أقلام وأراء

جمال زحالقة يكتب – انتخابات إسرائيلية خامسة أو حكومة بدعم الحركة الإسلامية

جمال زحالقة *- 25/3/2021

جاءت النتائج الأولية للانتخابات الإسرائيلية بنتيجة تعادل متأرجح بين داعمي ومعارضي بقاء بنيامين نتنياهو في السلطة، وقد تحمل النتائج النهائية بعض التغييرات الطفيفة، لكن المهمّة، لصالح حزب الليكود أو ضده. لقد توقّع المحللون حدوث مفاجأة، وحصول معسكر نتنياهو على أغلبية مطلقة، وكانت المفاجأة أنّه لم تحدث مفاجأة، ويبدو أن الأزمة السياسية مستمرة، وسيكون من الصعب جدّاً تشكيل حكومة ائتلافية.

بعد هذه الانتخابات هناك احتمالان: الأوّل أن يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة ائتلافية، والثاني انتخابات خامسة في الصيف المقبل. ويبدو احتمال أن يتمكن منافسو نتنياهو من تشكيل حكومة بديلة، ضعيفاً، حالياً على الأقل.

إذا حاول نتنياهو تشكيل حكومة فهو بحاجة إلى دعم الأحزاب «الحريدية» الدينية، وهذا مضمون ويمنحه 16 مقعداً إضافياً للمقاعد الثلاثين، التي حصل عليها حزبه «الليكود». الحزب الديني الثالث في تحالف نتنياهو هو حزب المستوطنين المتطرف «الصهيونية الدينية» وعنده 6 مقاعد، والرابع هو حزب «يمينا» بقيادة نفتالي بينيت وعنده 7 مقاعد. لا يصل هذا التحالف إلى أغلبية مطلقة، التي هي بالحد الأدنى 61 عضو كنيست. هناك حديث، مع الكثير من علامات الاستفهام، عن إقامة حكومة أقلية بدعم خارجي من «القائمة العربية الموحدة» برئاسة النائب منصور عبّاس.

نتنياهو يعرف جيّداً أن إقامة حكومة ثابتة، أمر في غاية الصعوبة، وقد سعى قبل الانتخابات لضمان إقامة تكتّل للأحزاب اليمينية المتطرفة، وحلَّ الخلاف بينها على المقاعد، بأن قام بترشيح أحد أقطابها في قائمة الليكود في مكان مضمون، ووقّع معها على اتفاقية فائض أصوات. هكذا تشكلت قائمة «الصهيونية الدينية» في سبيل دعم نتنياهو بعد الانتخابات، لكنّها تشمل أكثر الشخصيات عنصرية وتطرفاً في الدولة العبرية، وقد يخلق ذلك لاحقاً بعض المتاعب في الائتلاف، الذي يجري الإعداد له.

هذه القائمة هي تكتل يميني وفاشي وعنصري، يقوده بتسلئيل سموتريتش، الذي يمثّل غلاة المستوطنين، والشخصية الثانية فيه هو إيتمار بن جفير، زعيم حزب «القوّة اليهودية» وهو من تلاميذ الرابي مئير كهانا، وينادي بطرد الفلسطينيين «غير المخلصين» لدولة إسرائيل، ويضع في غرفته صورة للمجرم باروخ جولدشتاين، مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، ويدعو إلى إقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى. من المؤكّد أن هذه المجموعة من الفاشيين المؤدلجين سوف تسبّب المتاعب لنتنياهو، وهو لن يكون قادراً على تلبية مطالبها، التي تعتبر «مهووسة» حتى بمقاييس الانفلات اليميني العنصري في السياسية الإسرائيلية.

المشكلة الثانية التي تواجه نتنياهو في طريق تشكيل حكومة جديدة، هي حزب «يمينا» برئاسة نفتالي بينيت، الذي لم يلتزم سلفاً بدعم نتنياهو، كما فعلت بقية الأحزاب الدينية، وأبدى استعداداً مبدئياً لدعم حكومة بديلة إذا كان الامر ممكنا. وإذ يرى بينيت نفسه وريث نتنياهو في زعامة اليمين، فهو يضع شروطاً صعبة للدخول معه في ائتلاف، ويريد أن يستغل الفرصة ويكسب نقاطاً ومواقع في الحرب على وراثة نتنياهو. لن تكفي أصوات الليكود والأحزاب الدينية لإقامة حكومة أغلبية، وعليه طرحت فكرة أن تقوم القائمة العربية الموحدة، التي تمثل الشق الجنوبي من الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، بتوفير الدعم لها، خاصة بعد أن أعلن رئيسها النائب منصور عبّاس، عن استعداده لدعم أي حكومة، بما فيه حكومة برئاسة نتنياهو، مقابل الحصول على بعض الإنجازات. لقد لقي هذا «الاستعداد» العربي لدعم نتنياهو معارضة شديدة من القوى الوطنية، ومن أوساط واسعة من فلسطينيي الداخل، لكن هذا لم يمنع «القائمة الموحّدة» من تقديم عرض «إنقاذ» نتنياهو في إطار صفقة معه.

عشية الانتخابات، صرّح نتنياهو بأنّه لن يقيم حكومة تستند إلى دعم أو إلى امتناع «الموحّدة» وكذلك أعلن زعيم يمينا، وأعلنت قيادات أخرى من تحالف نتنياهو رفض إقامة حكومة تعتمد على دعم القائمة الموحدة. يبدو سيناريو دعم حكومة من حركة إسلامية من جهة، وحزب ورثة كاهانا «القوة اليهودية» الذي يدعو إلى هدم الأقصى وإقامة الهيكل، مشهداً سرياليا من الصعب لخيالٍ، مهما كان واسعا وخصبا، أن يتخيّله. ومع ذلك، يجري تداول هذه الإمكانية بجدّية ويدّعي النائب منصور عبّاس، رئيس القائمة الموحدة، أن حزبه هو «بيضة القبّان» وهو الذي سيقرر من يكون رئيس حكومة إسرائيل، وانه يريد استغلال ذلك للحصول على بعض الإنجازات لفلسطينيي الداخل، في مجالات الاقتصاد ومكافحة العنف ووقف هدم البيوت. استعداد الشق الجنوبي من الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني لدعم حكومة نتنياهو، غير كاف، لأن نتنياهو، حتى الآن، لم يقبل هذا العرض، ويخشى أن يؤدّي تعاونه مع هذه الحركة، إلى خسارة كبيرة في قاعدته السياسية، وإلى تعقيد لا حل له في تحالفه مع قوى اليمين المتطرف. في كل الأحوال يبدو الاستعداد لدعم نتنياهو من «الكبائر» بنظر أوساط واسعة من فلسطينيي الداخل، وهو قطيعة مع النهج السياسي، الذي اتبعته قواهم الوطنية على مدى عشرات السنين. وقد تميّزت المعركة الانتخابية بنقاش حاد حول هذه النقطة بالذات بين الحركة الإسلامية الجنوبية، التي تقول إنها ليست في جيب اليمين أو اليسار في إسرائيل، وإنها مستعدة للتعاون مع أي تركيبة وزارية لتحقيق بعض المصالح، مقابل دعمها للحكومة، بغض النظر عن سياساتها. واعتبرت القائمة المشتركة، المكوّنة من ثلاثة أحزاب هي الجبهة والتجمع والعربية للتغيير، أن هذه مقايضة للحقوق بالتنازل السياسي، وهي مرفوضة مبدئيا ووطنيا، ولن تأتي بأي نتيجة عملية، خاصة في التعامل مع بنيامين نتنياهو، المعروف بعدائه للعرب من جهة وبأنه ثعلب سياسي معروف بالكذب والتضليل وبأنّه يأخذ ولا يعطي.

لم يتمكّن نتنياهو، في الجولات الانتخابية الثلاث السابقة، من تشكيل حكومة بسبب حالة التعادل المعطّل، وسعى إلى الخروج من هذا المأزق عبر استهداف الصوت العربي، حيث تبلغ نسبة أصحاب حق الاقتراع العرب 17% ويصل عددهم إلى مليون ناخب بالضبط. لقد نجح نتنياهو بشق القائمة المشتركة، التي شملت الأحزاب العربية الأربعة الممثلة في الكنيست، وخرجت القائمة الموحدة بعد أن أغراها بإمكانية الحصول على إنجاز مقابل دعم الحكومة. وبعد أن كان للمشتركة 15 نائبا في الانتخابات السابقة وكلّها كانت ضد نتنياهو، انخفض عدد مقاعد القائمتين العربيتين معا إلى 11 مقعدًا، منها خمسة للموحدة، التي أعلنت انها مستعدة، بشروط معينة، أن تدعم نتنياهو. المقاعد التي خسرتها المشتركة زادت من قوّة الليكود، وقد تكون هي الحاسمة في نجاحه في تشكيل حكومة. لقد أثار الانشقاق في القائمة المشتركة نفورا كبيرا، وأدى إلى انخفاض نسبة التصويت لدى الموطنين العرب في الداخل. نجح نتنياهو بشق القائمة المشتركة، كما نجح قبلها بشق قوائم أخرى، واستغل هذا الانشقاق بالعمل على اصطياد أصوات عربية لحزب الليكود من جهة، وبالعمل على تخدير الناخبين العرب عبر استبدال التحريض، الذي استفز الناخبين العرب سابقاً ودفعهم إلى التصويت، بتوزيع الابتسامات الكاذبة والوعود المعسولة لتخدير الناس وإضعاف رغبتهم في التصويت. وكان آخر وعود نتنياهو أنه سيمكن المسلمين من الحج عبر السفر مباشرة بالطائرة من مطار تل أبيب إلى بلاد الحجاز. أدى انشقاق الموحدة عن القائمة المشتركة وانخفاض نسبة التصويت إلى هبوط حاد في قوة المشتركة، التي حصلت في الانتخابات السابقة على 15 مقعدًا. النتيجة السياسية المباشرة لهذا الهبوط هي زيادة فرص نتنياهو بتشكيل حكومة، بدعم أو بدون دعم الحركة الإسلامية الجنوبية. لهذه التغييرات السياسية المهمّة في صفوف فلسطينيي الداخل خلفيات وأبعاد ومآلات مهمة تستحق المراجعة والبحث والنقاش. من المتوقّع أن تشهد السياسية الإسرائيلية تخبطات كثيرة في الأسابيع المقبلة، وسيحاول معارضو نتنياهو إفشاله والتحرك لتشكيل حكومة بديلة، لكن حتى لو شكّل نتيناهو أو غيره حكومة فهي لن تكون ثابتة وستسقط سريعًا بسبب التناقضات الداخلية، إلا إذا استطاع نتنياهو سحب أعضاء من الأحزاب المعارضة، وإغراءهم بالمناصب مقابل دعم حكومة له، وهذا احتمال ضعيف لكنه ممكن، ويجب أخذه بعين الاعتبار في تشخيص وتحليل الحالة الإسرائيلية بعد الانتخابات.

المهم أن كل التقلبات والتناطحات السياسية في إسرائيل لا تمس صلب الموقف من الاحتلال والاستيطان والقدس، لأنها تدور في ملعب اليمين الإسرائيلي. كل من فكّر أو يفكّر بأن التغيير الجوّاني في إسرائيل ممكن، سيجد أمامه أن لليمين أغلبية ساحقة، حتى لو كان منشقاً على نفسه، وسيجد ايضاً أن اليسار في نهاية المطاف لا يقل تطرفاً ودمويةً. صحيح أن إسرائيل تشهد عاصفة سياسية، لكنّها عاصفة تبدأ وتنتهي في فنجان الإجماع القومي الصهيوني. الموقف السياسي الإسرائيلي لن يتغيّر إلا بمحاصرته من الخارج، بالنضال الفلسطيني من جهة وحشد الضغط الدولي من جهة أخرى.

* رئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى