أقلام وأراء

حافظ البرغوثي – “كوبرجراد” تتحدى الاحتلال

حافظ البرغوثي 21/12/2018

يجلس مجموعة من الرجال أمام منزل عمر البرغوثي «أبو عاصف» في كوبر الواقعة غرب بير زيت يدلون بإفادتهم أمام الصليب الأحمر حول الأحداث التي مرت بالقرية منذ الاغتيال الغامض لابنهم صالح، المتهم بتنفيذ عملية عسكرية ضد الاحتلال على طريق شرقي رام الله أسفرت عن جرح سبعة جنود ومستوطنين، وبين الحضور مقبل شقيق مروان البرغوثي، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح فخري ابن عم عمر الذي أمضى 34 سنة في السجون مع ابن عمه الأصغر نائل الذي ما زال في السجن منذ 38 سنة. وبينما كان الصغار يخلون شقة الشهيد صالح تحسباً لهدمها، كان خلدون وهو أحد أقرباء الشهيد يروي كيف أن قوات الاحتلال اعتقلته مع أبو عاصف وابنه عاصف وعشرة آخرين أحدهم ضابط مخابرات في السلطة الفلسطينية وأطلقوا النار على ساقه رغم إصابته بالسكري فتم قطع ساقه لاحقاً في المستشفى. خلدون الذي أفرج عنه يقول: إن ضابطاً ممن اعتقلوه أكد له أن صالح قتل، مع أن شهود عيان أكدوا أنه لم يعثر في السيارة التي كان يقودها على أية دماء رغم إصابة زجاجها الخلفي بالرصاص في الكمين الذي نصب له قرب سردا على مشارف رام الله، وشوهد ينزل من السيارة على قدميه واعتقل حياً. فهل تمت تصفيته لاحقاً أم ما زال حياً!. وفي ليلة تالية بعد وقوع عملية دامية ثانية داهم الاحتلال القرية واعتقل خمسة آخرين من الشبان ما زالوا مع أبو عاصف وابنه قيد الاعتقال.

 أهالي القرية ما زالوا يشكّون في إعدام متعمد لابنهم بعد اعتقاله. واتهمت أنباء «إسرائيلية» الأسير المحرر جاسر والمبعد إلى غزة بأنه العقل المدبر للعمليات من غزة وهو أيضاً خال الشهيد صالح، وكان أمضى 16 سنة في السجن لدوره في خلية كوبر- سلواد التي نشطت في مطلع الانتفاضة الثانية واتهمت بقتل 9 جنود ومستوطن وجرح آخرين، وعلى إثرها قام الاحتلال بنسف سبعة منازل في كوبر لأعضاء الخلية وما زالت سلطات الاحتلال تطارد عاصم الابن الآخر لأبي عاصف.

اشتهرت كوبر بكونها موئل الحزب الشيوعي الأردني قبل الاحتلال، حيث انضم مثقفوها إلى الحزب الماركسي وكانت تلقب ب «كوبرجراد»، وظل الأمر كذلك حتى منتصف السبعينات حيث أقام الشيوعيون الفلسطينيون علاقات مع قادة الحزب الشيوعي «الإسرائيلي» وظلوا يمارسون النشاط السياسي تحت الاحتلال، وكان أبرزهم عادل البرغوثي وسليمان النجاب ابن قرية جيبيا الملاصقة لكوبر وأصبح عضواً في اللجنة التنفيذية في المنظمة حتى وفاته، إضافة إلى الأمين العام للحزب بشير البرغوثي ابن دير غسانة إلى الشمال الغربي من كوبر الذي زامل «أبو عمار» في الجامعة بالقاهرة وصار وزيراً في حكومة «أبو عمار» حتى وفاته.

في منتصف السبعينات مع تشكيل الجبهة الوطنية الفلسطينية بين القوى الفلسطينية المختلفة الموالية لمنظمة التحرير وتغيير سلوك الحزب الشيوعي إلى العمل العسكري تم اعتقال قادة ونشطاء الحزب الشيوعي مع قادة القوى الأخرى. وحدث تطور في التوجه السياسي في القرية عندما انضم الطالب مروان البرغوثي إلى «فتح» في جامعة بير زيت وتزعّم «شبيبة فتح»، وأدى ذلك إلى انتعاش حركة فتح بين الشباب ومنهم أقاربه في كوبر. ومع اندلاع الانتفاضة الأولى ثم الثانية انتقل نشطاء من «فتح» إلى حركة «حماس» في القرية لإيمانهم بضرورة استمرار المقاومة مهما كانت الاتفاقات، وكان أبو عاصف منهم وكذلك أخوه نائل في السجن. فالقرية متفقة فيما بينها على المقاومة رغم الاختلاف في الانتماء التنظيمي، حيث استشهد منها خمسة وسجن العشرات منهم عمر العبد الذي تسلل إلى مستوطنة غرب كوبر وطعن ثلاثة مستوطنين ما أدى إلى وفاتهم، وتم جرحه واعتقاله العام الماضي. وأغلب المعتقلين تلقوا أحكاماً مؤبدة. لكن ميزان الربح والخسارة في صالح كوبر في مواجهة الاحتلال إذ إنها متهمة بقتل عشرات «الإسرائيليين». وقد تدخل مروان البرغوثي في الأمر قبل أيام بدعوة وجهها من سجنه بضرورة التوحد ورصّ الصفوف في مواجهة الاحتلال.

الأوضاع في الضفة ككل يسودها التوتر، والإجراءات «الإسرائيلية» التي اتخذها الاحتلال من شأنها زيادة التوتر والدفع باتجاه عمليات جديدة وهي إجراءات جاءت لإرضاء اليمين الاستيطاني الذي انفلت إلى الشوارع ليعتدي على الفلسطينيين ويغلق الطرق. وفي هذا السياق نشطت الوساطة المصرية مجدداً ولكن بين السلطة والاحتلال هذه المرة لمنع تدهور الوضع، كما التقى مسؤول فلسطيني برئيس المخابرات «الإسرائيلية» لنقل رسائل من بينها أن سياسة هدم المنازل وترحيل أهالي المقاومين ستخلق وضعاً غير مقبول بينما يدلي السياسيون «الإسرائيليون» بتصريحات وتهديدات فحواها أنهم ليسوا بصدد أية حلول سلمية وأن رأس «أبو مازن» بات مطلوباً وأنهم ماضون في الاستيطان في أية بقعة وسيواصلون اقتحام المدن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى