#شؤون مكافحة الاٍرهاب

«جيتو الإخوان».. دراسة في أركانه ونتائجه

المرجع حامد المسلمي * – 18/11/2018

اعتادت الجماعات العنصرية والنرجسية أن تفرض حول نفسها سياجًا حديديًّا يحميها، ويزيد من قوتها، ويعطي أعضاءها الشعور بالتفوق والاستعلاء عن المحيطين بها، ويمنع هذا الكيان من الذوبان والاندماج الكامل في المجتمع؛ بما يجعل التنظيم أو الجماعة كتلة صلبة عصية على الانكسار أو التفتيت، وكان أهم ما لجأت إليه تلك الجماعات فكرة «الجيتو» والانعزال عن الاندماج في المجتمع كأي من أفراده.

وجماعة الإخوان (تأسست عام 1928) شأنها كل الجماعات العنصرية التي لجأت إلى هذه الحيلة، حتى تصنع جنس إخواني يختلف عن الآخرين، فالجماعة حولت التنظيم الأيديولوجي إلى «كيان بيولوجي» بمرور الوقت، فالجميع داخل التنظيم متشابك في نسب لا يكاد ينتهي، ومن ثم تؤثر تلك العلاقة على تولي المناصب فتميل الجماعة إلى «أهل الثقة» من الأهل والعشيرة على حساب «أهل الخبرة» بداعي أنه يمهد للتمكين علاوة على ازدرائهم المغايرين لهم فكريًّا أو سياسيًّا.

والعلاقة فيما يسمى «الأسرة الإخوانية الممتدة» يندمج فيها العضو العامل خلال علاقة مصاهرة أو عمل مع بقية أعضاء التنظيم، والأسرة الإخوانية مرحلة من الهيكل السياسي للجماعة إلى جانب «الوحدة الاجتماعية» لكل أب وأم إخوانيين مع أولادهم، وتزكي الجماعة دومًا الزواج من الأعضاء وبعضهم حرصًا على أسرار التنظيم والتأكد من تحمل الزوجة لأي مخاطر يحتمل أن يتعرض لها الزوج، وفي هذا الإطار تسعى الدراسة إلى محاولة تفسير وتحليل فكرة «الجيتو» عند الإخوان وأهم أركانه.

مفهوم «الجيتو»

لجأت الجماعات والتنظيمات العنصرية مثل المنظمة الصهيونية العالمية* أو الإخوان أو رابطة الإخوان الأفريكانرز* إلى فكرة «الجيتو» سواء أكان إقليميًّا أو اجتماعيًّا؛ حيث لجأت بعضها إلى «الجيتو» الإقليمي على الأرض بشكل واضح كما فعل التنظيم الصهيوني العالمي، وكما فعلت رابطة الإخوان الأفريكانرز في جنوب أفريقيا (منطقة الكيب الغربي)، بينما لجأ الإخوان في مصر إلى «الجيتو» الاجتماعي (الإخواني لا يتزوج إلا إخوانية)، ولتدعيم هذا «الجيتو» لجؤوا إلى آخر نفسي يعطي الشعور لدى أعضاء هذه التنظيمات بالتميز والتفوق والاستعلاء، فاليهود شعب الله المختار، والأفريكانري سيد الشعوب، والإخوانية أستاذية العالم[1]، وغيرها من الأركان المتعددة للجيتو الإخواني.

ويُشير مفهوم «الجيتو» إلى أنه «المنطقة التي تعيش فيها إحدى الأقليات الدينية أو القومية، ويعتبرهم أغلبية الناس مختلفون عنهم، ومن خلفية لعرقية معينة، أو لثقافة معينة، أو لدين أو لمذهب أو طائفة معينة، وتعتبر حارات اليهود المنتشرة هي أشهر الجيتوهات التي عرفها العالم أجمع؛ حيث يفرض الجيتو عزلة لجماعة معينة عن باقي أفراد المجتمع؛ لشعور هذه الجماعة بأنهم مختلفون عن باقي أفراد المجتمع، ويخشون من الذوبان فيه، فيلجؤون إلى حياة الجيتو والعزلة».

أركان «الجيتو»

يظن البعض أن «الجيتو الإخواني» هو فيما يتعلق بالزواج فقط، والذي يحظر تحديدًا على الإناث أن تتزوج من غريب عنها، كأي جماعة أو قبيلة منغلقة تفرض الهيمنة على أبنائها؛ للحفاظ على الأرض والثروة، مثل جماعات متعددة في دول العالم الثالث، ويفعلها أيضًا الكثير من الأثرياء للحفاظ على الثروة داخل العائلة، بينما يعتمد «الجيتو الاجتماعي للإخوان» على محاور عدة أخرى، من بينها موضوع الزواج، ولكن زواج الإخواني من إخوانية ليس إلا تطبيق عملي للركن العقائدي العنصري عند الجماعة، والتي تنظر لغيرها بأنهم أقل مرتبة منهم، وكذلك الجيتو عندهم تعبير عن الإحساس المشترك، وسنستعرض أهم أركان فكرة الجيتو لدى الإخوان.

1- الركن العقائدي (العنصري)

يتعلق بنظرة الإخواني إلى نفسه؛ حيث يشعر أنه الأفضل، وهو المسلم الصحيح، وما دونه به نقص؛ لذا ينظر إلى الآخرين من أعلى، وعليه فمن الطبيعي أن يتزوج «الأخ الكامل» من «الأخت الكاملة»؛ حيث يقول حسن البنا* مؤسس الجماعة في رسائله: «إن دعوتكم هذه أسمى دعوة عرفتها الإنسانية..، وإذ كنتم كذلك فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس، ولا تأتي هي أحداً، وتستغني عن غيرها؛ إذ هي جماع كل خير، وما عداها لا يسلم من النقص»[2].

وبهذا فهو يدعي احتكار الحق المطلق، وأنهم المسلمون دون غيرهم، ثم يُشير البنا إلى أن القرآن قد جعل المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة؛ حيث يقول في مذكراته: «ومعنى هذا أن القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة، ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصاية النبيلة، فذلك من شأننا لا من شأن الغرب، ولمدنية الإسلام لا لمدنية المادة»[3].

والمقصود بالمسلمين الإخوان؛ لأن ما دونهم لا يسلم من نقص، حسب البنا، ثم ينطلق إلى فكرة أستاذية العالم، وأنهم أحق بالقيادة، وعلى منوال البنا نفسه أكمل سيد قطب* (منظر الجماعة) في التنظير لعنصرية الإخوان، وجعل منهم أوصياء على المجتمع، إذ يعتقد أن كل المجتمع يعيش في جاهلية، وعلى الإخوان (الأوصياء في نظر البنا) أن يقاوموا هذا المجتمع، فكل هذا الإرث الفكري عند الإخوان، جعل من الإخواني يشعر بشكل عقائدي أنه أفضل من غيره، ومن ثم استعلى على الآخر، تارة يمارس ضده العنف، وأخرى يزدريه.

2- الإحساس المشترك

أدى شعور الاستعلاء والعنصرية والوصاية على المجتمع والبشرية المتجذر عند الإخوان إلى دخولهم في صدامات عنيفة مع المجتمع، ارتكبوا فيها العديد من الجرائم والاغتيالات ضد السياسيين ورجال الحكم والسلطة والقضاء والدين؛ ما تسبب في ردة فعل عكسية من المجتمع بمحاولة إجهاض تحركاتهم، وإخضاعهم إلى القانون والقضاء، والحكم على بعضهم بالإعدام أو السجن نتيجة ما اقترفوه من جرائم.

وقد ولدت ردة فعل المجتمع إلى ادعاء الإخوان المظلومية والشعور بالاضطهاد من المجتمع؛ ما جعل الإخوان موهومين ومحبوسين داخل «جيتو» الاضطهاد، ولا أدل من ذلك من أنشودة غرباء التي يغنيها أفراد الإخوان في العديد من المناسبات، والتي رددوها في اعتصام رابعة المسلح (بدأ أمام مسجد رابعة العدوية شرق القاهرة يوم 28 يونيو 2013 وتم فضه يوم 14 أغسطس من العام نفسه)، ويقولون فيها: «غُرباء وارتضيناها شِعارًا للحياة…، نحن جند الله دومًا دربنا درب الأباة، غرباء…، لن نبالي للقيود بل سنمضي للخلود، فلنجاهد ونناضل ونقاتل من جديد، غرباء … هكذا الأحرار في دنيا العبيد….»[4]، فالأنشودة واضحة، وأعضاء الجماعة يرون أنفسهم غرباء عن هذا العالم؛ لذا يسعون إلى تغيير المجتمع بالقوة، وخلق العالم الذي يريدون من جانب، أو يتزوجون من بعضهم البعض ليخلقوا مجتمع الإخوان كما ذكر القيادي الإخواني صبحي صالح* من جانب آخر، كما يرى الإخوان أنهم الأحرار وما دونهم عبيد، وهذا أيضًا نابع من الجانب العقائدي، ونتيجة المنهج الصدامي الذي جعلهم يشعرون بأنهم أبطال لا مجرمون.

3- ركن الزواج

يُعد أهم أركان الجيتو المادية عند الإخوان، والتي تعمل على خلق مجتمع إخواني عنصري ومنفصل عن المجتمع والدولة، وقد بينها بشكل واضح القيادي الإخواني صبحي صالح في لقائه في مؤتمر جماهيري بمنطقة العباسية بالقاهرة، والذي أذيع مسجلًا على العديد من القنوات الفضائية، كما استكمل بعد ذلك بحديث آخر مع الإعلامية منى الشاذلي وبرنامج العاشرة مساءً، وفي اللقاءين ذكر صبحي صالح أن الإخواني لا يتزوج إلا إخوانية؛ وهذا لأسباب عديدة وضحها صالح في لقاءيه، أهمها[5]:

أ‌-     تكوين البيت الإخواني الذي يفرز إخوان وأخوات بالوراثة.

ب‌- أن البنت الإخوانية مكتملة الإيمان، بينما غيرها غير ذلك، وهذا نابع من رسالة البنا المذكورة سالفًا، فغير الإخوان لا يسلموا من نقص، كما استشهد بالآية الكريمة (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (61 سورة البقرة)، وأن الأخت الإخوانية هي الأفضل والخير، وما دونها أدنى، وكذلك تحدث على مفهوم الكفاءة، فالأخت الإخوانية لا يليق بها إلا الأخ الإخواني.

ت‌-في حالة زواج الرجل الإخواني من غير الفتاة الإخوانية، فمن ستتزوج الإخوانية («هنشحتها» على حد وصف صبحي صالح)

ث‌-إقامة المجتمع الإخواني، وذلك عن طريق تزاوج الإخوان والأخوات، فيتكاثروا وينجبوا إخوانًا بالوراثة، بحسب قوله.

ج‌- الزواج من غير الإخوانية يعطل فكرة التمكين، باعتبار أن هذا الجيتو الانعزالي والزواج من استحقاقات التمكين، أو كما ذكر صبحي صالح بالفيديو (كل هذه الأخطاء في مسار التربية تؤخر النصر، فلا نصر بلااستحقاق)

وفي هذا الإطار كتب رجب المرشدي مقالًا نُشر في صحيفة «روزاليوسف» الأسبوعية حول الزواج عند الجماعة كعمل تنظيمي، وفيها رصد العديد من حالات الزواج عند الإخوان، وضرب العديد من الأمثلة من بينها زواج المرشد السابق محمد مهدي عاكف من شقيقة محمود عزت أمين عام الجماعة، وزواج الشقيقة الأخرى لمحمود عزت من محمود عامر المسؤول عن الإخوان بالمنزلة، وكذلك مصاهرة عائلة خيرت الشاطر (نائب المرشد)، سواء بمحمود غزلان (المتحدث باسم الجماعة، عضو مكتب الإرشاد)، أو أحمد أبوشادي، أو حازم ثروت، وكلهم قيادات إخوانية بارزة[6]، وهذا يوضح مفهوم الجيتو الاجتماعي ومجتمع الإخوان الذي تحدث عنه صبحي صالح.

4- الجيتو الإقليمي في أوروبا والغرب

هذا المفهوم وضحه الزعيم الروحي للإخوان، يوسف القرضاوي* في كتابه «أولويات الحركة الإسلامية خلال المرحلة القادمة» الصادر عام 1990، والذي يُعد دستورًا لتحركات الإخوان المؤسسية في الغرب بوجه عام، وتضمن الكتاب الإشارة إلى المسلمين في الغرب، والارتفاع المتوقع لأعدادهم في ظل ارتفاع وتيرة الهجرة إلى الدول الغربية، ومخاطر ذوبانهم الكامل داخل تلك المجتمعات الغربية؛ بحكم أنهم يمثلون الأقلية، وفي هذا السياق روج القرضاوي فكرة إنشاء مجتمع منفصل لمسلمي الغرب أطلق عليه مصطلح «الجيتو المسلم في الغرب[7]».

أهمية الجيتو للإخوان

يجدر بنا طرح سؤالٍ مهمٍّ، ماذا يستفيد العنصر الإخواني من الجيتو؟

على الرغم من القيود التي يفرضها الجيتو على أعضائه، فإنه يُحقق لهم العديد من الفوائد المهمة، والتي لا يمكن تحقيقها بسهولة للفرد العادي، وخاصة عندما يكون شخص متواضع القدرات؛ حيث يعمل هذا الجيتو على خلق فرص عمل لعناصره، حتى وإن كانوا غير مؤهلين علميًّا ولا عمليًّا، فيكفي أنهم أهل ثقة لباقي مجتمع الجيتو، ويمكن أن نأخذ فترة حكم الإخوان لمصر (يونيو 2012- يوليو 2013) كمثال توضيحي على هذه النقطة.

نُشر العديد من التقارير على سياسة أخونة الدولة التي اتبعتها جماعة الإخوان إبان حكمها لمصر، وهنا لا نتحدث عن أخونة الحكومة، والتي شأنها ككل الديمقراطيات؛ حيث يعمل الحزب الحاكم على تعيين الوزراء والمناصب السياسية من المنتمين إلى حزبه، والذين يساعدونه على تنفيذ برنامجه الانتخابي الذي انتخبه الناس على أساسه، بينما الإخوان اتبعت سياسة مزدوجة تقوم على أخونة الحكومة من جانب، وأخونة الدولة من جانب آخر، بالسيطرة على الجهاز الإداري للدولة، رغم حاجة هذا الجهاز إلى الاستمرارية من جانب، وأن يقوم عليها تكنوقراط من جانب آخر، ولا تتغير بتغير الحزب الحاكم.

وقد كتب الدكتور زياد بهاء الدين (الذي شغل منصب وزير التعاون الدولي الأسبق ونائب رئيس الوزراء ]يوليو 2013- يناير 2014[) إبان حكم الإخوان حول ظاهرة الأخونة، وأن هناك بعض القطاعات يمكن أن يشغلها من له انتماء حزبي، ولكنه يجب أن يصل إليها بالانتخابات أو لاعتبارات مهنية وعلمية، ولا يكفي فقط كونه منتميًا للحزب الحاكم، مثل؛ المحافظين ورؤساء الجامعات في بعض الدول، أو رؤساء البنوك والشركات العامة ورؤساء تحرير الصحف ومجالس إدارتها، فلا يجوز استبدالهم مع تغير الحكومة أو الحزب الحاكم؛ لأنهم يشغلون مواقعهم بحكم كفاءاتهم المهنية، وكذلك هناك مناصب لا يجوز أن يتولاها من له انتماء حزبي من أي نوع، سواء مستتر أو معلن؛ لأنها تتعلق بأجهزة الدولة والتي يجب أن تبقى مستقلة بحكم القانون، ولا يجوز أن يكون لها أي انحياز سياسي، إما لأنها تحفظ أمن الوطن وإما لها وظيفة رقابية على باقي أجهزة الدولة مثل القوات المسلحة، والشرطة، والقضاء بكل أنواعه ودرجاته، والبنك المركزي، والجهاز المركزي للمحاسبات، والرقابة الإدارية، والنيابة العامة، والسلك الدبلوماسي، وغيرهم، كما يوجد مناصب ومواقع ينبغي أن تعبر عن التعدد والتنوع وتمثيل جميع التيارات السياسية والفكرية؛ لأنها بطبيعتها مواقع تحقق تمثيلًا متكافئًا للشعب كله، مثل؛ المجالس القومية لحقوق الإنسان، والمرأة، والإعلام، والجمعية التأسيسية للدستور وغيرها[8].

إلا أن الإخوان اعتمدوا على سياسة الأخونة، بتولية أهل الثقة على حساب أهل الكفاءة العلمية أو العملية، وذلك في محاولة منها التغلغل في مفاصل الدولة، والسيطرة على الجهاز الإداري للدولة، وقد تناول هاني نسيرة في ملف بعنوان (مخاضات ثورة يونيو- الجزء الأول: معركة الدستورية وأخونة الدولة) بالأرقام والإحصائيات الرسمية ملف أخونة الدولة، وكيف حاول الإخوان السيطرة على الدولة ومفاصلها وليس فقط تعيين المناصب السياسية؛ بما يضمن لها متابعة تنفيذ برنامجها الانتخابي.

على سبيل المثال لا الحصر؛ تم تعيين 13 محافظًا إخوانيًّا، إضافة إلى محافظ موالٍ لهم، وينتمي إلى حزب البناء والتنمية (حزب سلفي أسس عقب ثورة يناير 2011)، كما صاحب هذا تفويض كوادر الجماعة بإدارة شؤون المحافظات، من خلال تعيين العديد منهم في منصب نائب المحافظ بقرارات رئاسية، كما سيطر كوادر جماعة الإخوان في المواقع التنفيذية في محافظات؛ الشرقية، وكفر الشيخ، والمنيا، وأسيوط، ورغم تعيين العديد من الوزراء المنتمين إلى الإخوان، تم تعيين أعضاء من جماعة الإخوان في مواقع استشارية وإدارية في الوزارات التي ترأسها الإخوان، وقد بلغ عدد المستشارين في هذه الوزارات 13 مستشارًا، بينما تم تعيين وكلاء وزارات ومستشارين في الوزارات الأخرى، وكذلك سيطر الإخوان على وزارة التعليم؛ حيث تولى 10 من أعضاء الجماعة المناصب القيادية المهمة في الوزارة، منها؛ قطاعات التعليم الفني، والكتب وتطوير المناهج والمعاهد القومية، وهيئة الأبنية التعليمية، ومنصب المتحدث الإعلامي، ومستشاري الوزير للشؤون القانونية والهندسية وقطاعي تطوير التعليم والتعاون الدولي، كما هيمن التيار الديني (إخوان وسلفيون) على 80% من مقاعد مجلس الشورى، وتعيين أعضاء الجمعية التأسيسية- التي مررت دستورًا غير توافقي- في مجلس الشورى كمكافأة على تعاونهم مع الإخوان[9].

إضافة إلى تعيين عدد من المساعدين لرئيس الجمهورية الذين يفتقدون الكفاءة بشكل واضح، أمثال عصام الحداد وباكينام الشرقاوي وغيرهما، ولا أدل على ذلك من فضيحة اجتماع الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي بالقوى الوطنية للتشاور حول أزمة سد النهضة، والذي أذيع على الهواء مباشرةً دون علم الرئيس والحاضرين، وقد تسبب في أزمة بين مصر وإثيوبيا آنذاك.

عمل الإخوان على تعيين أهل الثقة فيما عُرف في أدبياتهم بالتمكين، وعرف إعلاميًّا بأخونة الدولة، فضلًا عن السيطرة والتغلغل داخل النقابات والجمعيات الأهلية، والتي أدت إلى محاولة الإخوان الهيمنة على الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، وقد ترتب على اختيار أهل الثقة دون أهل الكفاءة فشل الإخوان في إدارة البلاد؛ ما أسهم في زيادة السخط الشعبي عليهم، الذي أدى بدوره إلى ثورة شعبية جارفة في 30 يونيو قامت ضد حكم الإخوان، وانتهت بزوال حكمهم في 3 يوليو 2013.

أثر الجيتو على المجتمع

تؤدي الحياة داخل جيتوهات منعزلة إلى تشوهات اجتماعية خطيرة في المجتمع والدولة، ويمكن أن تعصف بالسلم الاجتماعي للأول، وتعصف كلية بوجود الأخيرة، ومنها:

–         شعور فصيل مجتمعي بالاغتراب المستمر، وهذا يجعل من هذا الفصيل غير موضوعي في تحليل الأوضاع والأحداث، كما أنه غير موضوعي في ردة فعله تجاه هذه الأحداث.

–         يجعل من المجتمع جزرًا منعزلة عن بعضها البعض؛ ما يُنذر بتفجر الأوضاع بينهما في أي لحظة.

–         يؤدي إلى تفتيت الدول اجتماعيًّا، كما يمكن أن يؤدي إلى تقسيم الدول فعليًّا.

–         في حالة وصول فصيل كان يعيش في جيتو منعزلًا عن المجتمع، سواء جيتو اجتماعي أو ثقافي أو إقليمي، يؤدي ذلك للفساد السياسي بتغليب اختيار أهل الثقة على أهل الكفاءة في المناصب التنفيذية والسياسية المتعددة.

–         يؤدي إلى انتهاج عناصر هذا الجيتو للعنف ضد الدولة في حالة اتخاذ أي قرار، من شأنه أن يصهر كل أعضاء الوطن في الإطار الرسمي والقانوني للدولة.

خاتمة

يتضح مما سبق كيف يعمل الإخوان على فكرة إقامة الجيتو، والذي يحقق فوائد متعددة لهم، منها: المحافظة على التنظيم وأسراره وقوته، ومنع أي فرد من الخروج على الجماعة، فالإخواني ابن لعائلة إخوانية، ويتزوج من إخوانية، وينجب إخوان وأخوات، وله مصالح اقتصادية مع الإخوان، ويصبح الخروج على هذه الجماعة أمرًا مكلفًا جدًّا للفرد، الذي يمكن أن ينبذه أهله، ويخسر فيها أمواله وعمله أيضًا.

وحياة «الجيتو» بشكل عام تقود إلى اضطهاد الآخرين المنتمين إلى عالم غير عالم الإخوان «الجيتو»، وهذا واضح من نظرة الاستعلاء عند هذه التنظيمات والجماعات لغيرهم، والتي قادت رابطة الاخوان الأفريكانرز (والحزب الوطني في جنوب أفريقيا، ذراعها السياسية) لأن ينتج نظامًا عنصريًّا هناك، استمر لعقود، واضطهد وارتكب الجرائم ضد الشعب الجنوب أفريقي المسالم.

وتصعب مقاومة الدولة لهذه الجيتوهات والجزر المنعزلة في المدى المتوسط والقريب، دون الدخول في دوامات العنف والتطرف من قبل أعضاء هذه الجيتوهات؛ حيث يُفسر كل فعل على أنه محاولة من المجتمع لاستيعاب هذه الجماعة ثقافيًّا، وتذويبها داخل المجتمع، رغم أن هذا في المجتمعات التي تتسم بالتعددية الإثنية، والتي تختلف عن الحالة الإخوانية، والتي هي عبارة عن جماعة عنصرية تتمحور حول ذاتها وتشعر بالتفوق، وترفض الانخراط والانصهار داخل مجتمعها.

ولكن يمكن على المدى البعيد عن طريق سياسات تعليمية واضحة ورشيدة تعزز من القيم الإنسانية كالمساواة وقبول الآخر والتعددية الدينية والمذهبية، وتعامل الجميع على قدم المساواة، والتي تنمي مشاعر المواطنة والفخر بالانتماء للوطن والعمل على رفعته وتقدمه، هذا إضافة إلى تبني الدولة قوانين واضحة قائمة على مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فكما يعطي الحق في حرية الاعتقاد والرأي والتعبير والتجمع والتنقل وغيرها من الحريات، إلا أنه يُجرم الحض على الكراهية والعنف والتمييز، والذي يقع فيه كثير من التنظيمات العنصرية، التي تطالب بالحريات وتدعي التفوق والعنصرية، وتحض على الكراهية والعنف والتمييز.

*باحث في الشؤون السياسية والحركات الإرهابية.

*المنظمة الصهيونية العالمية: أسست عام 1897م بقرار من المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في بازل بسويسرا، وكان تيودورهرتزل أول رئيس لها، وهي تنظيم يهودي يضم المؤمنين بالأفكار الصهيونية، وكانت تهدف لإقامة وطن قومي لليهود، والذي تحقق عام 1948 بإعلان إقامة دولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. 

* رابطة إخوان الأفريكانرز، هي رابطة سرية تكونت من جماعة البوير (وهم الفلاحون الهولنديون البيض الذين أتت بهم شركة الهند الشرقية الهولندية إلى جنوب أفريقيا 1652) وأسست عام 1918، وقدمت نفسها على أنها حركة ثقافية، وسرعان ما تحولت إلى العمل السياسي، وفي عام 1948 وصل الحزب الوطني إلى السلطة في جنوب أفريقيا ليعلن أنه الذراع السياسية لحركة إخوان الأفريكانرز، وهو الحزب الذي قاد النظام العنصري في جنوب أفريقيا، وتقوم الرابطة على 3 مقومات رئيسية (المسيحية البروتستانتية الكالفينية، واللغة الأفريقانية، وتاريخ الأفريكانرز المشترك والمصير لأرض الميعاد)، وتحولت إلى رابطة عنصرية. 

عبير شوقي ذكي، “العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا: دراسة لبعض حركات الإسلام السياسي والأصولية المسيحية، رسالة ماجستير (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، 2010) ص ص 110-118.

وانظر أيضًا

د. باسم رزق عدلي، «الأصولية المسيحية في أفريقيا: دراسة للتأثير السياسي لبعض الحركات»، في د. إبراهيم أحمد نصرالدين (محررًا)، الإرهاب وتأثيره على العلاقات العربية الأفريقية (بغداد: المركز العراقي- الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، ط1، 2016) ص 249-254.

[1]– د. إبراهيم أحمد نصر الدين، «الإرهاب وتأثيره على العلاقات العربية الأفريقية: كلمة التحرير»، في د. إبراهيم أحمد نصر الدين (محررًا)، الإرهاب وتأثيره على العلاقات العربية الأفريقية، ص 4. 

*حسن البنا: مؤسس جماعة الإخوان،  ولد في محافظة البحيرة بدلتا النيل عام 1906، ينتسب إلى أسرة ريفية متوسطة الحال، كانت تعمل بالزراعة في إحدى قرى الدلتا، درس والده العلوم الشرعية في جامع إبراهيم باشا بالإسكندرية ، والتحق أثناء دراسته بمحلٍّ لإصلاح الساعات ، وأصبحت بعد ذلك حرفة له وتجارة ، ومن هنا جاءت شهرته بالساعاتي. 

[2]– حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، (القاهرة: مركز الإعلام العربي، الطبعة الثانية، 2011) ص 222. 

[3]– حسن البنا، مجموعة رسائل حسن البنا، (الإسكندرية: دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، 2006) ص 127. 

*سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي، ولد في 1906 في قرية موشا في محافظة أسيوط بجنوب مصر، تلقى تعليمه الأولي بها وحفظ القرآن، ثم استكمل تعليمه بالقاهرة، وتخرج في كلية دار العلوم 1933، وعمل بوزارة المعارف، بدأ حياته أديبًا وناقدًا، والتحق بحزب الوفد الليبرالي ثم تركه، وأخيرًا توجه للأدب الإسلامي والتحق بالإخوان، وأصبح عضوًا في مكتب إرشاد الجماعة، ورئيس قسم نشر الدعوة بها، ورئيس تحرير جريدة الإخوان، ويعتبر من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الحركة الإسلامية (وتعرف أفكاره بالقطبية)، وتُعتبر كتاباته بمثابة دستورٍ للحركات الإرهابية الإسلاموية، ويُعد أشهر منظري الإخوان عبر تاريخهم. 

[4]– أنشودة غرباء، إحدى أناشيد الإخوان، أحمد المغير أحد شباب الإخوان البارزين، في اعتصام رابعة الإرهابي. 

https://www.youtube.com/watch?time_continue=224&v=BbrcKCCGO8w

*صبحي صالح: قيادي إخواني شهير، ولد في 1953 بإحدى قرى محافظة الغربية بدلتا النيل، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1979، وهو عضو سابق بالبرلمان المصري (2005-2010)، وأحد الأعضاء المعينين في مجلس الشورى من قبل رئيس الجمهورية (الإخواني) محمد مرسي في 2012. 

[5]– رابط لقاء المؤتمر الجماهيري الذي تحدث فيه صبحي صالح عن لزوم زواج الإخواني بالإخوانية، انظر: 

https://www.youtube.com/watch?v=xm5dL5SQE4E

انظر أيضًا لقاء صبحي صالح مع الإعلامية منى الشاذلي على قناة دريم الفضائية

https://www.youtube.com/watch?v=vRIRR2-qGpQ

[6]– رجب المرشدي، الزواج عند الجماعة عمل تنظيمي، روزاليوسف، 4 يونيو 2011 

https://www.masress.com/rosaweekly/113965

وانظر ايضًا:

إسلام مغربي، الأخت الإسلامية للأخ الإسلامي.. سمات الجيتو الانعزالي، 15 أغسطس 2014.

http://www.islammaghribi.com/archives/2012-09-12-01-13-14/2012-09-12-01-15-56/4063-2014-08-15-10-11-12.html

*يوسف القرضاوي: رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ولد في 1926 بمحافظة الغربية بدلتا النيل، انضم لجماعة الإخوان وتتلمذ على يد مؤسسها حسن البنا، تخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر 1953، وحصل على الدكتوراه من الكلية نفسها 1973، ويحمل الجنسية القطرية، ويعيش بها منذ سبعينيات القرن العشرين، وألف العديد من الكتب التي تروج فكر الإخوان، منها «الإخوان المسلمون سبعون عامًا في الدعوة والتربية والجهاد»، ويُلقب بــ«مفتي الإخوان»، ويُعد من أشهر منظريها. 

[7]– د. طارق دحروج، «الجغرافيا السياسية لجماعة الإخوان في أوروبا» جريدة الأهرام (القاهرة: مؤسسة الأهرام، العدد 47384، 30 أغسطس 2016) 

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/548403.aspx

[8]– زياد بهاء الدين، «ما هي أخوانة الدولة.. ولماذا نخشاها»، جريدة الشروق (القاهرة: بوابة الشروق، 11 سبتمبر 2012) 

[9]– هاني نسيرة، «مخاضات ثورة يونيو- الجزء الأول: معركة الدستورية وأخونة الدولة»، معهد العربية للدرسات (السعودية: معهد العربية للدراسات، قناة العربية، 21 يوليو 2013) 

12

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى