جهود سعودية مصرية لمواجهة “فكر الاخوان” والتطرف – بقلم الدكتور عبد الحفيظ محبوب
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا – 21/3/2018
إعداد :الدكتور عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب ، أستاذ بجامعة أم القرى بمكة
انفجرت ما يسمى بالأصولية الدينية من دولة مصر عام 1928 كانت بداية التنظيم دعوي لكنه بدأ يعلن ممارسته للسياسة عام 1938 إلى أن جاءت ثورة يوليو 1953 وكان هناك عدد كبير من الضباط ينتمون للإخوان، لذلك ساند الإخوان الثورة لكن بعد ذلك بدأت تطالب باستبدال القومية المصرية بالقومية الإسلامية، وأن تتحول مصر إلى دولة إسلامية تعمل بأحكام الشريعة، ودخلت الجماعة في مواجهة مع الدولة المصرية في عهد جمال عبد الناصر، وبدأت المواجهة ضد الجماعة وأعدم عام 1966 سيد قطب ومعه رفقاء خمسة، إلى أن جاء أنو السادات وأخرجهم من السجون وتسامح معهم، لكن توقيع السلام مع إسرائيل عام 1977 بدأت عملية مواجهة جديدة مع الإخوان إلى أن اغتيل على أيديهم الرئيس أنور السادات، حتى مجئ عهد حسني مبارك الذي كان عهد أكثر تسامحا معهم.
ثم انفجر شرقا أوسطا من إيران عام 1979 وهو مشروع لا يختلف عن مشروع الإخوان المسلمين العابر للحدود، ولكن بنسخة شيعية أكثر نجاحا هذه المرة بسبب أن الخميني سيطر على الحكم في إيران خلفا للشاه في حين أن الجيش المصري وقف أمام تمكن الجماعة من حكم مصر، وبدأ المشروع الخميني في تحريك مظلومية الشيعة في جميع الدول العربية، وضمان انتمائها للمشروع الخميني عبر ابتداع مسمى ولاية الفقيه على غرار المرشد عند الإخوان المسلمين وحقق ما لم يحققه المشروع الإخواني.
لم تسلم دول الخليج وبشكل خاص السعودية من التأثر بهذين المشروعين خصوصا وأن دول الخليج تقع بين المشروعين حيث كان هناك تركيز كبير جدا عليها، خصوصا وأن جماعة الإخوان المسلمين استفادوا من الصراع بين جمال عبد الناصر والملك فيصل بن عبد العزيز ثم هربوا من الاعتقالات إلى السعودية، واستضافتهم، ومنذ الثمانينات كان هناك سياق حركي دعوي جديد لإنقاذ الناس من غفوتهم من إيجابياته أنه ساهم في القضاء على الأمية الدينية خصوصا في المناطق النائية البعيدة عن المدن.
تزامن هذا الحراك الدعوي مع الجهاد في أفغانستان، وفي نفس الوقت تزامن مع ظهور الثورة الخمينية في إيران أي أن هناك عدد من التأثيرات على هذا الخطاب الصحوي الحركي، وتركته الدولة بعد حركة جهيمان التي اقتحمت الحرم الشريف في 20 نوفمبر 1979 بقيادة جهيمان العتيبي مبررا أنه يقود هجوم نصرة للمهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت جورا وظلما والدعوة إلى مبايعة محمد عبد الله القحطاني خليفة للمسلمين.
لكن اصطدم هذا الحراك بالدولة خصوصا في حرب الخليج الثانية بعد الاستعانة بالقوات الأمريكية لإخراج قوات صدام حسين من الكويت، وطالبت تلك الجماعات بإخراج القوات الأمريكية من المنطقة.
لم تكن الإرهاصات الأولى للصحوة في السعودية بسبب ردة فعل، لكنها استثمرت انغلاق المجتمع السعودي وتدينه، مع انكشاف السعودية على أفغانستان، وعلى إيران جزئيا، فظهر خطاب ديني جهادي، لكن حرب الخليج الثانية كانت أول صدمة انكشاف فكري انغلاقي على العالم الخارجي، خصوصا وأن المجتمع السعودي كان غير محصن أمام هذا الخطاب، فكان قبوله لهذا الخطاب باستجابة سريعة.
لذلك تعتبر حرب الخليج الثانية المحرض الرئيسي، خصوصا وأن الشعب السعودي في أغلبه غير محصن فكريا، وليس له ثقافة فكرية خارج الثقافة الدينية التي يمارسها في كل عباداته، فازداد زخم الولع الشبابي بالصحوة واتجه لتبني أفكارها، في المقابل اضطرت الدولة إلى المهادنة وبدأ يظهر تباين بين الخطاب الديني والخطاب الرسمي، بل اعتبر الخطاب الديني تحدي كامل للسلطة.
أصبح أغلب الشعب السعودي أسير ومستسلم بل وحتى المعتدلين لخطب الحركيين الجريئة، مما جذب كثير من الشباب نحو الخطاب الصحوي الحركي، وانقسموا بين السلفية الجامية المتشددون في العقيدة، والسرورية وهم الأخوان السلفيون، والسلفية التكفيرية، بجانب مدارس أخرى كالصوفية ومدارس مذهبية أخرى عانت من الصراع خصوصا مع الخطاب الصحوي الحركي الجهادي أحرج الدولة في كثير من المواقف لكنها استطاعت بحنكتها السياسية معالجة أي صراع.
تربة المجتمع السعودي واعتياده على التلقي دون التفكر خصوصا وأنه خطاب ديني يعتمد على النصوص وفق تأويله أو وفق تأويل ضيق الأفق، لم يكن أمام المجتمع السعودي خيار في أن يتقبل جميع الأطروحات الجديدة لأنها بثوب ديني.
تقود السعودية ومصر اليوم صحوة عربية لمواجهة الأيديولوجيات المتشددة في الشرق الأوسط، وهما يحاولان إقناع الغرب بمواجهة ما يسمى بتيارات الإسلام السياسي السنية والشيعية، ونجح البلدان في إقناع الإدارة الأمريكية على مقاربة أكثر دقة، وسعت إلى تسمية الأذرع العنيفة المتفرعة عن نظام الإخوان المسلمين بالإرهابيين، لكن دون ملاحقة الجماعة الأم بأكملها، مثل حسم ولواء الثورة وهما من أهم أذرع الإخوان، وسبق أن وضعتهما بريطانيا على لائحة الإرهاب، رغم ذلك كثير من أعضاء الكونغرس الجمهوريين يعتقدون أن الجماعة التي تمخض عنها الإسلام السياسي ينبغي معاملتها مثل تنظيم القاعدة الإرهابي، وإدراج هاتين المنظمتين على لائحة الإرهاب سوف يعزز تعطيل أنشطة هذه المنظمات الإرهابية وهو بداية التعامل مع الإخوان بسيناريو الحظر.
بدأت أوربا تراجع مواقفها من جماعة الإخوان المسلمين بعد أن تبين كثرة ازدواجيتها الأخلاقية، وكيف أنها تستغل أجواء الديمقراطية الأوربية المتاحة للجميع لإقامة الدولة الإخوانية داخل أوربا بتمويل قطري، غير أن رنين الذهب القطري لا يزال يعمي كثيرا عيون الأوربيين بفضل التبرعات والمنح والهبات الآتية من الدوحة.
لم يرتدع الإخوان رغم كل ما لحق بهم من هزائم على الأرض ورفض شعبي ونخبوي لمشروعهم، لكنها تستثمر الموقف الدولي المتردد من مشروعهم، خصوصا بعدما نجح ترمب خارجيا، لكن فشل داخليا، ولم تعد جماعة الإخوان تستخدم ورقة ضد الدول العربية مثلما تستخدم أمريكا ورقة غولن ضد تركيا.
هناك كذلك تجريم الآن كامل لحزب الله محور نقاش بريطاني أوربي، حيث تؤكد الاستخبارات الهولندية أن هناك مجلس تنسيقي واحد يسيطر على الجناحين السياسي والإرهابي لحزب الله، والسلطات الفرنسية أحالت في شهر يناير 2018 نحو 15 شخصا من عناصر حزب الله إلى محكمة جنائية بتهمة الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال.
صفقات نظام ولاية الفقيه مع التنظيمات الإرهابية نهج إيراني منذ الصفقة الإيرانية الكبرى مع القاعدة عام 2001، ففي العراق زودت إيران القاعدة بالأسلحة مقابل عدم التعرض للمراقد المقدسة وعدم التعرض للحجاج الإيرانيين، وفي سوريا حولت الثورة الشعبية إلى مواجهة بين النظام والإرهاب من أجل شرعية تدخلها لمحاربة الإرهاب في العراق وسوريا، ,وأستثمرت إيران جميع العوامل في إنشاء مليشيات في العراق بشكل خاص تتبع لها، حتى أصبح وكلاء طهران هم من يخططون لانتشار داعش ويوفرون لهم الملآذات الآمنة، لأن أي استقرار عراقي أو سوري يعني فتح ملفات إيران وأسباب وجودها.
وفي مطلع العام 2018 حتى بعد الاحتجاجات داخل إيران في ضوء التطورات الإقليمية والدولية تستمر في الحلقة المفرغة للتنظيمات المتطرفة التي يصعب اجتثاثها بشكل تام، يتقدم تنظيم إرهابي فيما يتراجع آخر وهكذا دواليك، ففي الحين الذي تدهورت فيه قدرات داعش التنظيمية والعسكرية بشكل كبير نتيجة انكباب الجهود الدولية، يسعى تنظيم القاعدة للنهوض من جديد واستقطاب المتطرفين من مختلف أنحاء العالم من أجل ضمهم للتنظيم الجديد بقالبه الجديد بقيادة حمزة بن لادن الموجود في إيران بسبب أنه يمتلك جاذبية ونفوذا وشعبية تفوق تلك التي يمتلكها زعيم القاعدة أيمن الظواهري، حيث كانت خطابات الأخير كرجل ثان في التنظيم في فترة قيادة أسامة بن لادن.
إيران تنشط في مجال حيوي ليس فقط في العراق وسوريا ولبنان بل كذلك تنشط لتحويل أذربيجان إلى عراق آخر، وكيف أن إيران تلعب بالمسلمين الشيعة، وفي أذربيجان قدمت الأجهزة الأمنية تقريرا إلى الحكومة يصف كيف أن إيران قد زادت من قدراتها في مناطق أذربيجان، وأن كثيرا من الناس أصبحوا تحت التأثير الإيراني بعد الانفتاح التكتيكي على الشيعة من قبل الحكومة عام 2013، فقط من أجل وقف تدفق الآذريين على الانضمام إلى داعش والقتال في سوريا والعراق، وأصبح هناك 22 مدرسة من أصل 150 مدرسة شيعية تقع تحت السيطرة الكاملة لإيران.
وبدأ حتى الأطفال المشاركة في الطقوس التي تنطوي على جلد الذات وهم لا يملكون فهما حقيقيا للدين يحضرون احتفالات عاشوراء، وبدلا من خوف أذربيجان من انضمام الآذريين إلى داعش، الآن تقوم إيران بإرسال هؤلاء إلى ساحات القتال في سوريا، وكما عملت إيران على أن يصبح العراق القوة الضاربة في المنطقة، لكن حولت حياتهم إلى أحزان ومآتم على طوال السنة التي يتم تدشينها انتقاما من الجيش العراقي الذي صمد ثمان سنوات ضدهم .
تود كذلك إيران أن تتحول باكستان إلى سوريا تتقاتل فيها دول كبرى وإقليمية وتنظيمات ومجموعات متطرفة، فهناك الولايات المتحدة وإيران والهند والصين وحكومة ضعيفة في كابل، خصوصا وأن واشنطن تتهم شبكة حقاني المدعومة من باكستان وهي تتبع طالبان، وتدهورت العلاقات الباكستانية الأمريكية في ظل إدارة ترمب.
حيث قطع الرئيس الأميركي المساعدات عن باكستان التي بلغت 33 مليار دولار على مدى 15 عاما من أجل القضاء على الملآذات الآمنة لطالبان الباكستانية في شرق أفغانستان، خصوصا وأن القوات العسكرية هي المسيطرة على السياسة الخارجية الباكستانية، وترى أن طالبان الأفغانية وحلفائها المسلحين لأن هذه الجماعات معادية للهند، بينما بعض العسكريين يدعي بأن الباكستان لا تمتلك سيطرة على هذه الجماعات.
لكن هناك تصريح لرئيس الأركان الأفغاني الفريق محمد يافتالي إن إيران تقدم المعدات العسكرية وغيرها من أشكال الدعم إلى طالبان أفغانستان، بل هناك مقاتلين من طالبان قالوا لصحيفة وول ستريت جورنال عام 2015 إن إيران تزودنا بكل ما نحتاج إليه، وتدرك واشنطن أن إيران تعمل بهدوء على تكثيف جهودها السرية في أفغانستان من أجل زعزعة الاستقرار وإبقاء أمريكا متعثرة في أطول حروبها، وهي في نفس الوقت حتى لا تستخدم أميركا أفغانستان قاعدة ضد إيران.
يأتي الدور التقدمي للسعودية في جمع القادة الدينيين والسياسيين تحت سقف واحد للحوار من أجل السلام في العالم ولد هذا الحوار قبل بضع سنوات من رحم مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ( كايسيد ) في فيينا ليكون منصة للوفاق والبحث عن المشتركات بين الأديان وغيرها من المذاهب الوضعية والتركيز على الإنسانية.
الدور السعودي لإعادة قبس التنوير والمصالحة للأجواء العربية والإسلامية بعد أن اختطفتها الأصوليات ما بين التشدد والتطرف برعاية دول، وكلاهما يفتئت على صحيح الدين الإسلامي السمح، بجانب إنشاء مركز الملك سلمان للسلام الدولي في ماليزيا عام 2017 دليل على إصرار السعودية على إخراج العالم من الأزمة التي يعيشها تحت أغطية دينية، ولكن في المقابل هي ترعى حوارات بين الأديان والمذاهب من أجل السلام والتعايش السلمي والمواطنة المشتركة.
الهدف الأسمى لهذا الطرح خصوصا عندما تحرص السعودية على إقامة شراكات بين القيادات الدينية من جميع الأديان والمذاهب لحماية حقوق الطوائف وصونها تحت مظلة المواطنة المشتركة والمساواة بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق.
امتد الحوار للشباب الذي ينتمي لتلك القيادات الدينية والمذاهب من أجل تعميق ثقافة الحوار ونقله إلى البيئات التي أتوا منها من أجل تدريب شباب آخرين ينتمون لتلك الطوائف عبر آليات التواصل الاجتماعي لتقليص الفجوة التي تسببت فيها داعش ومن قبلها القاعدة وترميم عرى الصلات بين الأديان والمذاهب.
هذا الحوار بين الأديان والمذاهب يذكرنا بالحضارة الإسلامية التي شارك في صنعها اليهود والمسيحيين وكافة الأديان والمذاهب قبل أن يمضي بنا الحال في طريق الانسداد التاريخي المعاصر، وكان من نتائج هذا الحوار أن أصدر 1800 داعية باكستاني يفتون بتحريم التفجيرات الانتحارية منهم من كان يدعم طالبان طائفيا وماديا.
كما تقوم مؤسسة الأزهر الشريف بجهود متواصلة لشرح تعاليم الإسلام الصحيحة، وتوضح الفرق بين الإسلام الحق وبين التصورات والمفاهيم المشوهة التي يروج لها التنظيمات المتطرفة، وقد أطلق عدة مبادرات من أبرزها مركز حوار الأديان في فبراير 2015 بهدف نشر ثقافة الحوار بين الأديان والحضارات المختلفة والعمل على تعزيز قبول الآخر والتعايش المشترك بين الشعوب.