حافظ البرغوثي يكتب – الكاظمي وسط الألغام
حافظ البرغوثي *- 11/9/2020
في جولاته الخارجية أراد الكاظمي تسويق مشروع حيادية العراق في الصراعات الجارية في المنطقة والتفرغ للشؤون الداخلية الملحّة
تسير حكومة مصطفى الكاظمي وسط حقول الغام منذ تشكيلها، فمن جهة هناك الحرب ضد فلول «داعش»، ثم ملاحقة ميليشيات الاغتيال، ثم متابعة الحرب بين القوى المدعومة من إيران، والقوات الأمريكية في العراق. فالكاظمي ورث وضعاً معقداً داخلياً، ودولياً، إذ إن القوى الإقليمية والدولية أيضاً، لها مصالح متباينة في العراق، وكل يعزف على وتر مصالحه، مثل الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وإيران، وتركيا. وفي جولاته الخارجية أراد الكاظمي تسويق مشروع حيادية العراق في الصراعات الجارية في المنطقة، والتفرغ للشؤون الداخلية الملحّة، من النواحي الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية. لكن العقبة الكأداء أمام الكاظمي ما زالت الميليشيات الحزبية، وعمليات الاغتيال التي دخلت مرحلة جديدة باغتيال الأكاديميين، ونشطاء سلميين، يطالبون بتوفير الماء، والكهرباء، وإقامة مجتمع مدني.
ولعل أسلوب الاغتيالات لازم المشهد العراقي منذ غزو العراق سنة 2003 بطريقة مبرمجة من قبل أجهزة مخابرات دولية، فكل دولة كانت لها أهدافها في التصفيات وفقاً لمصالحها.
بدأت خطة الولايات المتحدة الأمريكية لتصفية علماء العراق بعد الاحتلال مباشرة، وهذه الخطة اعتمدت على ثلاثة خيارات، الأول هو الخيار الألماني، ويتمثل في محاولة دفع علماء العراق إلى إفشاء المعلومات إلى الجهات الغربية، فقد صادق مجلس الشيوخ الأمريكي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 على قانون يقضى ب«منح العلماء العراقيين الذين يوافقون على إفشاء معلومات مهمة عن برامج بلادهم التسليحية بطاقة الهجرة الأمريكية الخضراء، ووعدهم بآفاق بديلة أكثر إشراقاً»، ثم كان القرار الأممي 1441 الذي أصرت واشنطن على تضمينه بنداً يقضي باستجواب العلماء العراقيين. ويتمثل الخيار الثاني في تصفية العلماء، أو ما يسمى الخيار السلفادوري، وهو ينسب إلى مجزرة السلفادور التي أشرفت عليها « سي آي إيه»، في أمريكا اللاتينية، وقامت خلالها بتصفية العلماء، فقد كانت القوات الأمريكية في بداية غزوها للعراق تحمل قوائم بأسماء العلماء العراقيين الذين وردت أسماؤهم في قوائم مفتشي الأسلحة الدوليين، وعناوينهم، والأبحاث التي يعملون عليها، ثم يتم اعتقالهم، أو قتلهم. أما الخيار الثالث فيتمثل في الاستهداف المباشر، وغير المباشر، ويقوم على فلسفة المزاوجة بين الخيارين «الألماني»، أي احتواء العلماء وإعادة توظيفهم خدمة للمصلحة الأمريكية، والخيار «السلفادوري» القائم على تصفية من يرفض الإغراءات الأمريكية. إذ إنه بعد فشل الولايات المتحدة في إقناع علماء الذرة والبيولوجي العراقيين للتعاون معها، والعمل في خدمتها، تحركت عناصر مخابراتية لتصفية هؤلاء. ويكشف تقرير صدر عن مركز المعلومات الأمريكي (2005) أن أجهزة مخابرات تابعة لأمريكا قامت باغتيال 530 عالماً عراقياً، وأكثر من 200 أستاذ جامعي، وشخصيات أكاديمية، ما بين 2003 و 2006. وتشير معلومات إلى أنه تم تجنيد 2400 وحدة نخبة سرية تتضمن أكثر من 200 عنصر مؤهل من قوات البيشمركة من أجل الإجهاز على العلماء، وتصفيتهم.
من جهة أخرى، وفي وثيقة سرية سربت من ويكيليكس، ثبت أن حكومة المالكي لعبت دوراً كبيراً في عمليات اغتيال علماء العراق، حيث أكدت الوثيقة أن هذه الحكومة زودت المخابرات الأجنبية، وإيران، بمعلومات ساهمت في تصفية المئات من العلماء النوويين، والطيارين العراقيين، وركزت المخابرات الإيرانية على اغتيال طيارين وضباط شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية. فالهدف لكل الدول هو استئصال النخبة من العلماء والباحثين والأكاديميين العراقيين. ثم وصل الأمر إلى رموز الحراك المطالب بالتغيير، وإنهاء المحاصصة الطائفية في الحكم. وحالياً رفعت الميليشيات المدعومة من ايران وتيرة عملياتها بقصف مواقع أمريكية، وأخرى تابعة للأمم المتحدة بعد إعلان واشنطن اعتزامها سحب قواتها من العراق، كذلك فإن هدف العمليات التي طالت مواقع للجيش العراقي هو منع تنفيذ البرامج الإصلاحية للكاظمي.
* كاتب ومحلل سياسي فلسطيني