أقلام وأراء

حسام بوزكارن: الكنيست المعلق.. السياسة الإسرائيلية بين التعليق والتفكك

حسام بوزكارن  16-06-2025 الكنيست المعلق.. السياسة الإسرائيلية بين التعليق والتفكك

التجنيد الحريدي.. صدع في جدار الدولة اليهودية

لطالما شكل التجنيد الإجباري عمودا فقريا لرؤية “جيش الشعب” الصهيونية، لكنه تحول اليوم إلى معضلة تهدد وحدة هذه الرؤية ذاتها. فامتناع الحريديم عن الخدمة العسكرية، المدعوم بغطاء سياسي وديني، لم يعد مجرد استثناء قانوني بل تحول إلى شرخ اجتماعي يطعن في مفهوم المساواة والتضحية الجماعية داخل إسرائيل. المحكمة العليا، ومن خلفها شريحة واسعة من العلمانيين، تعتبر أن الإعفاءات الواسعة تمنح الحريديم امتيازا غير مبرر، في وقت يتصاعد فيه التهديد على الجبهة الشمالية والجنوبية. التجنيد لم يعد نقاشا أخلاقيا فقط، بل أصبح معركة على هوية الدولة وحدودها بين “يهودية الدولة” و”مدنيتها”.

الحريديم والائتلاف.. تحالف الضرورة أم عبء البقاء؟

التحالف بين الليكود والأحزاب الحريدية لم يبن على رؤية أيديولوجية مشتركة، بل على تبادل مصالح سياسية فحسب. بنيامين نتنياهو، الباحث الأبدي عن البقاء في السلطة، منح الحريديم كل ما طلبوه تقريبا: ميزانيات ضخمة لليشيڤوت، إعفاءات من التجنيد، وتجميد أي إصلاحات قد تهدد نمط حياتهم. في المقابل، وفرت الكتل الحريدية شبكة أمان سياسية لحكومة باتت أقرب إلى كونها رهينة من أن تكون قائدة. لكن في لحظة الحقيقة، عندما ضغطت المحكمة وهددت بإلغاء الامتيازات، بدا واضحا أن هذا التحالف يتآكل من الداخل: الحريديم يهددون بالانسحاب، ونتنياهو يلوح بحل الكنيست. إنها علاقة زواج سياسي على شفير الطلاق.

أمن الدولة أم أمن الائتلاف؟ المعركة على الأولويات

في قلب الأزمة يكمن سؤال مركزي: لمن تمنح الأولوية؟ لمقتضيات الأمن القومي أم لتماسك الائتلاف الحاكم؟ الجيش الإسرائيلي، المستنزف بشريا ومعنويا بعد حرب غزة، يطالب بتوسيع قاعدة المجندين، في حين تصر الأحزاب الدينية على إبقاء أبنائها في المعاهد الدينية. المفارقة أن هذه الأحزاب، التي تدعي الدفاع عن “أمن الهوية اليهودية”، تفعل ذلك على حساب أمن الدولة فعليا. ومع اقتراب المهلة التي حددتها المحكمة العليا للحكومة بشأن تجنيد الحريديم، اضطر نتنياهو إلى المفاضلة: إما كسب الحريديم وخسارة المحكمة والرأي العام، أو العكس. وحتى الآن، يبدو أنه اختار المراوغة على اتخاذ القرار.

حل الكنيست.. مناورة تأجيل أم اعتراف بالعجز؟

قرار حل الكنيست لم يكن خطوة نابعة من دينامية سياسية طبيعية، بل أقرب إلى صفارة إنذار تعلن فشل النظام الحاكم في إدارة التناقضات البنيوية داخله. نتنياهو لم يرد الحسم، بل أراد الوقت. حل الكنيست هنا ليس إعلانا عن نهاية ولاية بقدر ما هو تمديد لأزمة كامنة. فبدل أن تواجه الحكومة الإسرائيلية واقعا قضائيا وأمنيا ضاغطا، لجأت إلى الهروب الأمامي: الانتخابات كمخدر سياسي، لا كأداة للتجديد الديمقراطي. ومع أن قوى المعارضة رأت في الأمر فرصة لإسقاط الحكومة، إلا أن المناورات الأخيرة أنقذت الائتلاف، ولو مؤقتا. لكنه إنقاذ أقرب إلى تأجيل السقوط منه إلى تثبيت الحكم.

الكنيست المعلق.. سياسة الهروب إلى المجهول

الكنيست الإسرائيلي، الذي يفترض أن يكون عنوان الاستقرار والتشريع، بات اليوم مؤسسة معلقة بين حل مؤجل وقرارات غير محسومة. هذا التعليق المستمر للبرلمان يعكس حالة الهروب الجماعي من مواجهة الملفات الكبرى: التجنيد، مكانة المحكمة، التوازن بين الدين والدولة، وحتى خيارات الحرب والسلم. إسرائيل أمام مفترق طرق تاريخي، لكن قادتها يفضلون التقدم مغمضي الأعين. في هذا السياق، لا يبدو أن حل الكنيست كان بحثا عن مخرج، بل تهربا من الإجابة على سؤال: ما الدولة التي نريدها؟ دينية؟ مدنية؟ قومية؟ ديمقراطية؟ الأسئلة كلها مؤجلة، والكنيست المعلق شاهد على المأزق المؤسس الذي تعيشه الصهيونية الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى