا الاستراتيجية العسكرية، وهي بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة من يضع قواعد المسار، بعيدا عن “الجعجعة السياسية” التي حاول نتنياهو ومكتبه، بل وأوساطه الإعلامية نشرها، بعدم وجود “خطوط حمر”، وهو يستمع إلى الرئيس بايدن لكنه صاحب القرار النهائي.

قد يكون أكثر المتضررين لاحقا من “الضربة العسكرية الإسرائيلية” لدولة الفرس، بحجمها وآثارها وافتضاح أمرها، وبأنه تم تنسيقها المسبق بتفاصيلها الدقيقة، هو رئيس حكومة دولة الكيان نتنياهو، وقد تمثل ضربة قاضية لأحلامه التي تصاعدت في الأشهر الأخيرة، لتعيده إلى مكانته قبل 7 أكتوبر 2023.

آثار ضربة جيش الكيان العسكرية على دولة الفرس، ومخرجاتها قد تتفجر “قنابل سياسية” داخلية بين مكونات الكيان المتصارعة، ولن تمر مرورا “هادئا” مع تربص المؤسسة الأمنية بكل أركانها بنتنياهو وأنصاره، خاصة بعدما وصل به الأمر السخرية العلنية من رئيس أركان جيش الاحتلال هاليفي، وما حدث ضد وزير الجيش غالانت داخل الحكومة وخارجها، إلى جانب المعارضة التي تنتظر “كبوة” لديك انتفخ بغير حق على حسابهم.

موضوعيا، الرابح الرئيسي من “ضربة 26 أكتوبر” هي إدارة بايدن، التي أعادت الاعتبار لـ “هيبتها” بعدما داس بعضها نتنياهو بشكل صريح، وصل إلى كشف اتصالاته مع ترامب ومطالبته بفعل كل ما يراه، وتصريحاته المتلاحقة، مع فريقه الخاص، بأنه سيفعل ما يراه وليس ما يسمعه من واشنطن.

الرابح الثاني هو النظام الفارسي، والذي خرج من “أخطر مفصل سياسي أمني” كان سيواجهه منذ اسقاط حكم الشاه رضا بهلوي عام 1979، فيما لو تجاوزت تل أبيب ردا يمس عصب الدولة الفارسية، بما يدفعها الرد الذي قد يكسر عامودها الفقري ويمهد الطريق لـ “ثورة غضب” داخلية، أو امتصاصها ما يكسر شوكتها في المنطقة والإقليم، ويفضح سترها “الثوري البلاغي”، ولذا هي المستفيد الثاني الكبير من “الهندسة الأمريكية”، ولن تكون بلا ثمن.

هناك رابحين بالصدفة، دول عربية كانت ستواجه معضلة في كيفية التعامل لو تجاوزت العملية العسكرية “حدود متفق عليها”، ولذا جاءت “الضربة الناعمة” بردا وسلاما أمنيا وسياسيا لها وعليها، لكنها مع “الربح الثانوي”، قد تخسر كثيرا في المستقبل مما ستحاول أمريكا أن ترفضه “مقابلا”، ما يتطلب عملا مسبقا لقطع الطريق على “الابتزاز الأمريكي” المنتظر.

لعل روسيا قد خرجت من “الرد الناعم” بربح خاص، بعدما أنذرت دولة الكيان، للمرة الأولى من سنوات طويلة بعدم الذهاب بعيدا في ردها، بما يمس المصالح الاستراتيجية في المنطقة، لغة غابت طويلا عن روسيا وخاصة مع دولة الكيان، وبذا تؤكد أن “العملية العسكرية” في أوكرانيا، والتدخلات فيها من أي طرف، بما يضر مصالحها، لن يكون بلا ثمن.

بالتأكيد، الصين قبل الدول العربية تنفست الصعداء من “نهاية” ربما هي الأفضل لها، وهي صاحبة المصالح الحيوية جدا في المنطقة والكيان.

ولكن، وهنا ندخل مسار “الشيطان السياسي”، بعدما روضت الولايات المتحدة طرفي التوتر الأمني، الكيان والفرس، وفقا لرؤيتها وكما رسمتها دون خروج على النص المحدد، ستبدأ رحلتها التكميلية لوضع ترتيبات الصفقة الكبرى في الإقليم، عبر بوابتي فلسطين ولبنان، ورسم خريطة سياسية بما يعيد دورها القيادي في المنطقة، الذي اهتز كثيرا خلال السنوات الخمسة الأخيرة، أو بالأدق منذ سقوط مشروعها لبناء “نظم إسلاموية”.

لم يعد هناك مفاجئة بأن لبنان لن يعود لمرحلة الخطف التي استمرت طويلا، وستنتهي بفتح الباب لتنفيذ قرار 1701، ولاحقا سيكون ترتيبات مضافة لما ورد في القرار بعدما ينتهي عصر السلاح خارج الدولة.

رحلة سياسية أمريكية جديدة، تقطع الطريق على الكيان الوطني الفلسطيني لسنوات، وبناء، حالات حكم انفصالية”، تحت هيمنة غير فلسطينية وبشراكة إقليمية في قطاع غزة، وتوسيع الوجود اليهودي في الضفة والقدس عبر “جزر فلسطينية” تحت نظام استيطاني، إلى حين ترتيبات استكمال التهويد والضم، والتفكير بنمط حكم مختلط.

هل تدخل المنطقة في مرحلة “تقاسم مصالح جديد” بين القوى الكبرى ودول إقليمية، بما فيها دولة الكيان، لبناء “نظام إقليمي” غير متصارع، أم تستمر حركة “التفاعل التصادمي” عبر مظاهر أخرى..ذلك هو السؤال الكبير.

 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى