جيمس ستافريديس يكتب – خمس خطوات على أميركا اتخاذها لاستعادة قيادتها للعالم

جيمس ستافريديس * – 7/12/2018
ونحن إذ نقترب من نهاية عام طويل معقد، وانتخابات عاصفة شهدت تغير السلطة في البيت الأبيض، يبدو أن الوقت قد بات مناسباً للتوقف والتأمل في التوجه نحو استراتيجية عالمية طويلة الأجل للولايات المتحدة.
نحن نعيش في عصر يقوم على نهج مرحلي إلى حد كبير، وكثيراً ما يمكن تصنيفه من خلال القول المأثور: «ويستمر المهرجان». يبدو أننا فقدنا القدرة الجمعية على التوقف والتفكير في المسار الذي تحتاجه أميركا.
الاستراتيجية أمر بسيط، إنها التنظيم المنطقي للغايات والطرق والوسائل؛ لكننا في أميركا اليوم نواجه صعوبة بالغة في التركيز على مجموعة واحدة من الغايات التي نرغب في الوصول إليها، والطرق، أي كيفية تحقيق تلك الغايات، والوسائل، أي كيفية دفع ثمن ذلك.
بعد قضاء وقت طويل في دراسة ووضع وتنفيذ الاستراتيجيات، بدأت أفهم أنه كلما كانت الاستراتيجية أبسط وأقصر كان ذلك أفضل.
أقدم إليكم فيما يلي نبذة عما ينبغي أن تتضمنه استراتيجيتنا العالمية، بينما نقترب من نهاية العقد الثاني من هذا القرن المضطرب.
يجب أن يتم فهم كافة الاستراتيجيات وتنفيذها في إطار سياق أننا إذا نظرنا إلى ملامح الوضع العالمي الذي تواجهه الولايات المتحدة، فسنجده مخيفاً وواعداً في الوقت ذاته. نرى على الجانب الخطير من المنحنى صعود الصين ذات التوجه القومي المتنامي، وروسيا كذلك، وقوى طرد مركزي تمزق وتباعد بين أهم شركائنا في أوروبا، وغياب التقدم في أكثر أنحاء أفريقيا وأميركا اللاتينية، إلى جانب شرق أوسط في حالة اضطراب شديد، وتدهور بائس للوضع البيئي على مستوى العالم، خاصة المحيطات، فضلاً عن زيادة المخاطر الأمنية في الفضاء الإلكتروني، والأوبئة المحتملة، وزيادة عدد الأنظمة الاستبدادية، وتصاعد النشاط الإجرامي الدولي من الاتجار بالبشر حتى تجارة السلاح والمخدرات.
مع ذلك، توازن تلك السلبيات أمور أخرى إيجابية، منها التطور المدهش في مجال التكنولوجيا الحيوية، والذكاء الاصطناعي، واستخدام الآلة في التعلم، وتحسن الإنتاج الزراعي، وصعود الهند كدولة ديمقراطية قوية، وزيادة انخراط المرأة في مجال العمل، وتوليها للأدوار القيادية، ومرونة الديمقراطية والمؤسسات؛ خاصة في الولايات المتحدة، وحسن استغلال ما يسمى القوة الذكية: المساعدات الإنسانية، والدبلوماسية الطبية، والتعليم، والتواصل الاستراتيجي، وما شابه.
تمثل هذه الصورة المختلطة نقطة انطلاق جيدة، لوضع مخطط لنهج شامل حقيقي للولايات المتحدة. هناك خمس نقاط أساسية، يظهر بعضها في استراتيجية الأمن القومي للعام الحالي، والتي شارك في وضع الجزء الأكبر منها ريموند ماكماستر، مستشار الأمن القومي المعزول حالياً.
أولاً، نحن بحاجة إلى تبني مقاربة دولية حقيقية لاستراتيجيتنا، فلا يمكن للولايات المتحدة الانسحاب ببساطة والانزواء وراء «جدران جميلة كبيرة». هناك بعض المنطق في شعار «أميركا أولاً»؛ لكن إذا قادنا إلى «أميركا فقط» فسيكون في هذه الحالة شعاراً غبياً. فلنستغل بشكل متسق أهم ميزة قومية نتمتع بها، وهي الشبكة المتسعة من الحلفاء والشركاء والأصدقاء، ونحن نقرر كيفية التعامل مع العالم. لقد جرّبنا العزلة في العشرينات والثلاثينات، فماذا كانت النتيجة؟ لقد شيّدنا جدراناً من خلال التعريفة الجمركية، وأحدثنا صدعاً في الاقتصاد العالمي، وتسببنا في حدوث الكساد الكبير، وانسحبنا من عصبة الأمم، فماذا كانت النتيجة؟ يمكن مدّ خط يصل تلك القرارات بصعود الفاشية والحرب العالمية الثانية؛ لكننا نستطيع القيام بما هو أفضل، فقط إذا ظللنا منخرطين في العالم.
ثانياً، يجب القيام بما هو أفضل فيما يتعلق بتوحيد هيئات وأجهزة الحكومة الأميركية، ودفع مجلس الوزراء نحو القرن الواحد والعشرين، فأجهزتنا وهيئاتنا ووزاراتنا لا تتعاون معاً. لدينا وزارة الزراعة ووزارة الداخلية، وهما مثاليتان بمعايير القرن التاسع عشر حين تم إنشاؤهما، ولا يزال لهما أهمية؛ لكن لا يوجد أحد على مستوى مجلس الوزراء يتطلع إلى أو يشرف على التكنولوجيا والفضاء الإلكتروني، اللذين يمثلان قلب الاقتصاد الأميركي وجوهره. ينبغي أن تسعى استراتيجية متكاملة متسقة نحو توحيد تلك الأجهزة والجهات الحكومية المختلفة، مع تقدير أهمية التعاون بين الحزبين. نحن نشتهر في واشنطن بالتأزم والتجمد السياسي أكثر مما نشتهر بفهم شبكتنا الكهربائية، ويجب أن يتغير ذلك.
النقطة الثالثة والأهم، هي ضرورة أن تشمل استراتيجيتنا القومية حقبة جديدة من التعاون بين القطاعين العام والخاص. إذا فكرت في قدرتنا القومية على التأثير على مجريات الأحداث، ينبغي عليك تصور جبل جليدي تمثل قمته الصغيرة ما يمكن للحكومة إنجازه، في حين يمثل الجزء الأكبر المختفي تحت سطح الماء، أي ربع إجمالي الناتج المحلي العالمي، القطاع الخاص. نستطيع تحقيق كثير من خلال الربط بين حكومتنا والقطاع العام الأميركي النشط، من حزام التكنولوجيا الحيوية المحيط ببوسطن حتى وادي السيليكون، والمنشآت الصناعية الابتكارية، في صناعة الدفاع لدينا.
ينبغي بعد ذلك إدراك الأهمية العميقة للقيم الأميركية، ويجب أن تكون كيفية التعبير عنها وتوصيلها جزءاً من استراتيجيتنا القومية. نحن نطبق الديمقراطية، والحرية، وحرية التعبير، وحرية العقيدة، والتعليم، والمساواة بين الجنسين وبين جميع الأعراق، بشكل غير كامل أو غير مثالي؛ لكنها تظل القيم الصحيحة. للأسف ثقتنا بتلك القيم أقل مما ينبغي، ونخسر ما حققناه أمام الاستبداد، والرأسمالية الشمولية، والحكم الديكتاتوري المحض. مفتاح تغيير ذلك هو قدرتنا على التركيز قومياً على التواصل الاستراتيجي، أو ما يطلق عليه البعض الدبلوماسية الشعبية.
إن القيم الأميركية صحيحة وقادرة على منافسة الأنظمة الأخرى؛ لكننا كثيراً ما نتنازل عن مساحة التواصل الثرية للإنترنت لآخرين. نحن لا نواجه «حرب الأفكار»؛ بل نواجه ما وصفه جون ستيوارت ميل بذكاء منذ أكثر من قرن بـ«سوق الأفكار». تستطيع قيمنا المنافسة؛ لكن لن يفلح ذلك إذا لم نظهر في أرض المعركة، وإذا كنا قد بلغنا من العجرفة ما يجعلنا نعتقد أنها قوية إلى درجة لا نحتاج معها إلى الترويج لها.
النقطة الخامسة والأخيرة، هي التقليل من شأن وأهمية قيمة التعليم في كثير من الأحوال في استراتيجيتنا. بعد عملي لمدة خمسة أعوام في التعليم العالي كعميد لكلية العلاقات الدولية، أفهم جيداً هذا المجال بكل ما فيه من تحديات وإحباطات. يمثل التعليم جوهر ما يجب علينا إنجازه، ومن بعض العناصر الاستراتيجية في هذا السياق: أمن الفضاء الإلكتروني عند كل مستوى، بداية من مرحلة ما قبل المدرسة؛ والعلاقات الدولية، وفهم كيفية اتصال أجزاء العالم معاً؛ ودراسة اللغات بداية بالإسبانية، ونحن في طريقنا نحو دولة ثنائية اللغة؛ والقدرة على التمييز بين الحقيقة والزيف على الإنترنت؛ وأساسيات علم الجينوم والثورة الحيوية التي نقبل عليها، وتقدير القيم التي تجعل من أميركا أمة عظيمة حقاً.
يمكن القول بإيجاز، إن هناك خمسة عناصر تمثل قلب ومحور استراتيجية أميركية تناسب القرن الحالي، وهي أن تكون: دولية، تحقق الترابط بين الأجهزة والهيئات، والتعاون بين القطاعين العام والخاص، والتواصل الاستراتيجي، والتعليم. هناك طبقات أكثر تعقيداً يمكن إضافتها؛ لكن توجد أمام نهج يبدأ بتلك العناصر الخمسة فرصة للنجاح. ومن شأن السعي وراء توفير تلك العناصر، أن يضعنا على الطريق نحو تحقيق غاياتنا وأهدافنا، وهي: عالم يعيش في سلام، ومزدهر يعمّه الرخاء، وديمقراطي، ولديه قواسم مشتركة راسخة.
أخيراً فيما يتعلق بالوسائل، أكثر ما ذكرته أعلاه في نطاق قدرة الموازنة القومية للبلاد. ينبغي علينا النظر في كيفية تخصيص الموارد؛ خاصة بين وزارة الدفاع والاستحقاقات القومية، فبينهما الجزء الأكبر من موازنة الولايات المتحدة، والتفكير في كيفية توفير موارد تساعد في تحقيق أهدافنا. تتطلب تلك الأمور في كل الأحوال نسبة مئوية ضئيلة جداً من الموازنة، مقارنة بكثير من الـ«متطلبات» في الموازنة الحالية.
لن يكون أي من ذلك سهلاً، أو يمر دون إثارة جدل؛ لكن دون وجود مثل تلك الاستراتيجية سيكون مصيرنا هو الفشل حتماً. وكما قال أوليفر ويندل هولمز: «يجب أن نبحر حتى نصل إلى الميناء. أحياناً نبحر في اتجاه الرياح، وأحياناً ضدها؛ لكن لا يجب أن ننحرف عن المسار أو نلقي المرساة».
دون استراتيجية كبرى، نحن ننحرف عن المسار، لذا فلنبحر ونحقق تقدماً.
– أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس – بالاتفاق مع «بلومبرغ» عن الشرق الارسط .