أقلام وأراء

جواد بولس يكتب – ماذا لو رُشّح مواطن عربي لرئاسة إسرائيل؟

جواد بولس *- 23/4/2021

في محاولة مني للرد على سؤال ما العمل، دعوت في مقالي السابق جميع الذين يشعرون بالخطر مثلي، إلى إطلاق مبادرة لإقامة جبهة عربية يهودية تحت اسم: «مواطنون ضد الفاشية».

لا أعرف ما إذا كانت الفكرة ستلقى تجاوباً فعلياً؛ أو أنها ستجد من يحوّلها إلى إطار عمل نضالي حقيقي ليقف في وجه قطعان اليمين المنفلت، كما نراهم في أيامنا هذه، فحتى كتابته لم ألحظ، لأسفي، أي تفاعل مع هذه الفكرة.

لم ينجح بنيامين نتنياهو، لغاية الآن، بتشكيل حكومته؛ لكنه ما زال يحاول ويراوغ مع جميع الأحزاب، التي يعتقد انها صالحة للشراكة معه، (أو عندها، بلغة المكان، شهادة الكوشير) وبضمنها قائمة الحركة الإسلامية، التي أكد رئيسها الدكتور منصور عباس، في بيان رسمي نقلته المواقع يوم الاربعاء الفائت، على أنه تواصل هاتفيا مع بنيامين نتنياهو وتحدثا حول القضايا السياسية الراهنة، التي كان من بينها إمكانية تشكيل الحكومة، والقضايا الحارقة للمجتمع العربي، وقضايا سياسية أخرى.. كما جاء في الأخبار. لا نعرف ماذا تناول الاثنان في محادثتهما، وعن أي القضايا الحارقة تحدثا؛ وأملي، على الأقل، أن يكون النائب عباس قد لفت انتباه رئيس الحكومة نتنياهو لمضامين الدعوات التحريضية التي تطلقها في هذه الأيام، مجموعات إرهابية يهودية وتدعو من خلالها أنصارها ومؤيديها للتجند والتجهز والانقضاض على المواطنين العرب في القدس الشرقية وفي يافا، في عمليات ثأر لما وصفوه «الشرف اليهودي» ومن أجل تكسير رؤوس العرب وتلقينهم دروسا لن ينسوها. لم تتوقف، خلال السنوت الماضية، معظم المنظمات الإرهابية، مثل «تدفيع الثمن»و «لاهافا» و»شباب/ زعران التلال» عن حملاتها واعتداءاتها على التجمعات السكانية العربية وعلى الممتلكات، سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو داخل إسرائيل؛ لكن ما نشهده الآن يشكّل تصعيدا خطيرا وجديدا، من حيث دموية الخطاب ووضوح أهدافه المخططة، وبالاستجابات الواسعة له، كما رصدتها الصحافة العبرية ونقلت تفاصيلها المقززة على الملأ.

إنها الترجمات العملية المرعبة للوضع المتولد والناتج عن تغيير المناخات السياسية في الدولة، كما كنا قد توقعنا حصولها؛ فهذه المنظمات وغيرها لن تنتظر تشكيل حكومة مقبلة، ولا كيف سيكون شكلها، لأنها عبارة عن فرق الدم الضاربة، مثل شبيهاتها في تاريخ أوروبا الأسود، وابنة غريزتها المفترسة التي تشم رائحة فرائسها فلا تهمل ولا تمهل. تنتظرنا، نحن المواطنين العرب، أوقات عصيبة؛ والمشكلة أن معظمنا يشعر بتداعياتها القريبة، ولا يعرف كيف سيكون الخلاص، ولا ما هي سبل مواجهتها المثلى؛ فالأزمة السياسية التي يواجهها المجتمع اليهودي، هي عندنا أخطر وأعوص، وقد عرّت بواطن ضعفنا، وكشفت مخاطر تخبطنا بثنائية الانتماء الوطني والمواطني. لقد أجاد الكثيرون من الأكاديميين والمحللين العرب بتوصيف حالتنا/ معضلتنا كفلسطينيين بالانتماء وكمواطنين في إسرائيل؛ لكن معظمهم لم يتعرضوا إلى نقطة الحسم، ولم يطرحوا حلولا واضحة. وقد لفت انتباهي مؤخرا حوار مطول أجرته الدكتوره رلى هردل المحاضرة في العلوم السياسية، مع موقع عرب 48 حول نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، حيث أكّدت في أحد ردودها هناك على أن «سؤال المشاركة السياسية في المؤسسة يطرح نفسه علينا، ويجب إيجاد الإجابة عليه. والمدخل هو الحسم بين كوننا فلسطينيين نريد تفكيك المشروع الصهيوني، والمواطنة الإسرائيلية والانخراط في المشاركة في المؤسسة الإسرائيلية». وعندما حاول محاورها الصحافي سليمان أبو رشيد، أن يستوضح في ما إذا كانت تموضع خياراتها بين مواطنة جزئية واندماج مشوه، أو انتظار الفرج، أجابته: «أقصد أن شعار دولة المواطنين لم يعد يشكل عائقا، وأن مسألة التأثير والمشاركة السياسية في طريقها إلى التحول، ربما إلى صيرورة «عربية فلسطينية» واسرائيلية أيضا، وستطرح علينا هذه الأسئلة بشكل ملحّ ويجب أن نزود أنفسنا بأجوبة مقنعة لنا ولجماهيرنا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الرفض الإسرائيلي ليس حالة جامدة وربما يكون خاضعا للكثير من الاعتبارات التكتيكية، وليس الاستراتيجية فقط» قالت، أفصحت وزادت من حيرة القراء. قد يحتاج بعضنا وقتا لحسم خياراتهم الكبرى، ولكن هذا لا يعفيهم من ضرورة التفتيش الفوري عن وسائل المواجهة من أجل البقاء أحياء بين فكي تلك المعادلة؛ فأنا لن أنتظر على «رصيف الفرج» ولا إلى أن ننجح في تفكيك المشروع الصهيوني، الذي لا أعرف من وكيف سيفككه، بل سأسعى، كمواطن وكصاحب حق إلى إيجاد سبل الانخراط في المشاركة السياسية والتأثير فيها وعليها؛ وسأدعو بالطبع غيري لنفعل معا، كيلا يبقى هذا الانخراط فرديا، لأنه يجب أن يكون جماعيا، كما يليق بمكانة أقلية تقاتل من أجل بقائها وحقوقها، الفردية والجمعية ومستقبلها. وفي هذا المسعى سوف اقترح، علاوة على فكرة إقامة الجبهة ضد الفاشية، بعض الأفكار التي أهدف من ورائها إلى بناء أطر جديدة، قد تؤدي إلى تحديث أساليب نضالنا وعملنا وكيفية اشتباكنا، أو انخراطنا، مع الدولة وسياساتها تجاهنا كمواطنين عرب مهددين.

أولا: إقامة منتدى القانونيين العرب؛ سوف يعمل هذا المنتدى على التشبيك بين آلاف الأكاديميين، خريجي كليات الحقوق، الذين يعملون كمحامين أو كمحاضرين في جامعات البلاد، وبعضهم وصل إلى درجة العمادة، أو موظفين في مناصب إدارية رفيعة في أجهزة الدولة أو كبرى الشركات، أو اصحاب مكاتب محاماة، أو شركاء في مكاتب محاماة كبيرة، أو قضاة متقاعدين، في محاولة لإيجاد إطار أو وسيلة تجمعهم بهدف الاستفادة من خبراتهم في المجالات الحقوقية، وتسخير طاقاتهم المهنية والذهنية، وتحويلها إلى عوامل مؤثرة في تحديد معالم أزماتنا وتشخيصها من وجهة نظر قانونية؛ ومن ثم وضع برامج ومقترحات لتفكيكها ولمواجهتها بمنهجية وبنجاعة.

ثانيا: الدعوة إلى تأسيس رابطة العلمانيين العرب، التي ستعمل على نشر مناخات من الثقافة الإنسانية والديمقراطية الحقة داخل مجتمعاتنا، وعلى تعزيز ثقافة الحرية واحترام حقوق الغير المختلف، والانتماء إلى هويات جامعة وقادرة على تحصين مجتمعاتنا وتمكينها من مواجهة جميع المخاطر المتفاقمة بيننا.

ثالثا: التأكيد مجددا على مقترحي القديم لإقامة مجلس طوارئ أعلى؛ على ألا تكون عضويته محصورة في ناشطي الأحزاب والحركات السياسية والدينية القائمة، بل تتعداهم ليضم المجلس عددا من الشخصيات صاحبة المكانة والمهارة والتجرية والأهلية، لوضع تصوراتهم أزاء أزمتنا الناجمة، كما وصفتها على سبيل المثال الدكتورة هردل، وإرفاقها بحلول متخيّلة.

رابعا: أدعو قائمة النائب منصور عباس إلى تبني فكرة ترشيح مواطن عربي لرئاسة الدولة، خلفا للرئيس الحالي رؤبين ريفلن، وإلى تجنيد علاقاته ووزنه، كبيضة قبان، من أجل إنجاح هذا المقترح. فصلاحيات رئيس الدولة مهمة لكنها محدودة جدا، ولا يعد منصبه منصبا سياسيا، بل فوق الفئوية والسياسة ومن المفترض أن يمثل جميع مواطني الدولة.

واقترح عليهم ترشيح قاضي المحكمة العليا المتقاعد سليم جبران لهذا المنصب، فهو كقاض متقاعد من أعلى هيئة قانونية رسمية في الدولة، يعدّ صاحب شرعية مواطنية يجب أن تكون مقبولة على نتنياهو ومعسكره أو على لابيد ومعسكره. لقد نال القاضي جبران كأول غير يهودي على الإطلاق، قبل مدة وجيزة جائزة «المنظمة الأمريكية للمحامين وللحقوقيين اليهود» وهي إحدى المنظمات الكبرى والمؤثرة، ليس فقط على مستوى أمريكا، بل أبعد منها بكثير. وقد قدّم أمام أعضاء هذه المنظمة خطاب المواطنة الكاملة، حيث لفت فيه أنظارهم إلينا كأبناء أقلية عانت وتعاني من عنصرية الدولة، التي سوف تضاعفها تبعات قانون القومية السيئ والخاطئ، الذي سيشكل خطرا على بقاء الديمقراطية في إسرائيل. قد يكون ترشيح القاضي جبران صعبا على الحركة الإسلامية لكونه لا ينتمي، على طريقتهم، إلى «القوى المحافظة» في مجتمعنا؛ فعندها من الممكن أن يتبنوا ترشيح غيره من الشخصيات المحافظة ذات المقام والمكانة والمؤهلات والسمعة لهذا المنصب، فالعبرة بقبول مبدأ الترشيح لهذا المنصب، وبكونه مقترحا متساوقا مع خطاب الإنجازات المواطنية الذي ينادي به النائب عباس وحركته. على جميع الأحوال قد لا توافق القائمة المشتركة على هذا المقترح، لكنني اعتقد أن «حركة ميرتس» تستطيع تبنيه، إلى جانب، أو بدون، موافقة الحركة الإسلامية عليه.

وأخيرا، أعرف أن جميع هذه المقترحات هي مجرد أفكار تستدعي المناقشة والدراسة والتطوير، عساها تنضج وتصبح ناجزة كوسائل عمل مستحدثة وقادرة على تحسين أوضاعنا أو جاهزيتنا لمواجهة من نراهم يكشرون عن أنيابهم؛ فهم فرق السماء الغاضبة، صناع مناخات الخوف، النافخون بأبواق الدمار، والقابضون على مناجل حصاد الجماجم التي سيشيّد على أكوامها، هكذا يؤمنون، شعب إسرائيل مملكته اليهودية الجديدة.

* كاتب فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى