جدعون ليفي / بفضل الذوبان
هآرتس – بقلم جدعون ليفي – 14/10/2018
مع حليب أمنا أدخلوا فينا الخوف المرعب من الذوبان، دمار خراب، أوشفتس، تقريباً هكذا، لقد كنا اسرائيليين فخورين لدينا دولة وجيش ولكن العديد من بيننا كانوا يخافون الدخول إلى الكنيسة. قبل وقت كبير من التهويد، عندما كنا نقبّل بخوف كتاب التوراة الذي يسقط على الارض. نحن مواليد العلمانية الموهومة لتل أبيب، لقد لعبنا أحياناً بالنار: رسمنا علامة الصليب، استغفر الله، كنا نلعب. لقد كان هذا اختباراً للشجاعة وتحدياً للمصير، ليس أقل من قفزة من السطح، أو وضع يد على شمعة مشتعلة.
في شارع يافت كان هنالك مدرسة مرعبة، وقالوا لنا أنها تعود لـ”المسيون” (الإرسالية التبشيرية)، كلمة مسيون بدت وكأنها الجيستابو (مقر المخابرات الألمانية). كلما مررنا من جانبها حتى عندما كبرنا قليلاً، كنا نفكر بخوف بما يحدث بين أسوارها. الإشاعة تحدثت عن أن أحد الأطفال من مدرستنا دخل هناك ومنذ ذلك الحين اختفت آثاره، ونحن لم نغفر ذلك، لقد شككنا بأن والديه كانا نصرانيان. هذا أخافنا جداً.
هكذا تربينا، جيل أول للنهضة، هكذا مسحوا أدمغتنا بالخوف. لم يعلمونا في يوم ما كلمة من العهد الجديد. نجاسة، “في الزقاق الضيق” لـ أ.أ كاباك كانت تلك المعلومة الوحيدة التي حصلنا عليها عن عيسى المسيح في المنهاج التعليمي الرسمي، العلماني والليبرالي، قبل وقت طويل من نفتالي بينيت. عن الإسلام والقرآن لم نسمع شيئاً بالطبع، عندما أريئيلا “رالا” ابنة الصديقة الحميمة لوالدتي وهي ابنة عم بنيامين نتنياهو تزوجت في سان فرانسيسكو لدوني، قالوا عندها هذا ليس فظيعاً، دوني هو شخص ساحر، بالرغم من أنه ليس يهودياً. هكذا كنّا.
لقد نضجنا منذ ذلك الحين وازددنا قوة. في البلاد تبلورت الاسرائيلية، لقد أصبح هنالك عولمة للعالم، الزواج مع “الأغيار” أصبح أكثر انتشاراً وأقل تهديداً في أوساط الأقلية الليبرالية القليلة. ولكن الرواية القومية بقيت كما هي: الزواج المختلط هو خطر وجودي، الذوبان هو تدمير. لا نريد “أورن حزان الجاهل” من أجل أن نفهم إلى أي درجة هذه الرواية ما زالت متجذرة عميقاً في الواقع الاسرائيلي واليهودي. لقد سألوا تقريباً كل والد بما فيهم أغليبة العلمانيين والمتنورين في نظر أنفسهم، وهذا أجاب بأنه “يفضل” أن يتزوج ابنه بيهودية، لماذا، اللعنة؟.
معارضة الذوبان هي عنصرية وقومية متطرفة خالصة.مرة ثانية، هذا هو الدم اليهودي النقي والأسمى الذي يمنع اختلاطه لا سمح الله مع النجاسة النصرانية، المسلمة أو غيرها. غريزة البقاء للشعب الذي يعيش في أقلية وكان يتعرض للتهديدات طوال التاريخ تواصل تطويقه، وكأن البلدة ما زالت تشتعل. ومن هنا بالإمكان الذهاب خطوة أخرى والسؤال: من أجل ماذا؟.
دولة اسرائيل هي تجسد اليهودية وقيمها. هنا اليهود هم الأغلبية، هنا هم ذوي السيادة ليس هنالك مانع أمامهم من تحقيق رغباتهم، إذا كانت اسرائيل مجتمعا مثاليا أو دولة أخلاق، لكان بالإمكان فهم الحاجة للمحاربة ضد الذوبان، من أجل الحفاظ على القيم السامية. ولكن انظروا هذه كارثة: كندا غير اليهودية مثلاً ،هي دولة أخلاقية بدرجة لا تقدر بالمقارنة بدولة اليهود. لقد استوعبت في السنوات الأخيرة ما يقارب من 3 آلاف طالب لجوء اريتيري هربوا من اسرائيل بعد أن قامت الأخيرة بلفظهم من داخلها بصورة مشينة. نيطاع أحيتوف وصفت الإنسانية التي تتعامل بها دولة الشعب غير المختار، مقابل الذكريات التي يحملونها من الأرض المختارة (هآرتس 12/10) هذا فقط مثال.
هل النضال ضد الذوبان هو نضال للحفاظ على القيم اليهودية كما تبلورت في اسرائيل؟ إذا كان الأمر كذلك يفضّل وقفها. “الجفلطع بيش” (أكلة السمك التقليدية) والحرَيمة (أكلة مغربية)، التاناخ، الدين والتراث، بالإمكان الحفاظ عليها أيضاً في الزيجات المختلطة. في الوقت الذي فيه تتحول دول الغرب إلى متعددة الثقافات، والزيجات المختلطة هي فيها أمر اعتيادي هنا يحاربون كل اختلاط. يرون فيه خطراً وجودياً، وأحد الوزراء يهدد الأطفال المختلطين. دولة اليهود سببق وبلورت لنفسها هوية. بالإمكان فقط إغناؤها بالذوبان، والذي هو التطبيع الصحي. بالتحديد لوسي أهريش وتسحي أليفي من شأنهما أن ينبتا هنا عرقاً أخلاقياً وثقافياً أفضل أكثر بكثير مما نبت هنا حتى الآن.