جدعون ليفي يكتب – مَن الجاهل هنا؟
بقلم: جدعون ليفي، هآرتس – مقال – 4/10/2018
يئير لبيد بمطالبته المضحكة من ريال مدريد “الاعتذار” على استضافة عهد التميمي، اثبت أن اللقاء في مدريد “يدلل على جهالة أمام الذين يريدون تدمير دولة اسرائيل” .لنترك جانباً القدرة التدميرية لفتاه في السابعة عشر من عمرها، معدومة الحقوق، وللبرانويا “الرهاب” المصطنع لاسرائيلي ابن 54 عاماً في المنافسة على درجة الجهالة، بخصوص ما يجري تحت الاحتلال. من المسموح به أن نقول أن مستضيفي التميمي في مدريد يعرفون عن الاحتلال الاسرائيلي أكثر من زعيم الوسط الاسرائيلي الذي يسكن رمات ابيب حـ، والذي يمكننا الافتراض أن قدمه لم تطأ يوماً النبي صالح. كشخص يتلقى معلوماته من الجيش الاسرائيلي ومن الشاباك ووسائل الاعلام الاسرائيلية، ويمتنع عن اللقاء بالفلسطينين ومن زيارة المناطق، كمعظم السياسيين الاسرائيليين فليس لدى لبيد فكرة عن الحياة وعن الناس في قرية النضال العنيد هذه، أو في أي مكان آخر موجود على بعد نصف ساعة سفر عن بيته. لبيد ليس استثناءً في جهالته. كل قارئ عادي للصحف من غرب اوروبا يعرف اليوم عما يجري تحت الاختلال أكثر من معظم الاسرائيليين. وفي وسائل الإعلام العالمية يتم الكشف عن الحقيقة المجردة، والبسيطة، تلك التي يتم تغطيتها جيداً عن أعين الاسرائيليين، ويتم تغليفها من أجله بتلال من التخويف والأكاذيب. هناك لا يغسلون الأدمعة من “مخربة” ابنه 17، “عائلة قتلة”، “قرية مخربين”، “تدمير اسرائيل”، “ارهاب سياسي “أو “ارهاب الطائرات الورقية”. هناك يتحدثون عن الحياة تحت الاحتلال وما الذي يحرك المعارضة له.
في ريال مدريد يرون في “عهد” بطلة، رمزا يثير التقدير والتماهي مع المقاومة المشروعة للاحتلال، هل يوجد طريقة معقولة أخرى لوصف الحياة في النبي صالح؟ باستثناء “هآرتس” واثنان- ثلاثة من مراسلي المناطق في وسائل إعلام أخرى، والذين ما زالوا يحاولون تقديم تقارير حقيقية ويواجهون معارضة من محرريهم، المعلومات عن المناطق يتم تزويرها وتشويهها. كلهم مخربون. يفيقون صباحاً- مخربون. يذهبون للنوم- مخربون. لقد ولدوا لقتل اليهود. ليس لسياق الاحتلال مكان في الاعلام الاسرائيلي. لوصف الحياة اليومية ليس هنالك مشتري. لوصف أعمال الرعب والجرائم، ليس هنالك شجاعة. الجيش الاسرائيلي والشاباك هما مصدر المعلومات الحصرية تقريباَ عما يحدث في مخيم بلاطة.
غسيل الأدمغة والذي ازداد بدرجة كبيرة منذ الانتفاضة الثانية، لا يترك المزيد من الأوصاف المعقولة لواقع الحياة في الضفة وغزة. اسرائيل مستعدة فقط لاستقبال معلومات مشوهة ودعائية عما يحدث هناك، والتي تصل حد التحريض وصرف الانتباه. إن محاولة وصف رعب الحياة في غزة مثلاً، هي حالات نادرة في وسائل الإعلام الاسرائيلية أكثر بكثير مما هي في الإعلام الأجنبيّ، وحتى هؤلاء يثيرون الانتقاد والغضب. الاسرائيليون مصممون في تطلعهم عدم المعرفة، والتلفع بجهالتهم.
اسرائيل تمنع الصحفيين الاسرائيليين من الدخول إلى غزة، منذ 12 عاماً، ولا أحد ينبس ببنت شفة، أيضاً مدن الضفة، وقراها تحظى بعدد أكبر من الزيارات للمراسلين الأجانب مقارنة مع الاسرائيليين. النتيجة: جهل مريع، مع آراء مسبقة، تنميط، خوف،كراهية، تعالي، واحتقار كل ما يتعلق بالفلسطينيين. في غياب أي اتصال مباشر بين الشعبين، فإن تأثير المعلومات التحريضية على تشكيل وجهة النظر والرؤيا في اسرائيل هي مصيرية.
ما زال مسموحاً الاعتقاد، ربما بسذاجة زائدة، بأنه لو أن الصحفي لبيد وليس السياسي لبيد، زار مرة النبي صالح، وكان منفتحاً وليس مُحرضاً ضد الحياة والناس هناك، ورأى سلب القرية من أرضها، وصور الأبرتهايد أمام حلميش، لكان سيصفق لريال مدريد على استضافته، التي تبعث الالهام لبنت القرية، التي تجرأت على الوقوف أمام المحتل، وتفوقت عليه، ربما حقيقة كون عهد التميمي هي كل ما لبيد لم يكونه ولن يكونه- مناضلة شجاعة، مستعدة لدفع ثمن شخصي باهظ، والتي ولدت وترعرت تحت الاحتلال،لبيد المدلل الذي وجد ملعقة من ذهب، والذي لم يناضل يوماً للحصول على شيء ما ولا بتمتع بأي شجاعة- هذا ما يغضبه جدا، ومعه قطيع وحيد القرن الاسرائيلي الكبير جداً.