جوناثان تشافي: 15 عامًا على غزو العراق.. وما زالت التداعيات مستمرة
بقلم : جوناثان تشافي، الاندبندنت ٢٠-٣-٢٠١٨م
فى يوم 20 مارس عام 2003 أى قبل خمسة عشر عاما بدأ الغزو الرسمى العراق، فى الأسابيع والأشهر التى سبقت الغزو اجتاحت التظاهرات والاحتجاجات جميع أنحاء العالم رافعة شعار «لا دماء من أجل النفط»، لقد كشفت هذه التحركات الجماهيرية عن أن النظام العالمى يدار بطريقة فاسدة وخاطئة، فالأدلة التى قدمت لإقناع الرأى العام بالغزو تم رفضها وازدراؤها.
لقد تحدث كلا من تونى بلير وجورج بوش على حرب قصيرة تهدف إلى الإطاحة بنظام صدام حسين الذى يملك أسلحة الدمار الشامل كما أدعو فى ذلك الوقت، وعلى العكس من ذلك رأينا استخدام ساحق للقوة العسكرية، وما إن بدأت «عملية تحرير العراق» كما أطلقوا عليها، حتى غرقت المنطقة فى الفوضى، وما زالت تداعيات ذلك مستمرة.
تم صك مصطلح «الصدمة والرعب» عندما سقطت القنابل على بغداد، هذا العرض المميت لـ«الألعاب النارية» لم يكن مقصود منه سوى إجبار بغداد على الخضوع وإرسال رسالة إلى المنطقة وإلى العالم.. وكان ذلك إشارة على بداية ما يعرف بـ«القرن الأمريكى الجديد» الذى حدده وخطط له المحافظون الجدد.
لقد تورطوا فى العراق وتورطوا أيضا فى وطنهم تورطا يكاد يعمق من الاستياء ويعمل على تراجع الثقة فى المؤسسات السياسية البريطانية، ومن شأنه تقويض الثقة فى القادة والسياسيين الذين كان عليهم إجماع سياسى وطنى، هذا الإجماع الذى سوف ينتهى فى السنوات القليلة القادمة.
لكن أولا وقبل كل شىء، علينا القول بأن الحرب كانت مدمرة للعراق. وسيبقى ذلك وصمة عار على جبين المحور الأنجلو ــ أمريكى المدعى للأخلاق والقيم. مهما كنت تظن أنك تعرف عن هذا الغزو – ما حدث كان أسوأ من ذلك بكثير.
إن عدد القتلى من المدنيين نتيجة للحرب وفقا لمجلة the lancet medical journal يتراوح ما بين 650.000 إلى مليون شخص. وبحلول 16 فبراير 2007، أعلن المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين «أنطونيو غوتيرس»، إن عدد اللاجئين الذين فروا من الحرب بلغ 2 مليون لاجئ، فضلا عن وجود ما يقرب من 1.7 مليون عراقى مشردين داخليا، وربما تضاعف هذا العدد الآن.
من المعروف جيدا أن آبار النفط تم تأمينها وخصخصتها. لكن خصخصة العراق لم تتوقف عند النفط وشركة هاليبرتون. حتى بذور المزارعين العراقيين تم خصخصتها وبيعها إلى الأعمال الزراعية الدولية، مما أدى إلى وقف العمل بأسلوب الزراعة الذى يعود لقرون مضت. أذكر هذا لإظهار أن الحرب والاحتلال لم يترك أى شىء للعراق والعراقيين. لقد طال الدمار كل شىء وشمل ذلك حتى المجتمع المدنى. وبحلول إبريل 2004، أفادت الرابطة العراقية لمعلمى الجامعات أن 250 أكاديميًا قد قُتلوا. وبحلول نهاية عام 2006، وفقا لصحيفة الإندبندنت، قُتل أكثر من 470 أكاديميا، وأضافت صحيفة الجارديان أن حوالى 500 أكاديمى قتلوا فقط من جامعتى بغداد والبصرة وحدهما. لم يكن هناك أدنى اهتمام بالحفاظ على البنية التحتية الحيوية للمجتمع العراقى، لقد كان التركيز على الهيمنة والحكم ونشر الانقسام والفرقة.
وقد تم الكشف عن تلك الحقائق للعالم عندما أصبح من الواضح مدى انتشار التعذيب فى السجون التى تديرها الولايات المتحدة. وغالبا ما يتم أخذ المعتقلين من منازلهم دون سبب يذكر. كان «النحاس الأخضر» واحدا من عدة أسماء لبرامج عمليات التعذيب الأمريكية السوداء، والذى تم تشكيله بموافقة مباشرة من وزير الدفاع آنذاك «دونالد رامسفيلد» الذى كانت فلسفته ومبدأه هو: «لانتزاع ما يجب أن تعرفوه.. افعلوا ما تريدون». وكان هذا مقدمة لعمليات التعذيب المنظمة للعراقيين.
من الجدير بالذكر أنه قد تم التخلى عن القانون من اليوم الأول. واستخدمت الذخائر والأسلحة غير القانونية فوق المراكز السكنية المدنية. تم استخدام الفوسفور الأبيض بشكل فوق الفلوجة، والذى تسبب فى دمار هائل للمدينة.. حيث أظهرت الأبحاث أن أعداد وفيات الأطفال، وأعداد المصابين بالسرطان وسرطان الدم تحديدا تجاوزت تلك التى أبلغ عنها الناجون من القنابل الذرية التى ألقيت على هيروشيما وناجازاكى فى عام 1945.
استراتيجية الحرب المستخدمة جعلت الفصائل الطائفية مسئولة عن البلاد. هذا جنبا إلى جنب مع انهيار المجتمع والدمار واسع النطاق مهدا الطريق لصعود داعش بعد ذلك. حجم هذه الكارثة لا يمكن تخيله وله تأثيره – بالطبع ــ على المدى الطويل.
لقد أحدثت الحرب ما يشبه بالصدمة فى النظام السياسى. تداخلت مع الأزمة المالية عام 2008، جعلت قطاعات كبيرة من السكان تتشكّك فى النظام السياسى بالإضافة إلى مجموعة من إجراءات التقشف العنيفة التى من شأنها أن تقضى على الخدمات العامة وتدمر مستويات المعيشة، لقد تسبب تدمير العراق فى أزمة عامة لشرعية النخب والسياسيين.
لقد وفر استفتاء الاتحاد الأوروبى فرصة لضرب المؤسسة السياسية والاحتجاج ضدها، تم توجيه ضربة قاسية للفاعلين الرئيسيين فى المشروع الأوروبى فى منظور المملكة المتحدة مع حلول حرب العراق. تونى بلير، ألاستير كامبل، بيتر ماندلسون – جميعهم فقدوا مصداقيتهم بسبب الحرب.
وبالمثل، فإن الاستياء من حزب العمال الجديد المتجذر فى اسكتلندا دفع إلى وجود «حركة الاستقلال» المطالبة باستقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة فى عام 2014. وفى الاجتماعات العلنية فى الدولة، انتقد حزب العمال الجديد ــ وفى كل مرة يبدأ النقد بما يعرف بـ«خيانة العراق». وقال أليكس سالموند، وهو من أبرز الدعاة لاستقلال اسكتلندا، إنه سيتبنى أسلوبًا مختلفًا تمامًا فى السياسة الخارجية.
وبالطبع، خضع حزب العمال نفسه لثورته الداخلية الخاصة. قام «جيريمى كوربين» ــ العضو الأساسى فى الحركة المناهضة للحرب على العراق ــ، بتهميش تونى بلير وزملائه فى صفوف الحزب. ويدرك مئات الآلاف من الأعضاء الجدد أن العراق سيظل جرحا عميقا فى الحزب لا يمكن الشفاء منه مطلقا.
بينما كان تونى بلير فى غرفة الحرب مع بوش، كان كوربين فى الشوارع مع المظاهرات المناهضة للحرب. وهو الآن يقود حزب العمال.
اليوم نسمع من بعض الجهات أنه بعد عقد ونصف من الزمان، حان الوقت للمضى قدمًا وتجاوز أخطاء الماضى. ونؤكد أن هذا من المستحيل لأن هذه الأخطاء وخاصة غزو العراق ما زالت تشكيل المعالم السياسية بشكل كبير. فكيف يمكننا بهذه البساطة أن «نتحرك ونحن نعلم أن الجرائم التى ارتكبت بحق الشعب العراقى لم يتم الاعتراف بها أو تقريرها من قبل مرتكبيها؟
وأولئك الذين يطالبوننا بإسقاط مأساة العراق من وعينا لا يدركون أنها ستظل لها تأثيرها المستمر على السياسة الداخلية البريطانية. التاريخ هو الحكم عليهم الآن.