أقلام وأراء

جيروم سيغال يكتب – خيار آخر أمام الفلسطينيين بدل إدارة ترامب

بقلم جيروم سيغال – 10/1/2018
مضىت الآن عدة أسابيع على رد الرئيس محمود عباس على الإعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لاسرائيل، حيث أعلن أن الولايات المتحدة فقدت آهليتها للعب أي دور في العملية السياسية.
لا توجد أي إشارة بأن إدارة ترامب تم تحذيرها بشدة من هذا الرد، على الرغم من الأولوية القصوى التي يوليها الرئيس لـ”الصفقة الكبرى”. ومرد ذلك أن الإدارة الأميركية والكثير من المراقبين، يعتقدون بأن لا خيار آخر أمام الفلسطينيين. فالحكومة الإسرائيلية لن تشارك بأي عملية لا تقودها الولايات المتحدة ولهذا يعتقد ترامب بأنه بعد فترة من التهدئة سيتطلع الفلسطينيون ثانية الى الولايات المتحدة من أجل الحلول.
وقال الفلسطينيون بأنهم سيلجأون الى الأمم المتحدة من أجل التدخل بدلا من الولايات المتحدة، لكن يبدو ذلك على أنه محض نكته، مع الفيتو الأميركي في مجلس الأمن وعجز الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولهذا ربما يكون ترامب محقا. فهل هو كذلك؟
لكن هناك خيار واحد لم يحظ بما يكفي من الإهتمام، مع أنني أثرته مع الرئيس عباس في بداية 2015 وأقر بقوته. ومن المثير للإهتمام أنه تم تقديمه من قبل إسرائيلي، هو وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، شلومو بن عامي، والممثل السابق للسياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، إضافة الى الحائز على جائزة نوبل لنظرية الأمن الدولي، ثوماس سي. شيلينغ وأنا شخصيا. وظهر المقترح في صحيفة “نيويورك تايمز” تحت عنوان: “التوجه مباشرة الى الإسرائيليين والفلسطينيين” إلا انه حظي بالقليل من الاهتمام آنذاك. لكن الآن حان وقته.
والفكرة الرئيسية في ما أطلق عليه “خطة بن عامي – سولانا” تتمحور في ٤ نقاط تتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل. وعوضا عن ذلك التركيز على:
١- إعداد وثيقة مفصلة لمعاهدة إنهاء الصراع والتي يمكن أن تحظى بفرصة القبول من الغالبية في الطرفين. فالصراع هو بين شعبين ويجب التركيز عليهما، ولندعهما يضغطان على حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
٢- القيام بذلك من خلال الأمم المتحدة بطرق ما، لعكس صورة العملية التي أدت الى قرار التقسيم عام ١٩٤٧، إضافة الى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (الأنسكوب) الأصلية. والقصد هنا تشكيل (أنسكوب ٢). وكما حدث عام ١٩٤٧، لندعها تأتي الى المنطقة لعقد جلسات الإستماع وجمع الأفكار من المعنيين كي تعدّ بعدها اتفاق إنهاء الصراع. وإذا ما قاطعت الحكومة الإسرائيلية ذلك، فليكن. ففي عام ١٩٤٧ ارتكب الفلسطينيون خطأ فادحا عندما قاطعوا الإنسكوب الأصلية. وإذا ارتكبت اسرائيل خطأ هذه المرة فلن يكون ذلك في صالحها.
٣- وعندها تقوم الأمم المتحدة بتضمين المعاهدة المقترحة في قرار. لكن بخلاف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ١٨١، فإن المقترح قابل لخيار القبول أو الرفض. وفضلا عن ذلك، ستتوجه الأمم المتحدة الى منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل وتدعوهما للإجتماع في غضون ستة أشهر للتيقن فيما إذا كان بإمكانهما الإتفاق على أية تعديلات ثنائية مقبولة. وبعد ستة أشهر سيطلب من الطرفين تقديم تقاريرهما الى الأمم المتحدة، لتوضيح إذا ما كانا يرغبان بالتوقيع، أو يرغبان بدلا من ذلك في طرح الوثيقة المعدلة للإستفتاء، في حال سيقوم الطرف الآخر بنفس الشيء.
٤- وإذا طرحت الوثيقة بكل أمانة الحلول المقبولة على الغالبية لدى الطرفين، فيعتقد أن رغبة أي من الطرفين التوقيع أو طرحها على الإستفتاء، ستفرض ضغطا داخليا هائلا على الجانب الآخر للقيام بنفس الشيء. فعلى سبيل المثال، لو قالت منظمة التحرير الفلسطينية والشعب الفلسطيني “نعم،” لمعاهدة الإنهاء الكامل للصراع التي يرغب الشعب الإسرائيلي بقبولها، فأي حكومة تقف في وجه ذلك، ستكنس من الحكم. وبالطبع، إذا لم يكن أي من الشعبين على استعداد للقول “نعم”، عندها سيتم التوصل الى نهاية تاريخية، وستستبدل إدارة الصراع حل الصراع كهدف. ولربما قد تدعى حماس للإنضمام في هدنة طويلة الأجل.
يشار الى أن مقترح بن عامي – سولانا الأصلي ترك المجال مفتوحا فيما اذا كان ذلك سيتم من خلال مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة. والآن بعد أن رفعت إدارة ترامب يدها بـ”الفيتو”، فمن الواضح أن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي الآلية الوحيدة. وهذه بالطبع قد تكون فكرة مستحيلة بالنسبة للإسرائيليين، حيث ينظر في إسرائيل الى الجمعية العامة على أنها منحازة جدا الى الفلسطينيين. لكن هناك طريقة للتغلب على الشكوك الأولية للشعب الإسرائيلي بشأن أي شيء يأتي من الجمعية العامة، حيث أنها ذاتها تقاد من قبل أصدقاء واضحين لإسرائيل، طالما أنهم ملتزمين بسلام عادل استنادا الى دولتين مستقلتين. وهناك عدة طرق للقيام بذلك، لكن أحد الإحتمالات أن يترأسها بيل كلينتون الى جانب سولانا وبن عامي.
فهل يتعايش الفلسطينيون مع ذلك؟ ربما يستطيعون في حال إيضاح شروطها المرجعية. أولا بأن يكون الحل المقترح منسجما مع المبادرة العربية للسلام. وثانيا أن تكون مهمة الجمعية واضحة جدا: صياغة قرار يكسب التأييد في الإستفتاء لدى المجتمعين. إضافة الى ذلك، سيحظى الموقف الفلسطيني بحقيقة أن الأنسكوب ٢ يجب أن ترفع تقاريرها ثانية الى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل عمل إضافي. وإذا لم يكن مقترح المعاهدة منسجما مع المبادرة العربية للسلام، وإذا كان منحازا ضد الموقف الفلسطيني، فعندها قد يعدل أو حتى قد يرفض من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فهل يوجد أمام الفلسطينيين بديل أفضل؟ وإذا كان كذلك، فأنا لا أعرف ماهيته. ولربما يكون الأمل بمقاطعة الولايات المتحدة الى حين قيامها بتقديم تنازلات مهمة على سبيل المثال، الى حين إعلان الولايات المتحدة بوضوح بأنها لا تعترف بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية، وتحديدا البلدة القديمة من القدس.
ولكن حتى هذه الإستراتيجية، فإن منظمة التحرير غير مستعدة لتحمل خرق الولايات المتحدة لما يتضمنه توجه الأنسكوب ٢، والحقيقة الواضحة أن الفلسطينيين يحظون بذلك كخيار حياة عندما تعد خطة السلام من قبل إدارة ترامب. وستكون الرسالة الى الرئيس ترامب: إذا ما قرر محاموك العمل كمدافعين عن بيبي أيضا، فإذا كان ما يطرحونه على الطاولة يشكل بمجمله نقطة بداية للشعب الفلسطيني، فلن يكون لمنظمة التحرير الفلسطينية خيار الأنسكوب 2 وبهذا سيبقى لخطة ترامب “الموت عند الوصول” واطلاق عملية شبيهة بتلك التي أدت بالإسرائيليين للرقص في شوارع تل أبيب في تشرين الثاني 1947.
أحيانا، يحدث التوضيح للطرف الآخر بأن لديكم حقا خطة ب، كل الفارق.
*جيروم سيغال، باحث في جامعة ماريلاند ورئيس لوبي السلام اليهودي. وأنهى على التو مسودة كتابه الثاني: غصن الزيتون – إعلان الإستقلال الفلسطيني والإستراتيجية الأحادية لصنع السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى