أقلام وأراء

حافظ البرغوثي يكتب –  حجر في المياه غير الراكدة أصلاً ..!

حافظ البرغوثي – 27/8/2021

تجتاح الحيرة والتساؤل المراقبين عن مآلات الحالة الأفغانية بعد الخروج الأمريكي من تلك البلاد وبعد عقدين من الحرب وما سقط على جوانبها من جنود التحالف الدولي وأغلبهم أمريكيون وقرابة ربع مليون أفغاني عدا المئات من المليارات التي صرفت من دون جدوى. 

ولعل تأثير الحالة الأفغانية على الساحة الإقليمية لم يتضح بعد بسبب أن التطورات في تلك البلاد لم تحسم بالمطلق لصالح حركة «طالبان»، فثمة قوى ما زالت على الأرض ربما ستتصارع مع «طالبان»، منها ما هو على حدود دول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وطاجيكستان اللتين لهما أقليات وميليشيات في تلك المنطقة وكذلك قرب الحدود مع إيران؛ حيث يتمركز الهزارة. لكن الأبعاد الأخرى خارجياً تؤثر في الجوار مثل باكستان وكذلك فإن تنظيم «القاعدة» الذي بقيت فلوله في أفغانستان- حسب المتابعين للشأن الأفغاني- قد يدعم الخروج الأمريكي انتشاره على الرغم من النفي الرسمي ل«طالبان» لوجوده؛ حيث أعلن المتحدث باسم المكتب السياسي ل«طالبان»، محمد نعيم، أن تنظيم «القاعدة» غير موجود في أفغانستان وليست للحركة علاقة به.

وأشار نعيم إلى أن اتفاق السلام بين «طالبان» والولايات المتحدة، الذي كان أحد مخرجات المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة، نص على عدم السماح لأي جهة متطرفة باستخدام أراضي أفغانستان.

وأكد المتحدث باسم الجناح السياسي ل«طالبان»، أن «الحركة لن تسمح لأي فرد أو جماعة بدخول أراضينا لممارسة أنشطة عسكرية»

لكن التطمينات تبقى مجرد تطمينات ، لأن هذه التنظيمات قد تجد دعماً معنوياً في الانسحاب الأمريكي، فحركة «طالبان» تم دعمها في البدء للوصول إلى الحكم ضد أمراء الحرب في أفغانستان بعد انسحاب السوفييت. وقد يفهم الإيرانيون ذلك كرسالة مفادها بأن الخروج الأمريكي المزمع تنفيذه لاحقاً من سوريا والعراق سيتيح لإيران البقاء دون إزعاج في العراق وسوريا واستثمار الأزمة اللبنانية أيضاً لتغليظ شوكتها في الهلال الخصيب وفي اليمن.

إدارة بايدن التي تراجعت شعبيتها بعد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وتعرضت لانتقادات داخلية شديدة على أعتاب التجديد النصفي للكونجرس تبدو وكأنها ستنسحب تدريجياً من سدة الحكم في عقر دارها. فالمتحفز دونالد ترامب، الذي وجد في المآل الأفغاني هديه انتخابية باعتبار أنه هو الآخر من دعاة الانسحاب من أفغانستان، لكن طريقة الانسحاب كانت كارثة على الرئيس بايدن، وهو يستثمرها حالياً بشكل جيد لصالحه. وعلى المستوى الدولي وجدنا أوروبا تنتقد الخطوة الأمريكية وتحمل إدارة بايدن الإخراج السيئ للانسحاب الذي بدا وكأنه هزيمة كبرى.

على المستوى العربي تبدو العراق وسوريا الأكثر تأثراً بالانسحاب الأمريكي لأنه سيمهد الوضع لإيران فيهما، لكن الإسرائيليين عملوا فوراً على استثمار اللحظة وتحدثوا عن أنهم سيتكفلون بمواجهة إيران وحدهم، وسارع رئيس الوزراء نفتالي بينيت، إلى واشنطن ليعيد وضع الموضوع النووي الإيراني على رأس أولويات واشنطن إضافة إلى التواجد الإيراني في سوريا والعراق ولبنان.

لكن بعض المحللين الإسرائيليين، حذروا من أن الخروج الأمريكي من أفغانستان، وبعد عشرين سنة، توضح لهم أن على إسرائيل أن تغير من أسلوبها في الأراضي الفلسطينية وتستفيد من تجربة ما حدث في أفغانستان. المحصلة في رأيي أن الحدث الأفغاني سيؤدي لاحقاً إلى تمهيد الأرض لترامب لخوض الانتخابات المقبلة بقوة كما أن الحدث الأفغاني، قد يؤدي إلى إضعاف حكومة نفتالي بينيت، وربما إلى انهيارها، وبدأ نتنياهو مبكراً بمغازلة حليفه السابق جانتس لتشكيل حكومة. وعلى المستوى الفلسطيني يبدو أن الوضع الأمريكي الجديد وكذلك الدولي سيترك الوضع الفلسطيني على ما هو عليه مع بعض الرتوش الاقتصادية المحفزة لإدارة الأزمة وليس حلها، فليس هناك استعداد دولي لفتح الملف الفلسطيني على المدى المنظور.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى