حافظ البرغوثي يكتب – الأزمة المالية تهدد السلطة الفلسطينية
حافظ البرغوثي 16/7/2021
تفاقمت الأزمة المالية الفلسطينية في ظل توقف المساعدات الخارجية وتناقص الجباية الضريبية الداخلية واستمرار السلطات الإسرائيلية في قضم مستحقات المقاصة الفلسطينية . وتأمل السلطة في قيام الولايات المتحدة بوضع حد لقضم المستحقات من قبل سلطات الاحتلال والتي لا تخضع للتدقيق المحايد، وتشمل أرقاماً فلكية تثقل كاهل السلطة مالياً في وقت تجاوز فيه الاقتراض من البنوك سقفه الأعلى ولم يعد ممكناً الركون إليه حالياً.
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني أبرز أرقاماً تهدد بانهيار السلطة الشهر الماضي، لكن الحكومة الإسرائيلية أضافت إليها أنها بصدد اقتطاع ما يوازي مخصصات الأسرى والشهداء البالغة 15 مليون دولار شهرياً ابتداء من الشهر المقبل عن العام الماضي حيث أوقفت حكومة نتنياهو الاقتطاع خشية اندلاع ردات فعل عنيفة ضد الاحتلال في الضفة الغربية. إلا أن حكومة بينيت أقرت الأسبوع الماضي استئناف الاقتطاع بأثر رجعي ما يهدد بانهيار السلطة . وقد التقى مسؤولون فلسطينيون بالمبعوث الأمريكي هادي عمر لبحث الأمر، ويعول عليه لوقف استنزاف إسرائيل للأموال الفلسطينية دون رقيب أو حسيب ضمن ما يصفه الفلسطينيون بأنه اختلاس لأموالهم، حيث تقتطع إسرائيل المخالفات المرورية على الطرق الخارجية للسائقين وتعويضات يطالب بها عملاء وجواسيس حكمت بها محاكم إسرائيلية لهم بحجة أنهم تعرضوا للتعذيب في سجون السلطة قبل هربهم إلى إسرائيل، كما تنفذ إسرائيل أي حكم تجاري ضد تجار فلسطينيين، وتقتطع ما تحكم به دون الرجوع للسلطة، وحتى الأعمال ضد المستوطنين تعرض على المحاكم الإسرائيلية وتخصم السلطات الإسرائيلية تعويضات لهم من المقاصة. وقد تناقصت إيرادات السلطة بشكل كبير نظراً لعدم وجود مقاصة على واردات غزة، فضلاً عن أن إسرائيل تقتطع من السلطة أثمان الكهرباء التي تزود بها غزة، بينما تقوم سلطة حماس بجباية فواتير الاستهلاك لحسابها .
وتبلغ إيرادات السلطة حالياً 200 مليون دولار من الضفة فقط، يتم توزيعها بين الضفة وغزة للتربية والتعليم والصحة ورواتب موظفي السلطة في غزة . وتحتاج السلطة شهرياً إلى 200 مليون دولار إضافية لتلبية احتياجاتها في غياب أي دعم عربي أو خارجي، حيث تراجع الدعم الأوروبي بنسبة كبيرة ولم يعد يتعدى عشرات الملايين سنوياً، في حين بلغ الدعم الخارجي ملياري دولار قبل عقد من الزمن..
وبلغة الأرقام، تشير البيانات إلى هبوط إيرادات السلطة الفلسطينية بنسبة 70%، حيث كانت تحقق إيرادات مالية بأكثر من 300 مليون دولار. وشهدت المساعدات الخارجية هبوطاً حاداً بنسبة 80 في المئة.
وانعكس ذلك في قدرة السلطة الفلسطينية على تمويل نفقاتها، حيث لجأت إلى عملية الاقتراض المركبة (البنوك والدول الخارجية)، ما أدى لارتفاع حجم الدين لصالح المصارف المحلية ملياري دولار، ويشكل الدين الحكومي أكثر من 22% من التسهيلات الائتمانية، وهذا يعتبر تركزاً ائتمانياً غير مرحب به في حالة كهذه، كما يشكل خطورة على سلامة القطاع المصرفي .
وقد بحث وزير المالية الفلسطيني مع المبعوث الأمريكي مسألة اقتطاع مخصصات عائلات الأسرى والشهداء، وطالب بوقف استنزاف الأموال الفلسطينية بتدقيق حسابات محايد وتخفيض نسبة إسرائيل على جبايتها من 3 في المئة إلى واحد في المئة ، وتطالب السلطة أيضاً بنقل الواردات الفلسطينية مباشرة إلى أراضيها دون إخضاعها للجمارك الإسرائيلية. وكانت السلطة في العام الماضي واجهت أزمة حادة عندما بدأت تدفع أنصاف الرواتب لموظفيها في غزة والضفة على مدى ستة أشهر عندما أوقفت التنسيق مع إسرائيل، وحالياً تصر السلطة على إعطاء الأولوية لرواتب الشهداء والأسرى قبل غيرهم وهو ما ترفضه إسرائيل.
عملياً تحفظت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على اقتطاع أموال السلطة لأن انهيار السلطة مالياً سيخلق ارتدادات عنيفة أشد وطأة على الاحتلال من صواريخ غزة لكن القرار لم ينفذ. ومن المستبعد أن يتمكن المبعوث الأمريكي من معالجة هذا المأزق، لأن اقتطاع مخصصات الأسرى والشهداء هو في الأصل قرار أمريكي أقرّه الكونجرس في عهد باراك أوباما ولم تنفذه إسرائيل إلا قبل سنتين أو أكثر بقليل.