أقلام وأراء

جورج عيسى: ما المعضلات التي فرضها طوفان الأقصى على الإسرائيليّين؟

جورج عيسى 7-10-2023: ما المعضلات التي فرضها طوفان الأقصى على الإسرائيليّين؟

تتفاوت توصيفات عمليّة “طوفان الأقصى” التي شنّتها “حماس” صباح السبت. قارنها البعض باجتياز القوّات المصريّة خطّ بارليف في حرب أكتوبر (تشرين الأوّل) 1973 والسبب الأوّل في ذلك هو أنّ العمليّة تزامنت تقريباً مع الذكرى الخمسين لتلك الحرب (صبيحة 6 أكتوبر). أمّا السبب الثاني الذي لا يقلّ أهمّيّة فهو حجم المفاجأة الذي جعل إسرائيل شبه مشلولة في الساعات الأولى على العمليّتين. لكنّ البعض يرى أنّ ما شهدته إسرائيل السبت يتخطّى اجتياز خطّ بارليف.

مباغتة

كتبت رئيسة تحرير صحيفة “هآرتز” أستير سولومون على موقع “أكس” أنّ ثمّة “وضعاً مأسوياً في إسرائيل: حماس، الجهاد الإسلاميّ يعلنان الحرب، وابلاً لا يتوقف من الصواريخ، تغلغلاً في أكثر من 20 مجتمعاً، احتجاز رهائن، صوراً مروّعة لقتلى مدنيّين، قتالاً بالأيدي. اِنسوا 1973، هذا أقرب إلى (حرب) 1948، إن لم يكن أسوأ”.

تشبيه يوافق عليه إلى حدّ بعيد ضابط الاستخبارات العسكريّة السابق في الجيش الإسرائيليّ مايكل ميلشتين: “منذ 1948 لم يكن هناك اعتداء إسرائيلي داخل الأراضي الإسرائيليّة، جميع الحروب الأخرى كانت على جبهات متعدّدة. حاليّاً، إنّها داخل إسرائيل”. وأضاف: “هذا اجتياح، ليس لديّ عبارة أخرى لتوصيفه”.

باغتت حركة “حماس” الإسرائيليّين في القدرة على شنّ ما يسمّيه الخبراء “هجوماً متعدّد المجالات”. فقد شمل الهجوم عمليّات عسكريّة في البرّ (اقتحام السياج الحدوديّ والتوغّل بالشاحنات والسيّارات الرباعيّة الدفع) والجوّ (عبر طائرات شراعيّة وطائرات بلا طيّار) وحتى البحر (من خلال زوارق). جاء الهجوم عقب إطلاق آلاف الصواريخ على مناطق إسرائيليّة مختلفة في البداية وصل عددها بحسب “حماس” إلى نحو 5 آلاف. وتمكّن نحو ألف عنصر من مقاتلي “حماس” من التغلغل في مناطق غلاف غزّة بحسب تقارير إسرائيليّة.

أرقام أوّليّة

تركت عمليّة “طوفان الأقصى” الإسرائيليّين في موقع مختلّ التوازن إذ افتقدوا القدرة على الردّ بسرعة. بعد أكثر من اثنتي عشرة ساعة على انطلاق العمليّة، لم تستطع إسرائيل استرجاع نحو سبع مناطق سيطر عليها المهاجمون بشكل جزئيّ أو كامل.

في غضون ذلك، تحدّثت قناة 12 الإسرائيليّة عن ارتفاع عدد القتلى الإسرائييّين إلى مئة بجانب سقوط أكثر من 900 جريح في حين تحدّثت “حماس” عن أسر عشرات الإسرائيليّين، من بينهم ضبّاط رفيعو المستوى، واقتيادهم إلى أماكن مجهولة في غزّة. في المقابل، تحدّثت وزارة الصحّة الفلسطينيّة عن مقتل 198 قتيلاً وسقوط أكثر من 1600 جريح من جرّاء القصف الإسرائيليّ على القطاع وخصوصاً بالقرب من السياج. وقال الجيش الإسرائيليّ إنّه تمكّن من قتل العشرات من المهاجمين الذين كانوا يستقلّون زوارق في إطار شنّ هجمات من البحر.

يمكن أن يكون الردّ الإسرائيليّ على العمليّة العسكريّة لـ”حماس” تحت مسمّى “السيوف الحديديّة” لا يزال في بداياته. سيتحتّم على إسرائيل إظهار ردّ قويّ يوازي حجم المفاجأة وضخامة عمليّة “طوفان الأقصى”. بالفعل، قال مدير الأبحاث في “مجموعة صوفان” كولين كلارك إنّه لا يتوقّع أن يكتفي الإسرائيليّون بقصف أهداف في غزّة وقد يتضمّن الردّ غزواً برّيّاً. لكنّ هذا الخيار دونه محاذير.

المعضلات

العقبة الأولى أمام الحكومة الإسرائيليّة هي أعداد الأسرى الإسرائيليّين الذين احتجزتهم “حماس”، وهو أمر سيقيّد إلى حدّ كبير الانتقام الإسرائيليّ. العقبة الثانية هي آفاق اختيار الحكومة الإسرائيليّة التوغّل البرّيّ في قطاع غزّة. من جهة، يتيح هذا الخيار للحكومة إظهار التصميم الإسرائيليّ على معاقبة المهاجمين وردع أيّ عمليّة مماثلة في المستقبل. لكنّه سيكون خياراً مكلفاً على الصعيد البشريّ، بما أنّه سيورّط الإسرائيليّين في حرب مدن استعدّت له “حماس” على الأرجح. بالمقابل، إنّ عدم اللجوء إلى هذا الخيار يبيّن أنّ إسرائيل تخشى فعلاً حرباً برّيّة، وتكون “حماس”، بعكس المتصوّر، هي التي فرضت ردعاً على الإسرائيليّين.

بهذا المعنى، إنّ اكتفاء الحكومة الإسرائيليّة بالضربات الجوّيّة ضدّ مواقع “حماس” في قطاع غزّة لا يعبّر عن ردّ مساوٍ على الأقلّ، لحجم الضربة التي تلقّتها في عمليّة “طوفان الأقصى”. كذلك، هو لن يعبّر عن “حالة الحرب” التي تحدّث عنها رئيس الحكومة الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو الذي توعّد بـ”تطهير” المناطق المحيطة بغزّة وبتكبيد المتوغّلين “ثمناً باهظاً”. وقال خلال المجلس الوزاريّ المصغّر إنّ الهدف الثالث سيكون منع قيام جبهات أخرى ضدّ إسرائيل. لكن لم يرشح عن الاجتماع أيّ حديث عن خطط محدّدة.

هذا التدرّج في الأهداف قد يكون ذا طبيعة سياسيّة لا عملانيّة وحسب. ربّما أثناء انتقالها من الهدف الأوّل إلى الثاني فالثالث، تحتاج الحكومة الإسرائيليّة إلى التقاط أنفاسها واستعادة زمام المبادرة، والأهمّ التواصل مع الأميركيّين لمعرفة حجم الدعم السياسيّ والعسكريّ لعمليّتها. فالتوغّل البرّيّ المحتمل قد يفتح أمامها جبهة جديدة مع “حزب الله” تتطلّب استعدادات سياسيّة وعسكريّة أكبر من استعدادات المعارك مع “حماس”.

في الوقت نفسه، يوجّه الامتناع عن التوغّل البرّيّ إشارة إلى “حزب الله” مماثلة لتلك التي ستلتقطها “حماس” وهي أنّ الجزء الأكبر من الردع العسكريّ الإسرائيليّ سيكون قد سقط في حال كان الهجوم شاملاً ومنسّقاً كعمليّة “طوفان الأقصى”. بهذا، تبدو سيناريوهات الردّ الإسرائيليّ أقرب إلى معضلة: التوغّل البرّيّ قد يدفع “حزب الله” للتدخّل، لكنّ غيابه يعني أيضاً أنّ تدخّل “حزب الله”، أقلّه في عمليّات مستقبليّة مماثلة، سيصبح أكثر احتمالاً.

معرفة كيف ستحلّ الحكومة الإسرائيليّة معضلتها، إن تمكّنت من حلّها، أمر متروك للأيّام المقبلة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى