ترجمات عبرية

جدعون ليفي – ترامب قاطع اسرائيل، علينا أن نشكره

هآرتسمقال – 23/12/2018

بقلم: جدعون ليفي

فجأةً وداخل بحر القرف، والسخرية، والغضب الذي يثيره دونالدترامب، فقد اتخذ قراراً يبعث الأمل، لقد قرر الانسحاب من سوريا. إزاء جوقةالنحيب الاسرائيلية، والتي تضم بالطبع أيضاً، قدراً لابأس به من السرورلبنيامين نتنياهو، يجب أن نقول لترامب: شكراً، شكراً على القرار الذي سوفيفيد أخيراً اسرائيل، والولايات المتحدة والمنطقة.

ليس فقط أن الرئيس وفى بوعده، ليس فقط على أنه يواصل السياسةالحكيمة لسابقهأيضاً تجاه اسرائيل فان قراره، والذي عرضت هنا بالطبعوكأنه يحمل كارثة، ويضعضع الوعد: سوف يؤدي إلى جعل اسرائيل تبدأبالوقوف على أرجلها ويفتح شرخاً في ثمل القوة لديها وفي قوتها الزائدةوالتي هي العوامل الأكثر تدميرية لها ولمحيطها. القرار يتعهد بارجاعاسرائيل إلى ارض الواقع على الاقل في سوريا: سوريا أولاً.

إن استناد اسرائيل على قوتها العسكرية العظيمة واعتقادها أن القوةستجيب على كل شيءبالإضافة إلى الدعم غير المحدود للولايات المتحدةلميفيدها. الآن يجب أن نأمل أن الانسحاب من سوريا يبشر بتغيير الاتجاه منجانب الأمريكان، ليس فقط يدلل على قرار سريع لمرة واحدة. إذا حدث ذلكعندها سيتحول ترامب إلى صديق حقيقي لاسرائيل، يهتم بمستقبلها أكثربكثير من كل مسلِّحيها ومموِّليها، أصدقاء أكاذيبها. مثل الأب الذي يقرر أنيتخلى عن معانقة الدب الذي يمنحها لابنه المدلل من اجل أن يواجه بنفسهالواقعربما أن ترامب سيقوم بتحرير اسرائيل من الرعاية المضرة التيأحاطتها بها أمريكا، مصيدة العسل التي أفسدتها حتى النخاع.

التدخلات العسكرية للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية انتهت بشكلعام بسفك دماء جماعي كبير، وحشي وزائد. السلام والحرية، وهي الأهدافالمعلنة لحروب أمريكاهذه التدخلات، لم تمنحها أبداً. من كوريا وحتىسوريا مروراً بفييتنام وأفغانستان والعراقخلفت خلفها ملايين البشر الذينقتلوا عبثاً. لهذا لا يوجد ما نبكي عليه على خروج أمريكا من سوريا. باستثناء التخلي عن الأكراد المثير للغضب ولكن المتوقع، فإن بقاء جيشالولايات المتحدة لم يؤدِ لا إلى سلام ولا إلى حرية لأحد.

اسرائيل اعتقدت أن تكون في ظل الحماية الامريكية ايضاً في سوريا،ترامب وضع حداّ لهذا الأمل. في البداية كانت روسيا هي التي أنهت طيراناسرائيل في سماء سوريا ولبنانوالآن الولايات المتحدة. اسرائيل بقيتلتواجه مصيرها، على الأقل في سوريا. هذا يخيف الأمنيين، المقتنعون بأناسرائيل تستطيع فقط أن تعيش بواسطة القوة ولكن هذا يجب أن يشجع كلمن يفهمون بان الاعتماد الحصري على القوة العسكرية لم ينجح في يوم ماطوال الوقت. دول عظمى أقوى من اسرائيل انهارت. اسرائيل ستضطر لانتقصف بقدر أقل وهذا جيد. سوف تضطر للاعتراف بحدود القوة، وهذا أيضاًأفضل من سابقه.

إذا تسرّب هذا الفهم، عندها سيحدث تغيير ثوري في رؤية اسرائيل. الاحتمال للوصول إلى سلام وقبولها في المنطقة مرهون بإضعاف قوتها. خلافاً للتفكير المعتاد، فإن زيادة قوة اسرائيل هو لعنتها الكبرى. بفضلهاوبفضل الدعم الأعمى للولايات المتحدة فإنه يمكِّنها من العربدة كما يروق لهافي الضفة وغزة، وفي لبنان وأحياناً أيضاً بابعد من ذلك. أن تقمع شعباً،وأن تبني مستوطنات. أن تسخر من العالم وأن تتجاهل القانون الدولي، وأنتتحرش وتعتدي. الآن جاء الرئيس الأكثر يمينية والأكثر قومية متطرفة من بينرؤسات الولايات المتحدة، أكبر أصدقاء الاحتلال الاسرائيلي، ليقول لمن هيمن رعاياه: عليكِ أن تواجهي الأمور وحدكِ، وسنرى كيف ستقومين بذلك.

الأمر يدور حول مشروع تجريبي، مشروع سوريا التجريبي. ترامب اتخذخطوة BDS )مقاطعة): لقد قاطع اسرائيل. اذا واصل بهذه الصورة فإناسرائيل ستضطر إلى السير في طريق لم تسر فيها في يوم ما. بالتحديدترامب من بين كل الرؤساء من شأنه أن يجعلها بدون قصد تغيِّر الاتجاه. أنتفهم أن هنالك مشكلة وأن هنالك حدود لقوتها، وأنها ليست هي الدولةالوحيدة في الشرق الأوسط، وأن شعبها ليس مختاراً، وليس شعب اللهالمختار، وأنه ليس كل شيء مسموح به، فقط لأنها تستطيع؛ وأنه يجدرالتفكير والحديث والتنازل، وأن الاحتلال والأبرتهايد برعاية الخناجر لن يصمدللأبد. ربما ترامب من بين كل الناس هو من يفعل ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى