ترجمات أجنبية

جوزيف س. ناي، الابن – هل هذا عام ترامب؟

جوزيف س. ناي، الابن –  بكين – 17/1/2019

لم تختر مجلة تايم دونالد ترامب ليكون شخصية العام 2018، لكنها ربما تفعل ذلك في العام الحالي. وقد أنهى ترامب العام المنصرم وسط انتقادات حادة بعد إعلانه سحب القوات العسكرية الأميركية من سورية وأفغانستان من دون التشاور مع الحلفاء (مما أدى إلى استقالة وزير دفاعه المحترم جيمس ماتيس)، كما تسبب في تعطيل الحكومة جزئياً بسبب مسألة الجدار على الحدود مع المكسيك. وفي العام 2019، بعد استيلاء الديمقراطيين على مجلس النواب، يغلب أن يواجه ترامب انتقادات متزايدة الحدة لسياسته الخارجية.

يتجاهل مؤيدو الإدارة الأميركية المنتقدين. ويقف خبراء السياسة الخارجية، والدبلوماسيون، والحلفاء مشدوهين أمام نهج ترامب الذي يتناقض مع كل القيم، لكن قاعدة ترامب الانتخابية صوتت لصالح التغيير وهي ترحب بالاختلال الناجم عن التغيير. وبالإضافة إلى هذا، يزعم بعض الخبراء أن الاختلال سيكون مبرراً إذا أثبتت العواقب أنها مفيدة للمصالح الأميركية، مثل ظهور نظام أكثر اعتدالاً في إيران، ونزع السلاح النووي في كوريا الشمالية، وتغيير السياسات الاقتصادية في الصين، ونشوء نظام تجاري دولي أكثر توازناً.

بطبيعة الحال، تشبه محاولات تقييم العواقب بعيدة الأمد المترتبة على سياسة ترامب الخارجية الآن التنبؤ بالنتيجة النهائية لمباراة بينما ما تزال في منتصفها. وقد زعم المؤرخ نيال فيرغسون من جامعة ستانفورد أن “مفتاح رئاسة ترامب هو أنها ربما تكون الفرصة الأخيرة التي تسنح لأميركا لوقف -أو على الأقل إبطاء- هيمنة الصين. وعلى الرغم من أنه قد لا يكون مرضياً على المستوى الفكري، فإن النهج الذي تبناه ترامب في التعامل مع المشكلة، والذي يتلخص في التأكيد على قوة الولايات المتحدة بطرق مزعجة للغاية ولا يمكن التنبؤ بها، ربما يكون في حقيقة الأمر الخيار الوحيد المتبقي القابل للتطبيق”.

يردُّ منتقدو ترامب على هذا بأنه حتى لو أفضى سلوكه المتناقض مع القيم إلى إحراز بعض النجاحات، فيتعين على المرء أن يقيِّم هذه النجاحات كجزء من سجل التكاليف والفوائد. وهم يزعمون أن الثمن سيكون مرتفعاً للغاية في ما يتصل بالأضرار التي لحقت بالمؤسسات الدولية والثقة بين الحلفاء. وفي المنافسة مع الصين، على سبيل المثال، تحظى الولايات المتحدة بعشرات من الحلفاء وقِلة من المنازعات مع الجيران، في حين تحظى الصين بقِلة من الحلفاء وتواجه عدداً من النزاعات الإقليمية. وبالإضافة إلى هذا، وفي حين قد تكون القواعد والمؤسسات مقيدة، فإن الولايات المتحدة تستطيع أن تلعب دوراً وازناً في صياغة هذه القواعد، وهي مستفيدة أساسية منها.

تثير هذه المناقشة أسئلة أكبر حول أهمية الأسلوب الشخصي في الحكم على سياسة الرؤساء الخارجية. ففي آب (أغسطس) 2016، زعم خمسون مسؤولاً سابقاً في الأمن القومي من الجمهوريين في الأساس أن من شأن تقلب مزاج ترامب الشخصي أن يجعله غير لائق لمنصب الرئيس. وقد استُبعِد أغلب الموقعين من الإدارة، ولكن، هل كانوا محقين؟

بوصفه قائداً، قد يكون ترامب شخصاً ذكياً أو لا يكون، لكن مزاجه يحتل مرتبة متدنية على مقياس الذكاء العاطفي والسياقي الذي جعل فرانكلين روزفلت أو جورج بوش الأب من الرؤساء الناجحين. ويلاحظ توني شوارتز، الذي شارك ترامب في تأليف كتاب “فن الصفقة”، أن “شعور ترامب بقيمة الذات مهدد إلى الأبد. وعندما يشعر بالظلم، فإن ردة فعله تأتي مندفعة ودفاعية، حتى أنه يبني قصة ذاتية التبرير لا تعتمد على الحقائق وتلقي باللوم دائماً على عاتق آخرين”. ويعزو شوارتز هذا إلى دفاع ترامب عن نفسه ضد الهيمنة التي مارسهان عليه والده الذي كان “ملحاحاً وصعباً ومتحفزاً بلا هوادة… إما أن تهيمن أو تذعن، وإما أن تخلق الخوف وتستغله أو تستلم له -وهو ما يتصور أنه حدث مع أخيه الأكبر”. ونتيجة لذلك، فإنه “لم يعبر عن أي مشاعر ولم يبد أي اهتمام بالآخرين”، أما الحقائق فهي ما يعتبره ترامب كذلك في أي يوم بعينه”. سواء كان شوارتز على صواب أو خطأ بشأن الأسباب، فإن غرور ترامب واحتياجاته العاطفية كثيراً ما تلون علاقاته بالقادة الآخرين وتفسيره للأحداث العالمية. وبالنسبة له، يبدو مظهر القوة والصلابة أكثر أهمية من الحقيقة. وتشير تقارير من إعداد الصحفي بوب وودوارد إلى أن ترامب أخبر صديقاً اعترف بسلوكيات سيئة في التعامل مع النساء بأن “القوة الحقيقية هي الخوف… فعليك أن تنكر، وتنكر، وتنكر وتقاوم هؤلاء النساء. أما إذا اعترفت بأي شيء أو أي ذنب، فأنت تكون في حكم الميت”.

الواقع أن مزاج ترامب يحد من ذكائه السياقي. وكان ترامب يفتقر إلى الخبرة، ولم يفعل إلا أقل القليل لسد الثغرات في حصيلته المعرفية. ويصفه مراقبوه من مسافة قريبة بأنه قليل القراءة، ويصر على أن تكون مذكرات الإحاطة التي يتلقاها قصيرة للغاية، ويعتمد بشدة على الأخبار التي تبثها القنوات التلفزيونية. ويُقال إنه لم يُعِر تحضيرات هيئة العاملين قبل اجتماعات القمة مع حكام مستبدين مخضرمين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أو زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون أي قدر يذكر من الاهتمام. وإذا كان أسلوب ترامب المزدري للقيم والتقاليد مجرد خرق لآداب الرئاسة التقليدية، فقد يزعم المرء أن منتقديه كانوا من ذلك الصنف الذي يصعب إرضاؤه، أو أنهم كانوا عالقين في وجهات نظر دبلوماسية عفا عليها الزمن.

لكن الفجاجة ليست بلا عواقب. ففي سعيه الحثيث إلى التغيير، تسبب ترامب في تعطيل مؤسسات وتحالفات، لم يقر بأهميتها إلا على مضض. والواقع أن خطاب ترامب استهزأ بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أظهرت استجابته الضعيفة لمقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي. وعلى الرغم من أن ترامب ردد خطاب الرئيس رونالد ريغان حول كون الولايات المتحدة مدينة على تل تضيء منارتها للآخرين، فإن سلوكه في الداخل في التعامل مع الصحافة، والقضاء، والأقليات، تسبب في إضعاف وضوح جاذبية الديمقراطية الأميركية. وتُظهِر استطلاعات الرأي تراجع قوة أميركا الناعمة منذ تولى ترامب منصبه.

بينما يناقش المنتقدون والمدافعون مدى جاذبية القيم التي يجسدها شعار ترامب “أميركا أولا”، لا يستطيع المحلل المحايد أن يبرر أوجه الانحراف التي شابت تنفيذه لأهدافه نتيجة لاحتياجاته العاطفية الشخصية -على سبيل المثال، في اجتماعات القمة التي عقدها مع بوتن وكيم. أما عن توخي الحذر، فإن سياسة عدم التدخل التي ينتهجها ترامب كانت سبباً في حمايته من بعض الخطايا المتعمدة، ولكن ربما يتساءل المرء عما إذا كان يملك من الخرائط الذهنية والذكاء السياقي القدر الكافي لفهم المخاطر التي يفرضها على الولايات المتحدة توزيع القوة على النحو المشهود في هذا القرن. ومع تنامي التوترات، فربما يصبح التعامل مع ترامب أمراً لا مفر منه في العام 2019.

*أستاذ في جامعة هارفارد ومؤلف كتب “هل انتهى القرن الأميركي؟” والكتاب المقبل “هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين روزفلت إلى ترامب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى