أقلام وأراء

جمال زحالقة يكتب الحكومة في إسرائيل جديدة لكن السياسة قديمة

جمال زحالقة *- 10/6/2021

من المفترض أن يجري التصويت الأحد المقبل على الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، ومن المفترض أيضا أن تفوز بأغلبية 61 صوتا في الكنيست وتؤدي اليمين الدستورية وتستلم مهامها في الحكم، وإذا استمرت (مع علامة استفهام كبيرة) فسيتناوب يئير لبيد في منصب رئاسة الوزراء. ستكون هذه حكومة يمينية بلا نتنياهو تستبدل حكومة يمينية برئاسة نتنياهو. وحتى لو أطلق عليها مسمى «حكومة التغيير» فهي لن تحمل تغييرا فعليا في المجال السياسي، بكل ما يخص القضية الفلسطينية، والملف الإيراني، والتعامل مع دول المنطقة والعلاقات الدولية. وإذا كان التغيير الفعلي المنتظر هو نزول نتنياهو عن العرش، فهو بالتأكيد لن يتنازل عن العرش، وسيواصل العمل للعودة إليه لمواصلة إشباع غريزة السلطة والتسلط، ولحماية نفسه من مصير سلفه إيهود أولمرت، الذي قضى سنوات في السجن بتهم الفساد.

قد تخفي رياح التغيير وغبار الزوبعة السياسية في إسرائيل، حقيقة أن السياسية ستبقى السياسة اليمينية المعهودة نفسها، وأن نتنياهو سيستمر في التأثير في الحكم وفي اتخاذ القرار حتى من المعارضة، فهو سيلقي ظله الثقيل على الحكومة الجديدة، التي سيعمل له وزراؤها ألف حساب في كل خطوة يخطونها. ستخشى مركبات الحكومة الجديدة من الوقوع في فخ ينصبه نتنياهو لها لإسقاطها واستبدالها، وسيكون وجود نتنياهو في رأس المعارضة عامل توحيد وتماسك، فالوزراء الجدد يعلمون جيدا أن سقوط الحكومة تعني عودة نتنياهو وطردهم من مكاتبهم الوزارية. الحكومة الجديدة يمينية الميول أصلا، وهي لن تستطيع تجاهل المعارضة اليمينية المتشددة، وستمتنع هذه الحكومة عن فعل ما قد يدخلها في باب المزايدة معها.

يندفع الحلفاء الجدد في الحكومة الجديدة نحو سن قانون جديد يمنع نتنياهو من الترشح، عبر تحديد مدة إشغال منصب رئاسة الوزراء بدورتين، أو بثماني سنوات، ونتنياهو أمضى أكثر من 15 عاما في هذا المنصب، وهي المدة الأطول، لأي رئيس حكومة إسرائيلية، وأطول حتى من المدة التي قضاها دافيد بن غوريون، مؤسس الدولة العبرية. إذا مرّ هذا القانون، وهناك علامة استفهام كبيرة حول ذلك، فهو سيحرك المياه الراكدة في حزب الليكود، ويفتح الباب على صراع على قيادته والمرشحون كُثر. وقد يبدأ هذا الصراع فعلا بلا علاقة بالقانون، حيث سيكون نتنياهو في موقع أضعف وأكثر عرضة للمنافسة، بعد خسارة المنصب والسلطة. المفارقة أن بقاء نتنياهو في رئاسة الليكود ومنافسا على الحكم هو الصمغ، الذي يجمع ويلم أقطاب الحكومة الجديدة، التي تجمعت لإسقاطه وتخشى عودته. أما إذا حدث المستبعد حاليا، واختفى نتنياهو عن الحلبة السياسية، فسيؤدي ذلك إلى إضعاف اللحمة بين الأحزاب في التركيبة الوزارية المليئة بالتناقضات وباحتمالات التصدع والتفتت والسقوط. تتكون الحكومة الإسرائيلية من ثمانية أحزاب:

حزب «يوجد مستقبل ـ يش عتيد» برئاسة يئير لبيد، وله 17 عضو كنيست، وهو عمليا حزب يميني يصنف إسرائيليا كحزب وسط علماني، ويدعم حل الدولتين بشروط مجحفة منها، الحفاظ على ما يسمى القدس الموحدة عاصمة إسرائيل، وضم الكتل الاستيطانية لإسرائيل وإبقاء مناطق ذات أهمية أمنية، بالأخص غور الأردن، تحت السيطرة الإسرائيلية، وما تبقى يكون دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وخاضعة لشروط أمنية وعسكرية مختلفة.

حزب «أزرق أبيض ـ كحول لافان» برئاسة وزير الأمن الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس، وله 8 أعضاء كنيست، وهو يشبه في مواقفه السياسية حزب «يوجد مستقبل».

حزب «يمينا – يمينا» برئاسة نفتالي بينيت رئيس الحكومة القادم، وله 7 أعضاء كنيست، وهو حزب يميني متطرف يرفض حل الدولتين، وينادي بضم القدس كاملة ومنطقة «ج» وجميع المستوطنات إلى إسرائيل، ما يعادل أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية، وتبقى المناطق «أ» ومناطق «ب» وسكانها في إطار حكم ذاتي خاضع لسيطرة أمنية إسرائيلية شاملة.

حزب «إسرائيل بيتنا ـ يسرائيل بيتينو» بزعامة أفيغدور ليبرمان، وله 7 أعضاء كنيست. وهو حزب يميني علماني يحمل مواقف عنصرية متشددة ضد العرب، وفي الوقت نفسه يسعى إلى علمنة الحيز العام، وإلى تقليص نفوذ ومكانة الأحزاب الدينية. وقد منع هذا الحزب عودة نتنياهو إلى السلطة، برفضه التحالف معه منذ انتخابات إبريل 2019.

حزب «العمل – هعفوداة» برئاسة ميراف ميخائلي وله 7 أعضاء كنيست، وهو يمثل بقايا اليسار الصهيوني، المسؤول تاريخيا عن نكبة فلسطين وعن العدوان الثلاثي عام 1956 وعن حرب 1967. يدعم هذا الحزب حل الدولتين بشروط التنازل عن حق العودة، وتغيير الحدود ونزع السلاح، كما طرحه في حينه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أيهود براك في مفاوضات كامب ديفيد، ورفضه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

حزب «أمل جديد ـ تكفا حدشاة» برئاسة جدعون ساعار وله 6 أعضاء كنيست. وهو حزب يميني يستند إلى منشقين عن حزب الليكود بسبب استيائهم من تسلط نتنياهو، ومن «عبادة الشخصية» المرتبطة به. وقد أعلنوا أن لا خلاف سياسي لهم مع الليكود، وهدفهم الوحيد هو استبدال نتنياهو لا استبدال سياساته.

حزب «ميرتص» برئاسة نيتسان هوروفيتس وله 6 أعضاء في الكنيست، ومنهم اثنان عرب. يمثل هذا الحزب ما يسمى «اليسار الصهيوني المعتدل» وهو يدعم حل الدولتين ويعارض عودة اللاجئين ويحمل شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان، وحقوق المثليين، وعن حرية التعبير وسلطة القضاء.

القائمة الموحدة، برئاسة منصور عباس ولها 4 نواب في الكنيست. وتعتبر هذه القائمة الذراع السياسي للحركة الإسلامية الجنوبية، التي تشارك في الانتخابات البرلمانية (الحركة الإسلامية الشمالية، برئاسة الشيخ الأسير رائد صلاح، محظورة إسرائيليا وهي تاريخيا تقاطع الانتخابات). تعرف الموحدة نفسها بأنها محافظة اجتماعيا، وتسعى إلى التأثير عبر الانضمام إلى أي حكومة إسرائيلية، ولا تضع أي شرط سياسي لذلك. وقد حاولت فعلا إقامة تحالف مع نتنياهو، لكنه فشل في الحصول على أغلبية، وانضمت إلى ائتلاف حكومة بينيت في اتفاق يلزمها بدعم قرارات وسياسات الحكومة، مقابل وعود بتوفير ميزانيات للمجتمع العربي في الداخل، وهي بالتالي تتحمل مسؤولية ما تفعله الحكومة اليمينية الجديدة.

تبدو هذه الحكومة متنوعة وتختلف في تركيبتها عن حكومات نتنياهو المتتالية، لكنها لن تختلف عنها في سياساتها لسبب بسيط، هو أنها وبسبب التعدد وتناقضاتها الداخلية، غير قادرة على الاتفاق على نهج مغاير في أي قضية سياسية مهمة، والنتيجة هي استمرار السياسات القائمة. كما أن القيادات المؤثرة فيها غير معنية بأي تغيير سياسي جدي. المجموعة المتنفذة في الحكومة الجديدة هي خماسية مكونة من بينيت ولبيد وساعار وليبرمان وغانتس، وميولها يمينية محسومة وواضحة، وهي كمجموعة لا يمكن أن تقبل مثلا بحل الدولتين ولا حتى بالتفاوض حولها، وهي بالإجماع تدعم استمرار الاستيطان وتهويد القدس واقتحام الأقصى وحصار غزة وضم الجولان، وتعتمد سياسات القمع والعدوان والاضطهاد. وإذا كانت هناك بعض الاختلافات في وجهات النظر فهي ستحسم عبر قناتين، الأولى هو إحالة الحسم إلى المؤسسة الأمنية، التي سيكون لها دور أكبر في المرحلة المقبلة، تبعا لصعوبات وتعقيدات اتخاذ القرار في حكومة مركبة. القناة الثانية هي رئيس الوزراء ومؤسسة رئاسة الوزراء، التي تتمتع بصلاحيات واسعة ومكانة قانونية في اتخاذ القرار تشبه الأنظمة الرئاسية.

رئيس الوزراء في إسرائيل هو الذي يدير اجتماعات الحكومة، ويقرر المواضيع التي تُبحث فيها، وهو يعين ويقيل الوزراء والمسؤول المباشر عن الأجهزة الأمنية: الشاباك، الموساد، ومجلس الأمن القومي ولجنة الطاقة النووية، إضافة إلى صلاحيات خاصة بكل ما يتعلق بشن الحروب والتعيينات العسكرية والأمنية. ومن شبه المستحيل أن يمرّ قرار في الحكومة يعارضه رئيس الوزراء. كل هذه الصلاحيات ستكون بيد نفتالي بينيت، الذي شغل سابقا منصب المدير العام لمجلس المستوطنات في «يهودا والسامرة» والذي يدعو ليل نهار إلى اتخاذ سياسة أكثر تشددا من نتنياهو. وبالسطر الأخير من غير الممكن أن تكون حكومة خماسية بينيت ولبيد وغانتس وساعار وليبرمان أكثر اعتدالا في أي ملف سياسي، من الممكن جدا أن تكون أكثر تطرفا في بعضها.

إسرائيل اليوم بصدد حكومة جديدة وسياسة قديمة، والتعويل هو على أن عدم الاستقرار السياسي سيستمر، ومن الممكن أن يكون الموقف الإسرائيلي أضعف، ويجب استغلال ذلك فلسطينيا وعربيا ودوليا، والمكتوب يقرأ من عنوانه ويجب عدم الانجرار وراء مقولات منح الحكومة الإسرائيلية فرصة، لربما تحمل تغييرا، فهي بالتأكيد لا تحمل أي تغيير إلى الأفضل، وأنت لا تجني من الشوك العنب.

* رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى