ترجمات عبرية

جاكي خوري / صفقة القرن الحقيقية

هآرتس – بقلم  جاكي خوري  – 11/7/2018

رجل العقارات، الذي يتولى منصب رئيس الولايات المتحدة، ادخل الى الوعي السياسي الشرق اوسطي بشكل عام والاسرائيلي بشكل خاص اصطلاح “صفقة القرن”. وقد تبنيناه جميعنا، بمن فينا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي سارع الى استخدامه في لقاءاته الاولى مع الرئيس الامريكي في واشنطن وفي بيت لحم. وحاول عباس في حينه ارضاء دونالد ترامب، قبل أن يفهم بانه لن يخرج منه أي شيء، فقطع الاتصال.

يأتي هذا الاصطلاح، بالطبع، مثلما يشهد اسمه، لوصف خطوة دراماتيكية من تسوية سلمية، تضع حدا للنزاع الدموي بين اسرائيل والفلسطينيين، تؤدي ايضا الى سلام شامل في الشرق الاوسط وتدخل الى كتب التاريخ. غير أن كل ذي عقل يفهم، بان ليس هذا ما قصده ترامب حقا، فما بالك حكومة نتنياهو. الهدف الحقيقي هو خصي القيادة الفلسطينية في ظل عرض صفقة هي بالفعل مقاولة في جوهرهها. يحصل الفلسطينيون حيثما يتواجدون على امكانية العمل والارتزاق والعيش في ظروف معقولة، ويهجر الحلم الوطني. هم لن ينالوا دولة، ولا عاصمة في القدس ولا حق العودة.

وبالتالي في الوعي الفلسطيني فان معنى “صفقة القرن” هي تصفية الحلم الوطني ومرادف لاملاء اسرائيلي – امريكي، يتم انزاله من فوق على القيادة الفلسطينية، في ظل محاولة لربط العالم العربي بالخطوة.

اذا كان ثمة حقا خطة يمكنها أن تنال لقب “صفقة القرن” فانها موضوعة على الطاولة منذ 18 سنة، منذ العام 2002، في ذروة الانتفاضة الثانية، حين أقرت دول الجامعة العربية مبادرة السلام السورية. فالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان محاصرا في حينه في المقاطعة في رام الله، ولكن في وضع العزلة الذي كان يعيشه ما كان لاي زعيم عربي أن يتجرأ على ان يتحدى المباديء الوطنية الفلسطينية، كما تشهد المبادرة.

ان ترامب وعصبة مستشاريه لا يمكنهم أن يأتوا فجأة ليعيدوا اختراع الدولاب. لا يمكنهم ان يملوا فجأة سيناريو جديد، وبالتأكيد ليس عندما يدور الحديث عن أغرار سياسيين مثل مبعوثي ترامب جارد كوشنير، جيسون غرينبلت وديفيد فريدمان. ليس هؤلاء هم الاشخاص القادرون على أن يقودوا خطوة صعبة بهذا القدر ومحملة بالمصائر، لم ينجح حتى سياسيون مجربون اكثر منهم بكثير قبلهم ان يحققوها.

ظاهرا، ليس للقيادة الفلسطينية ما يدعوها الى القلق. فالشعب الفلسطيني سبق أن تصدى لاوضاع اصعب واكثر وحشية. فبعد ضربة حرب 1967، التي قضت على حلم تحرير ارض فلسطين التاريخية، جاءت احداث “ايلول الاسود” (1970) في الاردن، والتي كان هدفها عمليا تصفية تواجد الفصائل الفلسطينية في الاردن. يكفي العودة الى ارشيف المقابلات مع ياسر عرفات لنراه ونسمعه يعلن بان الخطة – التي نالت تأييد السي.اي.ايه – كانت تصفية الحركة الوطنية الفلسطينية.

اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر، في 1979، كان ضربة اخرى من ناحية الفلسطينيين. فالدولة العربية الاكبر والاقوى خرجت من دائرة المواجهة – وعقب ذلك في واقع الامر قضت بانه لن تكون بعد اليوم حرب اقليمية، لانه لن تتجرأ أي دولة عربية على مهاجمة اسرائيل بلا مصر- وتوصلت الى اتفاق مع اسرائيل، ترك الفلسطينيين خارجه، بلا دولة ومع ما بدى كاحتمال اصغر لتحقيق امانيهم الوطنية.

في حزيران 1982، اجتاحت اسرائيل لبنان بهدف تصفية تواجد م.ت.ف في الدولة من خلال الفصائل المسيحية. وعزلت هذه الخطوة سوريا ومست أكثر بفرص الحلم الوطني الفلسطيني.

في كل هذه المفترقات السياسية، دفع الفلسطينيون الثمن بكثير من الدم، ولكن الحلم لم ينته والحركة الوطنية حية ترزق. المرة تلو الاخرى فشلت المحاولات للاملاء على الفلسطينيين اتفاقات لا تتضمن استجابة دنيا لتطلعاتهم الوطنية، وعلى راسها دولة في حدود 1967. يبدو أن حتى الاسرائيليين والامريكيين باتوا يفهمون، رغم محاولاتهم المتكررة لتجاهل ذلك، بان الفلسطينيين لن يتنازلوا في هذا الشأن.

لماذا، بالتالي نجد أن الفلسطينيين مع ذلك قلقون؟ السبب الاساس هو أزمة الزعامة واستمرار الانقسام الداخلي، الذي يمنع كل امكانية لبلورة استراتيجية فلسطينية موحدة. وعليه، فاذا كان ابو مازن، ابن جيل المؤسسين، الذي يعرف جيدا كل الصفقات وكل الالاعيب، يتطلع لان يخلف شيئا ما للجيل التالي، فان عليه ان يحرص ليس لارثه هو بل لشعبه، وان يعمل بكل قوته كي يخلق خطوة فلسطينية داخلية تؤدي الى انهاء الانقسام وانتخاب قيادة جديدة، تسعى الى بلورة اجماع وطني.

فقط هكذا سيكون ممكنا دفن خطة ترامب، والعرض على الاسرة الدولية خيارين فقط: دولة فلسطينية في حدود 1967 الى جانب دولة اسرائيل، او دولة واحدة لكل مواطنيها. هذه ستكون صفقة القرن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى