حسن عصفور: أزمة حماس الداخلية ودور تركيا في إعادة صياغتها

حسن عصفور 5-11-2025: أزمة حماس الداخلية ودور تركيا في إعادة صياغتها
بعيدا عن ضجيج “مكذبة القرون” التي ترددها الحركة المتأسلمة “ح م اس”، بأن دولة العدو الاحلالي لم تحقق أهدافها في قطاع غزة، فالمؤامرة التي نفذتها شكلت أحد أهم النكبات المعاصرة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وأكملت أضلع وعد بلفور ونكبة 1948، واغتيال الخالد ياسر عرفات ما فتح الباب للبديل الموازي أن يخطف جنوب فلسطين لبناء “إمارة” بتمويل من الكيان وخدمة قطرية فاقت كل حدود الخدمة السياسية.
مؤامرة 7 أكتوبر 2023، كانت القاطرة التي فتحت الباب واسعا لحضور دولة العدو في الترتيبات الإقليمية الجديدة، وهو ما لم تتمكن منه خلال سنوات محاولات فرض مشروع “الأسلمة” على الكيانية السياسية في دول عربية، بعدما كسرت مصر في 30 يونيو تلك الاندفاعة، فجاء الحدث الأخير ليعيد لها ما خسرته في حينه.
لكن مؤامرة 7 أكتوبر كشفت ما كان مختبئا داخل حركة حماس، وإن كان دون ضجيج كبير، بما يعرف بالخيط الفارسي داخلها، خاصة في قطاع غزة وبعض الضفة الغربية، من خلال علاقة مميزة مع يحيى السنوار وصالح العاروري قبل اغتيالهما، وبين الاتجاه “السني” المرتبط جوهريا بالفكر التقليدي لجماعة حسن البنا (أبو مرزوق ومشعل)، ولم يعد كما كان سابقا خاصة مع صعود دور السنوار في الحركة تحديدا معركة رئاستها في قطاع غزة.
انتشار الخلاف علانية داخل الحركة المتأسلمة “ح م ا س”، قد يكون سابقة لم تعرفها منذ انطلاقتها لتكون بديلا موازيا لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1988، بتوافق بعض عربي وأمريكا وإسرائيل، خاصة مع انطلاقة الانتفاضة الوطنية الكبرى ديسمبر 1987، ولاحقا استخدامها كأداة تخريب ضد اتفاق “إعلان المبادئ – أوسلو” 1993 إلى أن حققت الهدف المطلوب منها بانتخاب نتنياهو بعد اغتيال رابين.
خلاف حماس الداخلي والعلني يشير بلا تردد أنها لن تعود لما كانت عليه، ليس بما حققته بدعم أطراف معادية للشرعية الوطنية الفلسطينية فقط، بل من أطراف ساهمت بشكل كبير في دعمها وتعزيز دورها المقرر منذ بروزها فبراير 1988 بديلا موازيا، لتبدأ رحلة السقوط الكبير، والعودة إلى ملامح “مجمع إسلامي” خدماتي هنا أو هناك، لكنه قد لا يرى النور ثانية ولزمن طويل في قطاع غزة.
دون الذهاب لتفاصيل حملة الاهتمامات المتبادلة بين “محوري” الأزمة الكبيرة داخل حماس، لكنها ستترك أثرا كبيرا على مستقبلها، خاصة بعدما فقدت قوتها المركزية الحاكمة والتنظيمية في قطاع غزة، والتي كانت ضمن المحور الفارسي، ولم يعد لها قيادة مركزية مؤثرة في الصراع الداخلي.
ويبدو أن هناك أطراف إقليمية، خاصة تركيا، تحاول العمل على إعادة صياغة الحركة المتأسلمة، بما يتوافق ورؤية خاصة خادمة، استفادة من تجربة إعادة تأهيل أحمد الشرع من قيادة داعش إلى رئاسة سوريا ضمن المشروع الأمريكي الجديد.
دور تركيا في إعادة صياغة الشرع وفصيله، بدأ منذ عام 2019، وفقا لتصريحات كشفها وزير خارجية روسيا لافروف بعد سقوط نظام الأسد، خلال 48 ساعة دون أدنى مقاومة لا من المؤسسة الأمنية الرسمية ولا من روسيا وبالطبع دون أي دور لبلاد فارس وحزبها اللبناني، رغم كل ما كان لهم من وجود عسكري كبير، لتكشف أن الخلاص من حكم الأسد كان “اتفاقا سريا”، والبديل أعيد تأهليه خارج الداعشية، دون أن يفقد جوهر الأسلمة “السنية”.
ويبدو أن تركيا تحاول تكرار ما فعلته مع تجربة الشرع، بتأهيل حماس “السنية” بعيدا عن “المحور الفارسي”، الذي تم كسر عاموده الفقري في قطاع غزة، ولن يعود أبدا لما كان، ليس خسارة كم فقط بل خسارة وجود، ما يمثل تغيير في معادلة التوازن لصالح المحور “السني”.
المحاولة التركية لتأهيل حماس، تأتي في سياق التوافقية الفريدة بين الرئيس الأمريكي والرئيس التركي، في محاولة تسويقها كما حدث مع الشرع سابقا، والتي قد تخدم خطة ترامب في قطاع غزة، ليس بعودة الحركة المتأسلمة فهي خرجت من قطاع غزة ولن تعود، ولكن لمحاصرة الموقف الرسمي الفلسطيني حول ربط إدارة القطاع بالحكومة المركزية، وجدول زمني واضح لنهاية المرحلة الانتقالية بما فيها خروج قوات دولة الاحتلال كليا.
تركيا، التي تعمل على تعزيز حضورها الإقليمي من بوابة سوريا، والبحث عن معادلة تقاسم وظيفي مع دولة الكيان في محطات إقليمية، تريد أن تستخدم حماس جسرا من جسورها الخاصة لتحقيق المعادلة التوسعية وبتوافق أمريكي وإسرائيلي، رغم إدراكها جيدا بلا مستقبل لها في قطاع غزة.
دور تركيا الخاص في محاولة استخدام حماس بعد إعادة تأهيلها على الطريقة “الشرعية”، هي جرس إنذار مبكر لمحاولة ابتزاز الرسمية الفلسطينية كي توافق على خطة ترامب ولجنتها الإدارية، وتزيل كل عقبة أمام “الوصاية المستحدثة”.
دور تركيا لصياغة “نيو حماس” جزء من مساومة تاريخية بينها وأمريكا ودولة الكيان الاحلالي ضمن ترتيبات إقليمية جديدة، بدأت تظهر في سوريا والعراق والخليج، ومحاصرة مصر ودورها الخاص.
قبل أن يصبح الكلام وفق “لو” و “يا ريت”، فالصحوة السياسية المبكرة لما يتم مخططا ضرورة دون ارتعاش.



