أقلام وأراء

حافظ البرغوثي يكتب – الفيروس ينتشر .. والطب عاجز

حافظ البرغوثي – 22/10/2020

يبدو أن العالم يتجه نحو الإخفاق في مواجهة جائحة فيروس كورونا، حيث إن الموجة الجديدة التي تجتاح مختلف البلدان تستعصي على الخمود، رغم ما قيل عن وجود علاجات شافية أو لقاحات في طور التجريب في كثير من البلدان. فما قيل عن نجاعة بعض العلاجات للشفاء من الفيروس، يثبت لاحقاً أنه غير دقيق، كما أن التجارب على أكثر من مئة لقاح مازال يلفها الغموض لعدم الجزم الطبي في نجاعتها، لأنها لم تجرب بالقدر الكافي لإعلان الانتصار على الفيروس، بل إن العلماء يقفون عاجزين عن فهم آلية عمل الفيروس وطرق انتقاله، حتى الآن، رغم مرور قرابة سنة على انتشاره. والدول الأكثر تضرراً من الفيروس مازالت هي نفسها منذ البدء، إذا استثنينا الصين التي نجحت بسطوة فرض النظام والانضباط وفرض الإجراءات الوقائية بصرامة في وقف زحف الفيروس. فمازالت الولايات المتحدة والهند والبرازيل ودول مثل الأرجنتين والمكسيك وأغلب الدول الأوروبية تتصدر قائمة الموت، وتبين أن التدخلات السياسية للحكومات والزعماء لعبت دوراً في دعم انتشار الفيروس، وسقطت أغلب الحكومات في امتحان المواجهة. فكيف يعقل أن يصاب الرئيس ترامب، عدو الكمامات والإغلاق، بالفيروس في يوم خميس ويشفى يوم الأحد، ويصاب ابنه الأصغر يوم الأربعاء ويشفى الخميس. وأن يفاخر بعض القادة بالقضاء على الفيروس ويمتدحون أنفسهم في مواجهة الجائحة، بينما الأرقام اليومية عن الوفيات والإصابات تكذب ادعاءاتهم ذات الهدف السياسي، ويشتبكون سراً وعلانية مع الخبراء الذين ينفون ادعاءات السياسيين.

عندما وقعت جائحة «سارس» انتظمت الدول لإيجاد علاج له ونجحت، وفي حالة فيروس «إيبولا» نجح العالم في وأده، لكن في تلك المرحلة لم يكن هناك سياسيون انتهازيون يحاولون الظهور بمظهر الأقوياء في مواجهة الفيروس. فنحن أمام جائحة مركبة محيرة، لا لقاح يمنع الإصابة بها ثانية، ولا علاج شافياً منها. وكلما بدد الخبراء نظرية المؤامرة في اختلاق ونشر الفيروس، زاد تكثيف موجات الانتشار من الاعتقاد بوجودها، فالموجة الحالية التي تجتاح أغلب البلدان هي الأشد منذ البداية، فقد سُجّلت أكثر من 400 ألف إصابة جديدة بفيروس كورونا في أنحاء العالم في يوم واحد فقط وهو رقم قياسي.

وبانتظار نتائج التجارب على اللقاحات التي مازالت في طور أولي، وثبت أن بعضها مخيب للآمال، فإن الوقاية تبقى أهم دواء ضد الفيروس..

تعايش العالم قديماً مع الطاعون، وتحدث الكاتب الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو، في روايته «ديكاميرون» عن كيفية التعامل مع الطاعون الأسود الذي أباد ثلث سكان أوروبا، مشيراً إلى أنه على الرغم من ظهور وسائل كعزل المصابين والحجر الصحي، حاول سكان عدد من المدن التأقلم مع الوباء، وتكيف الأهالي مع المرض، حيث كانت مشاهد الموت عادية للجميع، وعوملت الجثث البشرية كجثث حيوانية، واستخدمت طرق كالحفر الجماعية والحرق للتخلص منها، فضلاً عن ذلك، رفض كثيرون المرض وتهديده، فلجأوا لعيش حياة عادية وأقاموا الحفلات وصنفوا الطاعون كأضحوكة، وهو ما يحدث حالياً من استهتار بالفيروس.

وكان الطاعون قد تفشى في فلسطين وجوارها في سنة 1838، وقد ترك الأمريكي إدوارد روبنسون الذي كان يجمع في تلك الفترة مواد ضمن دراساته عن الكتاب المقدس، وصفاً دقيقاً عما حصل آنذاك، ووجد روبنسون حراس الحجر الصحي متمركزين في لفتا، وهي قرية فلسطينية تقع غرب القدس، وكذلك خارج صيدا وبيروت. وسرعان ما وقع تفعيل الإغلاق التام بعد يوم واحد من إشعار السكان، وأغلقت القدس في صيف سنة 1838، حسب ما ذكر روبنسون. يرسم روبنسون صورة حية لمدينة «كانت جميع الأعمال التجارية فيها في حالة توقف تام»، حيث «غادرها التجار وفضّل العديد من السكان تركها والعيش في الحقول أو التجول بين القرى».

كانت الأسواق مقفلة عند بوابات دمشق ويافا، ومحاطة بطبقتين من الأسوار. وكان الناس الذين بقوا في القدس يتجمعون في الداخل لشراء الطعام، بينما يجهّز المزارعون الفلسطينيون المحليّون محاصيلهم ويعرضونها في الخارج، وبين الأسوار كان المسؤولون ينقلون البضائع ثم يتسلمون النقود وذلك بعد أن يتم «نقعها في الماء أو الخل» للتطهير.. كان ذلك التباعد الاجتماعي على طراز القرن التاسع عشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى