ترجمات أجنبية

جيوبوليتيكال فيوتشرز – إيران : الاستعداد للأسوأ

جيوبوليتيكال فيوتشرز 31/7/2018

المشكلة بالنسبة لروحاني هي أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني دمر خطته كلها. ومع وقوع الاقتصاد الإيراني مسبقاً في مستنقع الفوضى، ومع عودة العقوبات الأميركية في آب (أغسطس)، من غير الواضح كيف يستطيع الرئيس أن يضع خطة جديدة. وما تزال إيران تحتفظ الآن بنحو 90 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي. وعلى الرغم من أن هذه الاحتياطيات قد تشتري للحكومة بعض الوقت، فإنها لن تشتري لها الكثير منه في واقع الأمر.

*   *   *

يوم 31 تموز (يوليو)، كتب قائد الحرس الثوري الإسلامي، محمد علي جعفري، رسالة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، والتي نشرتها فيما بعد وكالة “تسنيم” للأنباء، وهي شركة خاصة لها علاقات قوية مع الحرس الثوري الإيراني. وفي الرسالة، وجه جعفري انتقادات إلى روحاني لأنه عمل في الحملة الانتخابية -وفي محاربة خصومه السياسيين- بجدية أكبر مما يحاول أن يفعل في إطار حل المشاكل الاقتصادية في البلاد، والتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. وقد أصبح التضخم يخرج على نطاق السيطرة. وفي حين شجع جعفري الرئيس روحاني على اتخاذ “إجراء ثوري” لم يحدده للحد من ارتفاع الأسعار، فقد شدد على وجوب أن تنضم إيران كلها معاً في جهد لتقديم الإغاثة والعون للشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع.

تشكل هذه الرسالة الإشارة الأكثر شؤماً في ما كان أياماً أخيرة صعبة على إيران. فقد انخفض سعر صرف الريال الإيراني مقابل الدولار في السوق السوداء إلى 122.000، في حين انخفض سعر الصرف الرسمي إلى 44.000. وأصبح سعر الصرف في السوق السوداء الآن أكثر من ضعف ما كان عليه في نيسان (أبريل)، عندما بدا لأول مرة أن انخفاض سعر الريال -والاحتجاجات التي نجمت عنه- قد تشكل تهديداً فعلياً لحكومة روحاني. وفي يوم الاثنين، 30 تموز (يوليو)، أصدر محافظ البنك المركزي الإيراني الجديد بياناً قال فيه إن البنك سوف يُقرّ إجراءات استثنائية في الأيام المقبلة. ومع ذلك، تستمر قيمة الريال الإيراني في الانخفاض، وتُظهر المشاركات على وسائل الإعلام الاجتماعية احتجاجات شرعت في الظهور في جميع أنحاء البلاد مرة أخرى.

ليس سراً أن إدارة روحاني والحرس الثوري الإيراني كثيراً ما يكونان على خلاف مع بعضهما بعضا. وكانت لدى روحاني نفسه خطة لتقويض نفوذ الحرس الثوري الإيراني: حيث أراد استخدام الأموال التي استردتها الصفقة النووية الإيرانية لتحسين الاقتصاد، وبالتالي استعادة بعض القوة من الحرس الثوري الإيراني الذي يُعتقد أنه يسيطر على ما يصل إلى 60 % من الاقتصاد الإيراني. وفي الحقيقة، كان روحاني يحاول بالفعل تغيير الوضع القائم، حتى أنه ذهب إلى حد إلقاء القبض على بعض أعضاء الحرس الثوري الإيراني وإجبار الشركات التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني على نقل الملكية إلى الدولة التي ستقوم بخصخصتها في نهاية المطاف. وقد حظي روحاني بالكثير من الدعم في هذا الصدد -وليس من الفصيل الإصلاحي الذي يتزعمه فحسب، وإنما من القائد الأعلى نفسه.

لكن المشكلة بالنسبة لروحاني هي أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني دمر خطته كلها. ومع وقوع الاقتصاد الإيراني مسبقاً في مستنقع الفوضى، ومع عودة العقوبات الأميركية في آب (أغسطس)، من غير الواضح كيف يستطيع الرئيس أن يضع خطة جديدة. وما تزال إيران تحتفظ الآن بنحو 90 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي. وعلى الرغم من أن هذه الاحتياطيات قد تشتري للحكومة بعض الوقت، فإنها لن تشتري لها الكثير منه في واقع الأمر. وقد حاولت الحكومة بالفعل تحديد قيمة الريال في نيسان (أبريل)، لكن هذه السياسة فشلت بسرعة، مما أجبر طهران على التخلي عنها في حزيران (يونيو). كما جربت الحكومة نهج كبش الفداء، بعد أن اعتقلت مؤخراً حوالي 60 شخصاً واتهمتهم “بالإخلال بالاقتصاد”، لكن احتجاز هؤلاء الأشخاص لم يقنع أحداً بأن الاقتصاد أصبح الآن في صحة جيدة.

أما بالنسبة للحرس الثوري الإيراني، فإنه ليس مهتماً بالإطاحة بروحاني من سُدة السلطة -ليس عن طريق انقلاب على الأقل. فشرعية الحرس الثوري الإيراني تبقى مستمدة من دوره كحامٍ للثورة، وسوف يؤدي قيامه بانقلاب إلى وضع هذه الشرعية في موضع الشك. ويبدو الحرس الثوري الإيراني مهتماً باحتواء النظام وممارسة السلطة في داخله أكثر مما يبدو معنياً بالإطاحة بالنظام نفسه. وقد لا تتطابق نظرته إلى الأمور تماماً مع رؤية روحاني في جميع الأمور المتعلقة بالدولة (للتوضيح، يعتقد الحرس الثوري الإيراني أن الاتفاق النووي كان محكوماً عليه بالفشل منذ البداية)، لكن إمكانية قيام ثورة شعبية، وعدم اليقين المحيط بهذا الشأن سيكونان أكثر ضرراً بمصالحه الأساسية من وجود رئيس لا يتفق معه.

لذلك، ليس من الواضح ما الذي كان يعنيه الجعفري بالضبط في رسالته عندما دعا إلى اتخاذ “إجراء ثوري”. لكن ما هو واضح هو أن الحرس الثوري الإيراني يعطي روحاني طولاً كافياً من الحبل ليشنق نفسه، بينما يرسل رسالة تفيد بأنه يقف مع الشعب الإيراني، على سبيل الاحتياط. وسيكون من شأن القيام بذلك أن يقلل من قوة روحاني ويوجه الغضب بعيداً عن الحرس الثوري الإيراني الذي أثارت طموحاته المكلفة في العراق وسورية ولبنان غضب المحتجين. وحتى لو كانت إدارة روحاني تضفي الاستقرار فعلياً على الوضع، يبقى أنه ليس لديها مسار واضح نحو تحقيق النجاح الاقتصادي، مما يزيد من احتمال فوز مرشح مؤيد للحرس الثوري الإيراني في الانتخابات المقبلة.

على عكس ما حدث في الماضي، ليس المحتجون مجرد طلاب هذه المرة. إنهم مواطنون عاديون أصبحوا يفقدون مدخراتهم بسرعة ويكافحون من أجل وضع الطعام على طاولاتهم. وحتى الآن، ما تزال أعدادهم صغيرة بحيث لا تشكل تهديداً الحكومة. ولكن، إذا استمرت قيمة الريال الإيراني في الانخفاض وظل التضخم في ارتفاع، فإن هذا قد لا يظل صحيحاً لفترة طويلة. ويبدو أن رسالة الحرس الثوري الإيراني تندرج في إطار الاستعداد لوضع قد تضطر فيه إيران إلى استدعاء الحرس الثوري الإيراني لتطهير الشوارع واستعادة النظام -الأمر الذي يتعين على الحرس الثوري الإسلامي أن يتجنبه.

من غير المرجح أن يحدث هذا، ولكن الوضع القائم الآن يجعل من حدوثه احتمالاً لا يمكن تجاهله. وكلما ازداد الوضع سوءاً بالنسبة لكل الإيرانيين، وكلما أصبح من الصعب على النخب الاقتصادية الإيرانية جني المال، أصبح من الأصعب توقع ما قد تذهب إليه الظروف على الأرض، بينما ارتفعت احتمالية أن يؤدي حدث واحد مفاجئ إلى اندلاع حركة احتجاج عفوية كبيرة بما يكفي لفرض قرارات صعبة للغاية على القيادة الإيرانية. ويُظهر قيام الحرس الثوري الإيراني بالتحوط في رهاناته مدى الجدية التي ينظر بها إلى المخاطر، مهما كانت بعيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى