أقلام وأراء

جواد بولس يكتب – النائب عن الحركة الإسلامية منصور عباس ولافتة قف

جواد بولس – 27/11/2020

ما زال مصير القائمة المشتركة غامضًا؛ ولا نستطيع التكهن بما ستفضي إليه المناكفات التي اندلعت، وما زالت تتداعى، بين النائب عن الحركة الإسلامية منصور عباس، وزملائه في الجبهة الديمقراطية وحزب التجمع الوطني.

لم أتفاجأ شخصيًا من هذه المواجهة، خاصة بعد أن شهدنا مقدمات لها حصلت في الأشهر الماضية؛ فحذرت، في حينه، من خطورتها ومن عواقب الاستكانة إلى فرضية وهمية أفادت بأن الوحدة بين الحلفاء الأربعة هي قدَر، وأنها خيارهم الوحيد الممكن، الذي يضمن لجميعهم البقاء في الكنيست والمحافظة على القائمة، التي وصفها الكثيرون، بمجازية شرقية مبالغ بها، على أنها الابنة الشرعية لإرادة الجماهير سننتظر لنرى نهاية الحكاية التي سيؤثر فيها، تمامًا كما أثر في بدايتها، فرمان «السلطان»، وموقفه إزاء مسألة «نسبة الحسم»، فإذا أبقاها عالية، كما هي اليوم، سيضطر الأربعة إلى الاعتدال والعودة إلى «البراغماتية»، وهي في عالم تاهت فيه التعريفات وديست القيم، رشد سياسة العاجزين وترياق الضعفاء المنقذ؛ أما إذا أنزلها، فستفتح أبواب سوق الاحتمالات؛ وقد نرى حينها الحركة الاسلامية منافسة لشركائها، علاوة على شتى أصناف البسطات «الحزبية»، حامضها ومرها، وسنسمع، أيضًا، تغاريد العجب.

«لهم أسلوبهم ولي أسلوبي»

هكذا صرّح الدكتور منصور عباس في إحدى تغريداته الأخيرة، محاولًا الدفاع عن بعض مواقفه الخلافية وتبرير سلوكه، الذي أقر بأنه «تجاوز خطوطًا اعتاد النواب العرب على وضعها في الزاوية»، وسأل، في تلك التغريدة، على سبيل توضيح الفارق بين الأسلوبين: «عندما ينعَتُ أحد الاعضاء رئيس الحكومة بالكذاب، أو يقوم بشتمه، هل يتوقع بعدها أن يوافق رئيس الحكومة على طلباتنا؟ وهل هذا التصرف سيعود على مجتمعنا بشي؟» لم ينتظر النائب عباس ردًا من أحد، بل أردف في الموقع نفسه قائلا: «ذاهب للعمل لخدمة وتعزيز مكانة مجتمعي بشكل فعلي، وليس لتسجيل المواقف، وأنا اعتمد أسلوبًا حضاريًا بالحوار وموضوعيًا بالطرح يخلو من الشعبوية».

لم يكلفني أحد بالدفاع عن «القائمة المشتركة» لكنني كمواطن منحها صوته، وأنجح القائمة والنائب عباس، يحق لي ولغيري أن نسأل: هل هذا هو أسلوبه الحضاري؟ هل يحسب أنه إذا اتهم حلفاءه بالتخلف وبعدم الموضوعية وبالشعبوية، وهكذا يفهم من كلامه، سينجح بتبرير علاقته الملتبسة مع بنيامين نتنياهو؟ وهل بالسلوك المؤدب والخلق الحسن، سيحقق إنجازات لم نحققها خلال مسيرة عقود من الصمود والكفاح البرلماني والميداني؟ على النائب عباس أن يراجع مواقفه الغريبة والمستفزة لقطاعات واسعة من ناخبي القائمة المشتركة، التي توالت في مناسبات عديدة، مثل تصرفه عندما كان يرأس جلسة الكنيست وموافقته على إلغاء التصويت الذي دعا إلى إقامة لجنة تحقيق ضد نتنياهو في قضية الغواصات؛ مرورًا بمخاطبته الحريرية لضباط الشرطة، الذين حضروا جلسة لجنة مكافحة العنف في المجتمع العربي، وموقفه الخطير من قضية انتشار السلاح غير المرخص بين المواطنين العرب وتبريره، غير المباشر، لحيازة النسبة الكبيرة من تلك القطع، إذا لم تكن مخزنة لأغراض إجرامية مباشرة، وبعدها تكرار مواقفه الودودة من بنيامين نتنياهو وتمنّعه من وصف نتنياهو بالعنصري، خاصة عندما سئل عن ذلك مباشرة في لقاء متلفز على قناة «واينت»، أذيع يوم الاربعاء الفائت، فاجاب:«قراري قرار شجاع، ولن أصف أي شخص بالعنصري، لا ضد نتنياهو ولا ضد أي احد آخر، فأنا ملتصق بالحقائق هل توجد عنصرية في اسرائيل؟ توجد هل توجد فجوات بين اليهود والعرب؟ توجد حتى بين اليهود واليهود توجد فجوات، أنا استعرض الامور بصورة موضوعية وأريد أن أعالجها» هكذا بكل بساطة وحزم أجاب ممثل «الحركة الإسلامية» حين سألته مذيعة يهودية: ألا تعتقد أن نتنياهو عنصري؟ ألا يحرض ضد الجماهير العربية؟ فإن كانت هذه شجاعة سياسية فكيف يكون «مسح الجوخ» في السياسة؟

“إذا استمر النائب عباس في نهجه، فسيترتب على الشركاء في القائمة المشتركة إيجاد «اللافتات» التي ستقنعنا بالتوجه إلى صناديق الاقتراع وانتخابهم مرة أخرى “.

لقد صرح النائب عباس، في أكثر من مناسبة، بأنه يمثل، بنهجه وبمواقفه حركته الأم الحركة الإسلامية؛ التي بدورها أعلنت ببيان نشرته بعد اجتماع ضم أعضاء مجلس شورتها وقيادييها، أنها «تثمن عاليًا جهود جميع نوابها في البرلمان لخدمة وتعزيز مكانة مجتمعنا، وعلى رأسهم ابنها البار النائب الدكتور منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة، وبالذات جهوده في الإصلاح ومكافحة الجريمة والعنف في مجتمعنا العربي، وجهوده البارزة لدفع الحكومة لإقرار خطة حكومية شاملة لمكافحة العنف والجريمة»، لم أخلص إلى نتيجة واضحة من لغة البيان، ففي مطلعه، كما قرأنا، أشادوا بجهود النائب منصور عباس، ثم تعمدوا، بعد ذلك، اللجوء إلى صياغات فضفاضة لا غبار عليها سوى أنها عامة وتحمل في طياتها معاني كثيرة وتجيز السير في اتجاهات متناقضة؛ رغم تأكيد الحركة على أنها كما سعت «في السابق وضحّت من اجل تعزيز وحدة القائمة المشتركة، فإنها ستبقى حريصة على الحفاظ على هذا المشروع الوطني»؛ لكنها تشترط لقاءها مع الشركاء، في الوطن والمسيرة والكفاح وفي العمل السياسي عمومًا، بعدم الخلاف «في ثوابتنا الدينية والوطنية»، وما أدرانا ماذا يقصدون بالثوابت الوطنية، خاصة أن النائب منصور يؤكد أن نهجه هو النهج العملي الناجع والوطني القويم!

لم ينه بيان الحركة الإسلامية هذه الأزمة؛ ولم يحقق ذلك إبراهيم صرصور النائب السابق عن الحركة في الكنيست ورئيسها حتى عام 2010، عندما أضاف توضيحه الشخصي لما جرى في اجتماع القيادة المذكور، وكتب يوم الجمعة الفائت: «من أجل أن يكون موقفي واضحًا، هكذا أفهم، موقف الحركة الإسلامية من التطورات السياسية الأخيرة والجدل حولها»، فان الحركة «تحتضن الدكتور منصور عباس تمامًا كما احتضنت قيادات من أبنائها سبقوه في الموقع الحالي، إلا أنها رفعت أمامه «لافتة قف» كما لن تتردد في رفع مثلها أمام أي قيادة من قياداتها، إذا دعت الضرورة لذلك مع التأكيد على أنها لا تشك لحظة في حسن نية الدكتور منصور عباس، لكنها تطمح إلى أن يكون حسن التصرف في كل الأحوال هو الترجمة الصادقة لحسن النية وصدق العزيمة ومضاء الإرادة».

كلام في منتهى الأهمية ولكن..

يبقى الفصل والحقيقة، اذن، عند «حسن التصرف، وصدق العزيمة، ومضاء الإرادة»، فقد استبعد ابراهيم صرصور، كما كتب، أن يعود الدكتور منصور عباس لمثل تصريحاته في الفترة الأخيرة، خصوصًا لأنه «واحد من أكثر القيادات فهمًا لمبادئ الحركة وخطوطها الحمر، وتنفيذًا لتوجهات قيادته»، ورغم ذلك، فما فعله النائب منصور لاحقًا كان معاكسًا لما توقعه، أو ربما تمناه، القيادي الإسلامي المجرب ابراهيم صرور، وذلك حين سئل النائب منصور في لقائه المذكور مع «واينت» ، في ما اذا كان يعتقد بان نتنياهو يعمل لصالح المجتمع العربي، أو لصالح العرب في اسرائيل؟ اجاب، وفقًا لمنهجه المعهود وبأسلوبه الملتوي، قائلًا: «كل حكومة اتخذت قرارات كان بعضها لصالح المجتمع العربي، لكنني أريد لهذه القرارات والمشاريع التي يعلنوها أن تكون حقيقية، وأن تجيب على مشاكل المجتمع العربي؛ هذه وظيفتي»، هكذا، وبعكس ما كانوا وكنا نتوقع منه، نراه مرّة أخرى يدافع بشكل غير مباشر، لكنه مكشوف، عن نتنياهو، ويتمنع عن انتقاد ممارساته العنصرية وهجومه الدائم على المواطنين العرب، وعلى ممثليهم في الكنيست، ولا يواجه محاولاته لنزع شرعية وجودنا والنضال من أجل حقوقنا وانتخاب مؤسساتنا السياسية والمدنية. لم يتراجع النائب منصور عن طريقه الصدامي مع زملائه في القائمة المشتركة؛ ولئن ظهر في البدايات وكأنه يسعى للإطاحة برئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة وحسب، تبين لاحقًا أن «جبهته» القتالية مفتوحة على عرض القائمة كلها، ففي لقائه الأخير، قبل أيام مع القناة 20 اليمينية المقربة من نتنياهو، أعلن، بما يشبه الابتزاز لشركائه، بأن استمرار القائمة المشتركة مشروط «باتباع النهج الذي يمثله وانها ستفقد مبررات وجودها، إذا ما كررت الأخطاء والمواقف نفسها»، وهذا ما دفع زميله في القائمة النائب عن حزب التجمع الديمقراطي، الدكتور امطانس شحادة، اتهامه بالانشقاق عن القائمة، والتأكيد على أن نهج النائب عباس ليس هو نهج شعبنا الذي يريد حقوقه بكرامة وعنفوان أصحاب البلاد.

كل التوقعات جائزة، لكنني لا أعرف ماذا قصد ابراهيم صرصور عندما كشف أن الحركة الاسلامية رفعت في وجه النائب عباس منصور «لافتة قف»؟ ولا أعرف أي لافتة قد ترفع في وجه من لا يتوقف عند خطوط «حركته الحمر، أو لا ينفذ توجهات قيادته»؟ لكنني على قناعة أنه إذا استمر النائب عباس في نهجه، وهذا ربما كان حقه وحق حركته، فسيترتب على الشركاء في القائمة المشتركة إيجاد «اللافتات» الصحيحة التي ستقنعنا، نحن المصوتين، بالتوجه إلى صناديق الاقتراع وانتخابهم مرة اخرى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى