أقلام وأراء

حافظ البرغوثي يكتب – سجالات انتخابية أمريكية

حافظ البرغوثي 29/9/2020

في وقت تتأهب الولايات الأمريكية ال50 لمواجهة أي تدخلات من موسكو أو غيرها، يبدو أن التهديدات الأكبر تأتي من الداخل .

خرج زعماء جمهوريون لتأكيد الالتزام بانتقال سلمي للسلطة في الولايات المتحدة، بعد الانتخابات المقبلة؛ إثر مواصلة الرئيس دونالد ترامب التشكيك في نتائج الانتخابات قبل إجرائها، وتوجيه اتهامات بالتزوير وامتناعه عن تأكيد مغادرته منصبه إذا ما خسر الانتخابات. وقد أحدث تصريح ترامب الأخير ردود فعل غير عادية في الوسط السياسي الأمريكي؛ لأنها المرة الأولى التي يخرج فيها كلام بهذا المعنى في الولايات المتحدة التي لم تشهد أي خروج عن الالتزام الديمقراطي للسلطة طوال القرون الماضية. فالرئيس ترامب كثف في الآونة الأخيرة أقواله حول احتمالات عدم تركه الرئاسة وتشكيكه المستمر في نتائج الانتخابات المرتقبة ومعارضته للاقتراع البريدي، ما جعل المراقبين يعتقدون أنه مستعد لفعل كل شيء حتى لا يخسر منصبه بما في ذلك إشعال حرب أهلية. وقال ترامب: «لن نخسر هذه الانتخابات إلا إذا كانت مزورة»، وسلط هذا التصريح المفاجئ على جانب من محاولاته زرع الشك بشأن نزاهة الاقتراع مسبقاً، متلاعباً بأعصاب خصمه الديمقراطي جو بايدن وكأنه يحاول إرهاب معسكر منافسه، وإدخال الرعب إليه.

يواجه نظام التصويت الأمريكي أخطر تهديد منذ عقود، تغذيه مقاربة الرئيس لها، والعدد القياسي للأصوات التي يتم الإدلاء بها عن طريق البريد؛ من جرّاء وباء كورونا والقلق بشأن الآلات المتقادمة في البريد والفرز والاتهامات بقمع الناخبين.

وازداد الأمر تعقيداً؛ من جرّاء تكرار التدخلات الأجنبية التي شابت انتخابات 2016، وهو أمر بات أكثر وضوحاً مع إعلان وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على «عميل روسي نشط» اتهم بإثارة نظريات مؤامرة استخدمها البيت الأبيض.

لكن في وقت تتأهب الولايات الأمريكية ال50 لمواجهة أي تدخلات من موسكو أو غيرها، يبدو أن التهديدات الأكبر تأتي من الداخل.

وقالت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي راقبت الانتخابات على مدى عقود في بلدان من أفغانستان وصولاً إلى الولايات المتحدة، إن «إجراء هذه الانتخابات سيكون الأصعب في العقود الأخيرة». ويوجه مركز «كارتر»، غير التابع لأي من الحزبين والذي أسسه الرئيس السابق جيمي كارتر وراقب الانتخابات في 39 بلداً منذ عام 1989، أنظاره لأول مرة نحو الولايات المتحدة. وكتب جيسون كارتر من المركز أواخر أغسطس/آب «يفقد الأمريكيون ثقتهم في العملية الانتخابية في الولايات المتحدة».

ومنذ عام 2016، أُغلق أكثر من 1100 مركز اقتراع في تكساس وأريزونا ولويزيانا وغيرها، حسب «مؤتمر القيادة للحقوق المدنية وحقوق الإنسان».

وازدادت الخلافات بشأن تمويل خدمة البريد الأمريكية التي حذرت من أنها ستواجه صعوبات في معالجة العدد القياسي من الأصوات المرسلة عبر البريد. وقد تصعب العديد من التحديات القانونية مهمة فرز الأصوات في وقتها وتدريب المتطوعين، ما يسهل رفض الأصوات واعتبارها باطلة.
ونظراً إلى أن العاملين في الانتخابات هم عادة من المتطوعين المسنين، يتوقع أن يلتزم كثير منهم منازلهم؛ جرّاء المخاوف المرتبطة بكورونا، ما يعني أن الولايات تعمل جاهدة لتدريب ما يكفي من الكوادر على تنظيم الانتخابات. وأطلقت ولاية جورجيا تحقيقاً؛ بعد تسجيل نحو ألف حالة تصويت مزدوج في الانتخابات التمهيدية في يونيو/حزيران، والدورة التكميلية التي جرت في أغسطس/آب.

وبدا السيناريو مطابقاً لما روج إليه «ترامب» نفسه هذا الشهر في كارولاينا الشمالية؛ حيث دعا أنصاره للتصويت أول مرة عبر البريد وتكرار التصويت في مركز الاقتراع؛ «للتأكد من احتساب» أصواتهم؛ لكنه اضطر إلى التراجع عن تصريحه هذا بعد موجة غضب؛ لأن القانون يعاقب من يصوت مرتين بالغرامة والسجن خمس سنوات.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك تدابير وقائية فرضت في العديد من المناطق؛ لمنع تزوير الانتخابات، وبينما يتسبب الوباء في ازدياد عمليات التصويت عبر البريد، فإن التأخير المحتمل في تثبيت نتائج الولايات سيكون مدعاة قلق كما حذر ترامب. ولا يزال الناخبون يذكرون كارثة فلوريدا عام 2000 عندما أوقفت المحكمة العليا عملية إعادة فرز للأصوات خيمت عليها الفوضى في ظل تقارب النتائج، ما أدى إلى فوز جورج بوش الابن.

وقد بدأ الرئيس ترامب عهده باتباع سياسة التمكين للسيطرة على مفاصل الحكم واختراق نظام الدولة العميقة وتعيين المسؤولين الكبار في المؤسسات الرسمية وتهميش المؤسسات التي تعارض سياساته. وقد ركز ترامب على النظام القضائي؛ حيث عين 200 قاض جديد منذ توليه الحكم يؤيدون حزبه الجمهوري وسياسته ضد المهاجرين، كما نجح في تعيين قاضيين في المحكمة العليا ورشح قاضية ثالثة كاثوليكية متدينة لتخلف رئيسة المحكمة التي توفيت مؤخراً حتى يكون أغلب أعضاء المحكمة لمصلحته، ولهذا سمعنا المرشح الديمقراطي بايدن يعلق على كلام ترامب عن تمسكه بالحكم أن الجيش الأمريكي قد يتدخل لتنحيته. وأضاف: حان الوقت لإنهاء موسم الظلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى