أقلام وأراء

جدلية الجمود والإرهاب

د. أسعد عبد الرحمن 9/4/2021

لا خلاف على أن الإرهاب اكتسب شهرته وخصوصياته مع نشأة النظام العالمي الجديد، وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. غير أن المسألة، من الناحية الزمنية، هي أبعد من ذلك، إذ تعود إلى ذات الوقت الذي كانت فيه بعض الأنظمة العربية والإسلامية تقوم بدور الحاضنة للجماعات الأصولية، خاصة خلال مرحلة الحرب الباردة والحرب في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي («الشيوعي الكافر»)، أو ما درج بعضهم على تسميته «الأخطبوط الأحمر»! وكنا قد رصدنا في مقال سابق حيثيات ظاهرة اليمين المتطرف العالمي والموقف منها.

وإذا كان الفهم الخاطئ لنصوص الدين هو أول سبب للتطرف وللإرهاب، وهو للأسف خطأ ما يزال متواصلاً، فإن خطر الإرهاب لا يزول بين ليلة وضحاها، بل يزداد شراسة وعنفاً مع انتشار فكر التطرف، واتساع دائرته، وتزايد أتباعه، وتحوله إلى جزء من ثقافة المجتمعات. ثم إن بعض الأنظمة، عبر ممارساتها، وأيضاً خضوعها في سياستها لسياسات دول خارجية، تستولد عداءً لدى طبقات يمكن أن يُستَغَل في تأجيج النزاعات الداخلية. وفي هذا السياق يكمن التشابه بين بعض الأنظمة الشمولية وبين الإرهاب، فكلاهما يمارس الإقصاء، وما يترتب عليه من تداعيات اجتماعية، خلافاً للآثار الاقتصادية، تضرب مقومات المجتمع ككل وعماد سكينته.

وبدلاً من أن تعمل الأنظمة على تجديد الخطاب الديني وعصرنته، في ظل تراجع مكانة المؤسسات الدينية التقليدية، فإن بعض هذه الأنظمة ضيّقت على أصحاب النهج المعتدل (وبخاصة أهل التصوف) حتى أصيب بعضهم بداء الانحراف الفكري، ولم تقو المؤسسات الدينية على القيام بدورها عبر الدعوة إلى مبادرات ترسخ معنى الوسطية باعتباره نقيضاً للتطرف الديني. ومن هنا يرى بعضهم أن هذه الأنظمة، ومن خلال تحجيمها لدور العلماء وتقليصه في المجتمع، أسهمت في نفور بعض الشباب وتوجهه إلى أصحاب الفكر المنحرف دينياً في ظل عدم وجود مَن يعتد به من أهل العلم، كما حدث في أكثر من بلد. وكل هذا تواكب مع تفشي ظاهرة الفقر التي فاقمت الغضب وجعلت الشباب أول الضحايا وأكثرهم عرضة للانحراف الفكري.

ومع الاعتراف بأن هذا الانحراف الفكري موجود في بعض كتب الفقه والتراث، إلا أن الواقع التربوي العربي البائس كان له أيضاً دوره في تسلسل أفكار التطرف والإقصاء. فبعض الأنظمة التعليمية والسياسات التربوية العربية تحاشت التركيز على المفاهيم الإنسانية العصرية مثل مفهوم التسامح، ومفهوم التنوع والاختلاف، ومفهوم المواطنة، ومفهوم الإخاء بين أبناء المجتمع الواحد (مهما تعددت الديانات والأصول العرقية والأيديولوجيات بحيث يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات)، ومفهوم احترام الرأي والرأي الآخر، ومفهوم العيش المشترك، ومفهوم التعددية.. إلخ.

وبسبب السياسة التربوية الجامدة في العديد من الدول العربية، تقلّصت مساحة التعليم الناقد ومناهجه العقلية، أي التعليم القائم على احترام دور العقل والمنطق وعلى الإيمان بقيمتي الحوار والتعدد.. ولذلك السبب فقد تفاقم التطرف وتلاحقت أمواجه في العديد من البلدان العربية، مع ما لذلك من تبعات كارثية رأيناها رأي العين خلال السنوات الماضية الأخيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى